فاز توتنهام على مانشستر سيتي بهدف دون رد من توقيع النجم هاري كين، وهي النتيجة التي تصب بالطبع في مصلحة أرسنال متصدر جدول الترتيب. لكن بعيدا عن الصراع على الصدارة، كانت هذه المباراة بمثابة مناسبة خاصة للغاية لهاري كين، لأنه بهذا الهدف كسر الرقم القياسي المسجل باسم جيمي غريفز وأصبح الهداف التاريخي للسبيرز. وفور إطلاق حكم اللقاء لصافرة النهاية، ظل لاعبو توتنهام يحتفلون على أرض الملعب بهذا الإنجاز الرائع لكين، وكأنهم يحتفلون بالحصول على إحدى البطولات الكبرى. وربما ينبغي أن نشير هنا إلى أن غريفز أحرز 357 هدفا في الدوري الإنجليزي الممتاز، وأن هاري كين يحتل المرتبة 27 في قائمة أفضل الهدافين في تاريخ البطولة، وهي القائمة التي يتصدرها ألان شيرار. وأصبح كين على بُعد 14 هدفا من معادلة رقم توني كوتي، كما يستطيع كين أن يصعد لقائمة أفضل 10 هدافين في تاريخ المسابقة من خلال الوصول إلى 250 هدفا. ورغم هذه الحصيلة التهديفية الكبيرة، لم يحصل كين على أي بطولة مع توتنهام حتى الآن. وتجمع لاعبو توتنهام حول كين، وأدلى بعضهم ببعض الكلمات، وسط هتافات من الجماهير المتحمسة. من المؤكد أن البعض سوف يسخر من ذلك، لأن هناك من يسخر من أي شيء، لكن الحقيقة الواضحة للجميع هي أن كين لاعب من الطراز العالمي ويمتلك قدرات وفنيات هائلة، بغض النظر عن حصوله على بطولات أم لا. ومع ذلك، هناك سبب آخر للاحتفال بما حققه كين، وهو أن هذا الملعب الجديد قد بُني من أجل الاحتفال بالإنجازات؛ ولأن هذه اللحظة كانت استثنائية للغاية بالنسبة لكين، الذي سجل الهدف الذي جعله الهداف التاريخي للنادي، على هذا الملعب الذي ساعد هو بنفسه في بنائه، نظرا لأن أهدافه قد ساهمت بشكل فعال للغاية في زيادة عائدات ودخل توتنهام وتأهله لدوري أبطال أوروبا خلال السنوات التي أعلن فيها النادي التقشف فيما يتعلق بالتعاقدات والتدعيمات الجديدة حتى يتمكن من تمويل وبناء هذا الملعب. وخلال تلك السنوات، التي لم يكن النادي ينفق خلالها الكثير من الأموال لتدعيم صفوفه كما ينبغي، كان كين ورفاقه يقاتلون داخل الملعب بكل ما أوتوا من قوة من أجل مساعدة الفريق على احتلال أحد المراكز الأربعة الأولى المؤهلة للمشاركة في دوري أبطال أوروبا. في الحقيقة، ربما يتعين على توتنهام أن يطلق اسم «هاري كين» على هذا الملعب تقديرا له على كل ما قدمه للنادي خلال السنوات السابقة، أو على الأقل حتى تشتري إحدى الشركات الكبرى، مثل «غوغل» أو «ياهو» أو «مايسبيس»، حق إطلاق اسمها على الملعب! لذلك تحدث هاري كين عن التضحية والتفاني من أجل توتنهام، على الرغم من أن هذا النادي قد رفض رحيله إلى مانشستر سيتي لكي يحصل معه على البطولات والألقاب. لقد كان كين هو من صنع الفارق في هذه المباراة الممتعة من خلال إحرازه للهدف الوحيد في اللقاء، وإن كان ذلك قد أصاب مانشستر سيتي بالإحباط الشديد، حيث كان يسعى لاستغلال هزيمة أرسنال أمام إيفرتون من أجل تقليص فارق النقاط على الصدارة. في الحقيقة، يعد كين مثالا ونموذجا للاعب الذي يطور نفسه باستمرار ولا يكتفي أبدا بما وصل إليه من قبل. إن أولئك الذين رأوا كين وهو يلعب خلال فترات إعارته، ولا سيما مع ميلوول، يتذكرون جيدا أنه كان يمتلك قدرات فنية كبيرة، لكن التطور البدني المذهل الذي حدث للاعب تحت قيادة المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو هو الذي نقله إلى مستوى آخر تماما، حيث كان كين يضغط على المنافسين ولا يتوقف عن الركض داخل الملعب مثل المجنون. وتطور مستوى كين ليصبح مهاجما مبدعا ويعود كثيرا إلى الخلف من أجل الهروب من الرقابة وصناعة الفرص لزملائه في الفريق في المساحات الخالية، وربما يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أن كين لا يتمتع بالسرعة الكبيرة. وحتى من هذا المنطلق، يعد كين نموذجا رائعا، فكم عدد اللاعبين الذين يفعلون ذلك ويعيدون اكتشاف أنفسهم بهذه الطريقة، ليس مرة واحدة بل مرتين؟ في الواقع، يمتلك كين ثلاث قوى خارقة في كرة القدم: قدرته على إنهاء الهجمات واستغلال أنصاف الفرص أمام المرمى، وتمريراته المتقنة، وقبل كل شيء ذكاءه الكروي الحاد، وهي المهارات التي غالبا ما يُتهم اللاعبون الإنجليز بأنهم لا يمتلكونها أو يفشلون في تطويرها. والآن، قد يتساءل كثيرون عما كان سيحققه مانشستر سيتي لو أصبح هاري كين هو المهاجم الأساسي للفريق بدلا من إيرلينغ هالاند؟ هناك من يرى أن كين كان سيسجل نفس عدد الأهداف التي يسجلها هالاند مع مانشستر سيتي حاليا، لكن هالاند لا يزال يفتقر إلى مهارات اللعب الشامل التي يمتلكها كين. من ناحية أخرى، فإن أبرز نقاط القوة لدى هالاند تتمثل في قوته البدنية الخارقة، رغم أنه لا يزال في الثانية والعشرين من عمره، وهو ما يعني أنه لم يصل بعد إلى قمة مستواه الكروي. ومع ذلك، لم يظهر هالاند بشكل جيد أمام توتنهام، ولم يشكل خطورة تُذكر خلال اللقاء. وهناك كلمة أخيرة عن كين، الذي يقلل منه البعض رغم الإمكانات والقدرات الهائلة التي يمتلكها. صحيح أن عددا قليلا للغاية من اللاعبين هم من خاضوا مثل هذه المسيرة المهنية الرائعة من دون الحصول على أي بطولة، لكن هذا لا يقلل على الإطلاق من كين كلاعب عظيم ومهاجم فذ. بل إن هذا يجعل كين أكثر إثارة للإعجاب، فهذا الرجل لم يبخل بنقطة عرق واحدة وظل يقاتل بشراسة وعلى أعلى المستويات مع توتنهام ومنتخب إنجلترا، وهما فريقان ليس لهما أي تاريخ حديث في الفوز بالبطولات والألقاب! إنه بطل حقيقي في العالم الموحش والمعولم لكرة القدم الحديثة، ويستحق تماما هذه اللحظة الاستثنائية!
مشاركة :