حراك بشري يحدث في كل الأديان والأزمنة والأمكنة، ومحاكمات للتراث، ومعطيات للقداسة، وشخوص راحلون، حسبما يستجد من أفكار وفلسفات وتغيرات ومكتشفات علمية وقوانين حياتية عصرية، ومع نشوء تناقضات وتعارضات بين التراث وبين المنطق والعلم والحريات، مؤيدة بالتوجهات الجديدة للسلطات المهيمنة.منتجات أي دين لا يمكن أن تظل قوالب ثابتة طوال قرون من الزمان، والتغييرات تحصل إما بحسن نية، أو بسوئها، وحسب ما يحرك الناقد.وعلى ذلك وجدنا في الإسلام وعلى مدى مساره من نقدوا الخطاب الديني، بطرقهم، ومستجدات عصورهم، فصنعوا لهم فرقا كما في المذاهب الأربعة والشيعة والمعتزلة، والجهميّة، والصوفية، والمرجئة، والقدرية، والاثنا عشرية، والأشاعرة، والماتريدية، واليزيدية والإباضية والعلوية، والدرزية، والبهائية، والسلفية، والإخوان المسلمين، وغيرها من الفرق، التي تخرج عن السائد، وتعطل أو تحور، وتختلق الزيادات المبتكرة والمقنعة لأهلها، والمخلخلة للأساس، ويستمر النقد والتغيير والتلاقح بما يستحدث، وكم من نقاد للخطاب الديني تم تكفيرهم وتعذيبهم وسجنهم وقتلهم بطرق عجيبة.وفي عصرنا، ومع تعاظم العلوم والمعارف والتقنيات والمكتشفات، وجدنا الكثير ممن لم يعودوا يجدون قناعتهم في أي من تراث فرق الماضي، ما أنتج أجيالا من ناقدي الخطاب الديني، مثل القرآنيين، ومبدلي معاني اللغة العربية، والإعجازيين، ومن فسروا القرآن باللغة السريانية، ومعطلي آيات الجهاد والعبودية وتشريعات القصاص، ومن ينفون قوامة الرجل على المرأة، ويطالبون بمساواتها بالرجل في الولاية والشهادة والدية والإرث، ومنع الحجاب، وغيرها من الأمور المحدثة تبعا لقوانين حقوق الإنسان العصرية.وهنالك من ينادون بديانة إبراهيمية، أو علمانية وحصر الديانات في أماكن العبادة، دون اختلاط بالسياسة، ومن يطالبون بحرية اختيار الإنسان لدينه، وتعطيل حد الردة.أما الفرق الباقية على التراث فتظل بالمقابل تشجب كل تحديث، وتعتبره خروجا على الدين يستحق القتل، وبالتالي ترسيخ مفاهيم الحاكمية والبراء والولاء، والجهاد.مئات، من الفرق الإسلامية قديمها وحديثها، تتخالف في توجهاتها ورؤيتها وأغراضها، بأعداد تتعاظم مع الوقت وبما يستجد من علوم وحقوق وطرق نقد، لينتج من بطن كل فرقة، أجنة ينشزون ويصنعون الفوارق بينهم وبين أمهاتهم، ومع الوقت يصبح لهم أتباع يزيدون الشتات نقدا وتشكيكا واختلافا وتفرقا وعداوة.المراجع الدينية والمنظمات الإسلامية تظل مختلفة حول تصنيف فرق إرهابية مثل الإخوان والقاعدة وداعش، وعن فرق حديثة مثل أهل من يدعون بشرية القرآن، وأهل (الدين الكيوت)، المختلف وجهه الداخلي عن صورته الخارجية المعدة للتصدير.وناقدو الخطاب الديني من المفكرين الجدد ومن العشوائيين تزداد أعدادهم ونشاطاتهم على قنوات الإعلام والاتصال، ورغم ما يواجهون به من تعنيف وتهديدات.وكل الأطراف ومهما بلغت من منطق وحيطة وعلم وعمق وانتقائية وتمازج أو تصالح مع السياسة، سيظلون يجدون من يدعمهم ومن يتبعهم ومن يحركهم.المجتمعات الإسلامية الحالية متنافرة متناحرة، وكل فرقة منها تزعم أنها الناجية، وأن جميع الفرق الأخرى تستحق الإبادة في الدنيا، والخلود في نار الجحيم.كُروب جلل، والمؤكد أن حصول الاتفاق التام والتغيير والضبط لكل تلك التناقضات الشائكة، وإصلاحها يظل أمرا إعجازيا، في زماننا الملتهب المختنق، ولو حصل واتفقوا يوما فسيكون الثمن مزيدا من أنهار الدماء وديمومة الدمار، وتعاظم تخلف شعوب وبلدان المسلمين، واستشراء حروب وفتن وإرهاب وتدخلات من دول عظمى ومنظمات حقوقية، وهجرة العقول، وازدهار وتشعب فوضى نقد الخطاب الديني حتى لا نعود نعرف، عن أي دين يتحدثون!؟[email protected]
مشاركة :