الكارثة الإنسانية فضحتْ «المعاييرَ المزدوجة» و«قِيَم الغرب» تَسقط في زلزال سورية وتركيا

  • 2/8/2023
  • 20:08
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مازال الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية (بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر) في عين الحدَث بعدما أوقع أكثر من 12 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى مع توقع ارتفاع أعداد القتلى بسبب وجود عدد لا يُحصى من الناس تحت الأنقاض، والذين يستطيعون عادةً البقاء على قيد الحياة لمدة تراوح بين 5 و7 أيام من تاريخ وقوع الزلزال. وتَدافعتْ أكثر من 75 دولة لتقديم المساعدة بشتى أنواعها إلى تركيا، وعلى رأسها أرمينيا واليونان والسويد التي تُعتبر دولاً على خلاف عميق مع الرئيس رجب طيب أردوغان، وسط إعلان أنقرة - المجهزة للكوارث الطبيعية - أن الدعم لا يوازي حجم المصاب. إلا أن الغرب، وعلى رأسه أميركا وأوروبا، لم يرسل أي مساعدات فورية إلى سورية التي لم تَخرج بعد من نتائج نحو 12 عاماً من حرب مدمرة وتتعرّض لعقوبات غربية قاسية ولا تملك الجزء اليسير من الإمكانات التركية. فهل تخلى الغرب عن قِيَمه وبات يقدّم السياسة على التضامن الإنساني، أم أن قِيَم الغرب «مطاطة» في أساسها؟ جمعتْ القارة الأوروبية ثروتَها من استعمارها لدول أخرى... فقامت قوات الاستعمار البرتغالية والإسبانية والامبراطوريات البريطانية والإيطالية والنمسوية - الهنغارية والفرنسية والألمانية بنهب الدول لتعود بتلك الثروات الطبيعية إلى القارة الأوروبية وتبني صناعتها وقوتها الاقتصادية. وبعد الحرب العالمية الثانية، دخلتْ الامبراطورية الأميركية على القارة الأوروبية لتبسط سيطرتها وسلطتها وتجني غنائم الحرب بعد هزيمة ألمانيا. ومع انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، بقيت أميركا وحيدةً متربّعة على عرش العالم، من دون منازع، لتنضم إليها أوروبا بعقليتها الاستعمارية في تَقاسُم الغنائم. ووضعت معايير رنانة تتغنى بحقوق الإنسان ومحاسبة جميع مَن يتجاوزها كغطاء متين تعلن عبره الحروب على أي دولة لا تخضع لإملاءاتها. وبعد فشل أهداف الحروب التي قام بها الغرب في أفغانستان والعراق وسورية وليبيا ومحاولة قلب الحكومة الإيرانية، تحوّل المجهود الغربي نحو معاقبة الشعوب. ولحقت القارة الأوروبية بهذا الركب، إذ قال مسؤول العلاقات الخارجية نائب رئيسة المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن «أوروبا هي الحديقة وبقية العالم يمثل الغابة»، ليكشف عن عقلية قيادة أوروبا العنصرية - الاستعمارية والتي تعتقد أنها أفضل من أي دولة أخرى، دون مستواها. وخرج المسؤول الأوروبي ليقول إن «قرار أوروبا بمنع أي وسيلة إعلامية روسية من العمل في القارة العجوز هي حماية لحرية الرأي». وكان أنتونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة لمح إلى «ضرورة مراقبة الإنترنت والأخبار الملفقة لمحاربتها». وهذا ليس بجديد على الغرب الذي وضع الصحافي جوليان آسانج في السجن لمدة يمكن أن تصل إلى 175 عاماً لمشاركته أفلاماً ومستندات تتعلق بما فعلته أميركا في العراق، وكذلك مستندات تتعلق بالأمن القومي والسياسة الأميركية، مثلما فعل الصحافيون في «ووترغيت» و«إيران غيت» وفضائح كثيرة أزاحت حكومات ورؤساء غربيين لم يتعرضوا للملاحقة. أما في ما يخص الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، فقد بدأت تُنشر أخبار من إعلاميين غربيين أن الرئيس بشار الأسد لا يَقبل بأن تُرسل المساعدات لمناطق الشمال الغربي المنكوبة التي تقع، ومعها معابرها الحدودية، تحت الاحتلال التركي، والمصابة بالدمار الفظيع الذي ضرب أيضاً محافظات حلب وحماة واللاذقية التي تسيطر عليها الحكومة. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية تيد برايس إن «من المضحك، وقد يأتي ذلك بنتائج عكسية، إذا اتصلنا بحكومة (سورية) عاملت شعبها بوحشية على مدى 12 عاماً». وأكد ديبلوماسي غربي لـ «الراي» أن «الهدف هو دفع الشعب السوري ليلقي اللوم على رئيسه جراء امتناع الدول الغربية عن تقديم المساعدات». ما يجهله هؤلاء المسؤولون أن اهتمام الناس وتركيزهم، في حال الحرب أو الكوارث الطبيعية، يتّجه نحو الاطمئنان لحالتهم الجسدية والشخصية في الدرجة الأولى، ثم يبحثون عن أفراد عائلاتهم من أبناء وزوجات وأقارب بقوا تحت الانقاض، ثم يتجهون للبحث عما تبقى لهم من حاجات شخصية وإمكان استعادتها، ثم يذهب الاهتمام نحو إيجاد المأوى المناسب للتدفئة والمبيت، ومن ثم تبدأ الاتصالات لمعرفة مصير أفراد العائلة الآخَرين من أشقاء وأقارب للاطمئنان عن حالتهم، ومن ثم يبدأ السؤال عمّن سيطعم الناجين من العائلة في الأيام المقبلة وهل ستستمر المساعدة الغذائية. ويمر وقت طويل قبل أن يتحول الناجون لمعرفة ما سيحصل لهم وأين سيكون مكان إقامتهم الجديد بعد انتهاء رفع الأنقاض بالكامل (وهو يحتاج أسابيع طويلة نظراً لحجم الدمار). ولن يلتفت أحد للسياسة، بل يتركّز الاهتمام على الدعم الاجتماعي الذي تقدّمه الدولة من إعادة بناء أو محاولة استيعاب الكارثة لإيجاد حلول لمَن بقي على قيد الحياة، خصوصاً إذا كانت العائلات تشرذمت، وكيفية تقديم الخدمات الصحية المستمرة لعشرات الآلاف من المصابين مستقبلياً. لن ينقلب أحدٌ على حكومته خصوصاً إذا أرهقتْها العقوبات التي تنوء سورية تحتها منذ أعوام والتي من المفترض ألّا تشمل المساعدات الإنسانية. إلا أن أوروبا وأميركا منعتا وصول المساعدات الطبية لدول عدة أثناء «كوفيد - 19» وتمنعها اليوم عن سورية وتحاول اتهام الحكومة السورية حتى بعدما أقرّت الأمم المتحدة أن الطريق إلى الشمال السوري مقطوعة من تركيا التي تضرّرت في تلك البقعة بالذات. لكن مطار حلب ودمشق مفتوحان لمَن يريد تقديم الدعم الإنساني كما فعلت العديد من الدول العربية والأجنبية. إلا أن الإنسانية التي يتغنى بها قادة الغرب مفقودة في أحلك الظروف الكارثية الناتجة عن نكبة عامة طبيعية. وهذه إشارة خطرة تدل على فقدان القِيَم الغربية عند قادة الدول وأن ازدواجية المعايير هي القِيَم الحقيقية التي كشفتْها الأحداث في الأعوام الأخيرة. أثبتت الدول التي لا تدّعي الديموقراطية أنها أكثر إنسانية من دول الغرب وأن الأفعال هي التي تكشف عن القِيَم الحقيقية وليس التغني بها فقط وأن العمل بمكيالين هو الشعار الحقيقي للدول التي تزْعم الحضارة والإنسانية والديموقراطية والاكتراث لحقوق الإنسان. مازال الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية (بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر) في عين الحدَث بعدما أوقع أكثر من 12 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى مع توقع ارتفاع أعداد القتلى بسبب وجود عدد لا يُحصى من الناس تحت الأنقاض، والذين يستطيعون عادةً البقاء على قيد الحياة لمدة تراوح بين 5 و7 أيام من تاريخ وقوع الزلزال.وتَدافعتْ أكثر من 75 دولة لتقديم المساعدة بشتى أنواعها إلى تركيا، وعلى رأسها أرمينيا واليونان والسويد التي تُعتبر دولاً على خلاف عميق مع الرئيس رجب طيب أردوغان، وسط إعلان أنقرة - المجهزة للكوارث الطبيعية - أن الدعم لا يوازي حجم المصاب. هل يكون النزاع في أوكرانيا سبباً لاندلاع حرب نووية؟ 5 فبراير 2023 إسرائيل وإيران... إنها الحرب المفتوحة المنضبطة 2 فبراير 2023 إلا أن الغرب، وعلى رأسه أميركا وأوروبا، لم يرسل أي مساعدات فورية إلى سورية التي لم تَخرج بعد من نتائج نحو 12 عاماً من حرب مدمرة وتتعرّض لعقوبات غربية قاسية ولا تملك الجزء اليسير من الإمكانات التركية. فهل تخلى الغرب عن قِيَمه وبات يقدّم السياسة على التضامن الإنساني، أم أن قِيَم الغرب «مطاطة» في أساسها؟جمعتْ القارة الأوروبية ثروتَها من استعمارها لدول أخرى... فقامت قوات الاستعمار البرتغالية والإسبانية والامبراطوريات البريطانية والإيطالية والنمسوية - الهنغارية والفرنسية والألمانية بنهب الدول لتعود بتلك الثروات الطبيعية إلى القارة الأوروبية وتبني صناعتها وقوتها الاقتصادية.وبعد الحرب العالمية الثانية، دخلتْ الامبراطورية الأميركية على القارة الأوروبية لتبسط سيطرتها وسلطتها وتجني غنائم الحرب بعد هزيمة ألمانيا. ومع انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، بقيت أميركا وحيدةً متربّعة على عرش العالم، من دون منازع، لتنضم إليها أوروبا بعقليتها الاستعمارية في تَقاسُم الغنائم.ووضعت معايير رنانة تتغنى بحقوق الإنسان ومحاسبة جميع مَن يتجاوزها كغطاء متين تعلن عبره الحروب على أي دولة لا تخضع لإملاءاتها. وبعد فشل أهداف الحروب التي قام بها الغرب في أفغانستان والعراق وسورية وليبيا ومحاولة قلب الحكومة الإيرانية، تحوّل المجهود الغربي نحو معاقبة الشعوب.ولحقت القارة الأوروبية بهذا الركب، إذ قال مسؤول العلاقات الخارجية نائب رئيسة المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن «أوروبا هي الحديقة وبقية العالم يمثل الغابة»، ليكشف عن عقلية قيادة أوروبا العنصرية - الاستعمارية والتي تعتقد أنها أفضل من أي دولة أخرى، دون مستواها.وخرج المسؤول الأوروبي ليقول إن «قرار أوروبا بمنع أي وسيلة إعلامية روسية من العمل في القارة العجوز هي حماية لحرية الرأي».وكان أنتونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة لمح إلى «ضرورة مراقبة الإنترنت والأخبار الملفقة لمحاربتها».وهذا ليس بجديد على الغرب الذي وضع الصحافي جوليان آسانج في السجن لمدة يمكن أن تصل إلى 175 عاماً لمشاركته أفلاماً ومستندات تتعلق بما فعلته أميركا في العراق، وكذلك مستندات تتعلق بالأمن القومي والسياسة الأميركية، مثلما فعل الصحافيون في «ووترغيت» و«إيران غيت» وفضائح كثيرة أزاحت حكومات ورؤساء غربيين لم يتعرضوا للملاحقة.أما في ما يخص الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، فقد بدأت تُنشر أخبار من إعلاميين غربيين أن الرئيس بشار الأسد لا يَقبل بأن تُرسل المساعدات لمناطق الشمال الغربي المنكوبة التي تقع، ومعها معابرها الحدودية، تحت الاحتلال التركي، والمصابة بالدمار الفظيع الذي ضرب أيضاً محافظات حلب وحماة واللاذقية التي تسيطر عليها الحكومة.وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية تيد برايس إن «من المضحك، وقد يأتي ذلك بنتائج عكسية، إذا اتصلنا بحكومة (سورية) عاملت شعبها بوحشية على مدى 12 عاماً».وأكد ديبلوماسي غربي لـ «الراي» أن «الهدف هو دفع الشعب السوري ليلقي اللوم على رئيسه جراء امتناع الدول الغربية عن تقديم المساعدات».ما يجهله هؤلاء المسؤولون أن اهتمام الناس وتركيزهم، في حال الحرب أو الكوارث الطبيعية، يتّجه نحو الاطمئنان لحالتهم الجسدية والشخصية في الدرجة الأولى، ثم يبحثون عن أفراد عائلاتهم من أبناء وزوجات وأقارب بقوا تحت الانقاض، ثم يتجهون للبحث عما تبقى لهم من حاجات شخصية وإمكان استعادتها، ثم يذهب الاهتمام نحو إيجاد المأوى المناسب للتدفئة والمبيت، ومن ثم تبدأ الاتصالات لمعرفة مصير أفراد العائلة الآخَرين من أشقاء وأقارب للاطمئنان عن حالتهم، ومن ثم يبدأ السؤال عمّن سيطعم الناجين من العائلة في الأيام المقبلة وهل ستستمر المساعدة الغذائية.ويمر وقت طويل قبل أن يتحول الناجون لمعرفة ما سيحصل لهم وأين سيكون مكان إقامتهم الجديد بعد انتهاء رفع الأنقاض بالكامل (وهو يحتاج أسابيع طويلة نظراً لحجم الدمار).ولن يلتفت أحد للسياسة، بل يتركّز الاهتمام على الدعم الاجتماعي الذي تقدّمه الدولة من إعادة بناء أو محاولة استيعاب الكارثة لإيجاد حلول لمَن بقي على قيد الحياة، خصوصاً إذا كانت العائلات تشرذمت، وكيفية تقديم الخدمات الصحية المستمرة لعشرات الآلاف من المصابين مستقبلياً.لن ينقلب أحدٌ على حكومته خصوصاً إذا أرهقتْها العقوبات التي تنوء سورية تحتها منذ أعوام والتي من المفترض ألّا تشمل المساعدات الإنسانية.إلا أن أوروبا وأميركا منعتا وصول المساعدات الطبية لدول عدة أثناء «كوفيد - 19» وتمنعها اليوم عن سورية وتحاول اتهام الحكومة السورية حتى بعدما أقرّت الأمم المتحدة أن الطريق إلى الشمال السوري مقطوعة من تركيا التي تضرّرت في تلك البقعة بالذات.لكن مطار حلب ودمشق مفتوحان لمَن يريد تقديم الدعم الإنساني كما فعلت العديد من الدول العربية والأجنبية.إلا أن الإنسانية التي يتغنى بها قادة الغرب مفقودة في أحلك الظروف الكارثية الناتجة عن نكبة عامة طبيعية. وهذه إشارة خطرة تدل على فقدان القِيَم الغربية عند قادة الدول وأن ازدواجية المعايير هي القِيَم الحقيقية التي كشفتْها الأحداث في الأعوام الأخيرة.أثبتت الدول التي لا تدّعي الديموقراطية أنها أكثر إنسانية من دول الغرب وأن الأفعال هي التي تكشف عن القِيَم الحقيقية وليس التغني بها فقط وأن العمل بمكيالين هو الشعار الحقيقي للدول التي تزْعم الحضارة والإنسانية والديموقراطية والاكتراث لحقوق الإنسان.

مشاركة :