يتوقع بعض العلماء في اليابان أن يندلع بركان لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد، وحسب تقديراتهم قد يصل عدد ضحاياه إذا اندلع إلى مئة مليون إنسان ومن نتائجه الكارثية اختفاء اليابان من هذا الكوكب، ورغم أن اليابان تعتبر جغرافيا زلزالية بحيث تُشيد العمارات فيها بتقنية مختلفة عن سائر العالم، إلا أن ذلك لم يحل دون شعور الكثير من اليابانيين بالرعب، وقد لا يكون هذا المقام مناسباً لمناقشة مسألة علمية وجيولوجية بهذا التعقيد، لكن ما عرف عن اليابان أن شعبها طالما استجاب وبشكل فذ للتحديات سواء كانت تاريخية كالهزيمة والحجر على التسليح أو طبيعية كالكوارث. لهذا سارع أحد اليابانيين إلى تذكير العالم بأن هناك حالة فريدة واستثنائية لم تحدث في أي مكان آخر غير بلاده وهي أن قطاراً يعمل منذ سنوات بين بلدتين لنقل طالبة واحدة إلى الجامعة، ومعنى ذلك ببساطة أن الدولة التي تفعل ذلك، تعمل لدنياها وكأنها تعيش أبداً، حتى لو كان ذلك البركان العنيف بالمرصاد. وهناك شعوب حافظت على الأعراف والتقاليد الموروثة فيها حتى في ذروة التقدم العلمي والصناعي، ولم يشعر الناس فيها بأن هناك أي تناقض بين الحفاظ على التاريخ وطقوسه والتقدم العلمي، بل هناك من ذهبوا إلى ما هو أبعد وهو دور هذه التقاليد في شحن الناس وشحذ إراداتهم كي يواصلوا التطور، لأنها بمثابة الجذور والضمانة الأخلاقية، بعكس ما يتصور البعض وهو أن التقاليد الموروثة تعيق التطور، وما نشر من أنباء مفزعة عن الزلزال الموعود لم يغيّر من إيقاع حياة الناس ولم يجدوا فيه ذريعة للخمول والاستسلام لأن لكل مجتمع حربه الخاصة مع شروط البيئة التي وجد فيها، فمن يعيشون في الأسكيمو أو أماكن أخرى تصل فيها درجة البرودة إلى أكثر من ثلاثين تحت الصفر، شَيّدوا بيوتاً ورفوف مكتبات من الجليد، وهكذا فعلت حتى الحيوانات والطيور في القطب المتجمد، ومنها طائر البطريق الذي تحتشد أعداد هائلة منه وتلتصق ببعضها حتى تصبح جسداً واحداً لاحتمال البرد ، أو اختزان الغذاء لأشهر. إنها نظرية التحدي والاستجابة التي بنى عليها أرنولد توينبي منهجه في قراءة وتحليل التاريخ، فالشعوب الحيوية التي تدافع عن أسباب بقائها تحول حتى الضارة إلى نافعة. أما أطرف ما قيل في هذا السياق حول قسوة الجغرافيا فهو ما قاله موسيقي روسي حين اعترف بفضل الجليد عليه لأنه عكف على عمله، ولم ينتظر الشمس كي تذيب الجليد وأذابه بموسيقاه. منصور
مشاركة :