إنكليزي ده يا مرسي؟

  • 1/30/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

< من المؤكد أن كل من «جايلني» أو معظمهم، شاهد مسرحية مدرسة المشاغبين بطولة عادل إمام، التي اشتهرت بها «لزمة» سعيد صالح «إنكليزي ده يا مرسي؟». انبهار مرسي باللغة يعكس واقعاً تشكل في أذهان الكثير من المجتمعات العربية. هناك الملايين من بلادي ومن العالم ممن لا يعرفون من اللغة الإنكليزية إلا «نعم» أو «لا»، ولم يجتازوا في الدراسة إلا مراحل أولية، أفضلها الثانوية، ومع كل هذا أقر أنهم أكثر قدرة وثقافة واطلاعاً، فاللغة الإنكليزية لا تعني أنك ستأتي بما لم تأت به الأوائل. لا أعرف من الذي أدخل في روعنا ومنذ أن وعينا على الدنيا أن متحدثي اللغة الإنكليزية لا ينطقون عن الهوى، وعندما يأتي الأميركي أو البريطاني إلى بلدنا تهتز له الأيادي والكراسي، ويتم التعامل معه بتبجيل وتقدير، وكأنما هو من يعرف كل شيء، حتى لو لم يعرف أي شيء. تمر بالمجتمع السعودي ظواهر تتغير كل فترة، مثل النظرة إلى حاملي شهادات الدكتوراه بوصفهم صانعي المعجزات، ويفتون في كل شيء، ويفهمون كل شيء، وعندما كثروا - خاصة ممن شهاداتهم لا تساوي الورقة التي طبعت عليها - تحوّل الإعجاب فقط إلى من يتحدث اللغة الإنكليزية منهم بطلاقة، سواءً حمل شهادة دكتوراه أم ثانوية. بالنسبة لي - ككاتب صحافي - أحسست بالفرق عندما يُصرح أحد المثقفين إلى وسيلة إعلام غربية، في البداية انسقت وراء الوهم بأن المحادثة تمت باللغة الإنكليزية، إلا أنني اكتشفت أن معظمه يتم من طريق المراسل، وهو عادة عربي يتحدث الإنكليزية، وحتى لو افترضنا أنه - أي المثقف أو الإعلامي - يتحدث بالإنكليزية، فقد يكون غير ملم بها، ولكن يفهمون كلامه بالسياق العام، وعلى أفضل الأحوال قد تكون اللغة جميلة وقوية، لكنه لا يقول جديداً، إلا أن الصدى يكون قوياً جداً لدى المستقبل الذي يكون بعض الأحيان أكثر ثقافة من المثقف، إلا أنه يفتقد اللغة الإنكليزية، أو يفتقد الوسيلة التي يصل بها إلى الإعلام هناك. يا ترى، ما الذي يجعل كتاباً عرب، أو بعض من زملائنا السعوديين يتميزون عن غيرهم بالكتابة باللغة الإنكليزية؟ وعندما يتحدث بالعربية أو يكتب بها لا أقول إنه هش أو متواضع، ولكنه أحد من تمر عليه مرور الكرام، فهو فقد تلك الميزة السحرية، التي تجعل الكثير يتناسون أو يخشون أن يفكروا بمستواه المعرفي أو الثقافي. هذا الانبهار يسري على العلوم والأعمال والوظائف والتعامل، فأحد أصدقائي درس دبلوم حاسب آلي في معهد الإدارة العامة، ثم تعين بعد سنوات في شركة أجنبية ترتبط مع الحكومة بعقود ضخمة، وكان يعمل معه أجنبي، وفي الإدارة التي عملا بها سوياً كان الأجنبي مع الوقت أقرب إلى التلميذ عند صديقي السعودي، إلا أن الفرق كان بالعائد الشهري والمحفزات، إذ إن راتب الأجنبي كان يفوق راتب صديقي ثلاث مرات من دون مبالغة. لا يراودني أدنى شك في أن الدراسة تثري على المدى البعيد، ولا يراودني شك آخر عن إن اكتساب لغة أخرى مثري جداً للشخص، ولكن كل هذا يتم في حال تساوت مهارة الأشخاص الفردية، فهنا تكون الدراسة أو اللغة ميزة لأحدهما عن الآخر. الجانب الآخر والمهم، هو أن المجتمعات ليست بنية واحدة، فهناك فرق، فالمجتمعات الغربية تتميز قطعاً بالأفضلية بكل شيء، ولكن هذا لا يعني أن نشعر على المستوى الفردي بالدونية، وما يؤكد حديثي أننا أثناء الدراسة في أميركا يعمد بعض الأساتذة إلى منحنا وقتاً أطول؛ بسبب أنها ليست لغتنا الأم، كما يتجاهل في التصحيح الأخطاء اللغوية والنحوية، وفي المقابل هناك سعوديات وسعوديون تفوقوا في تخصصاتهم أكثر من الغرب في جامعاتهم. إعلامياً وأكاديمياً يتضح الفارق لدى المميزين باللغة، لأنهم يقرؤون الأبحاث والمراجع مباشرة باللغة الإنكليزية، لكن هناك ما لا تستطيع لغات العالم كلها أن تصنعه، وهي تلك الموهبة التي يتميز بها الفرد من أي جنسية أو عرق أو ثقافة، وهنا مربط الفرس.   abofares1@

مشاركة :