دمشق - تلقى الرئيس السوري بشار الأسد بعد وقوع الزلزال المدمّر سيلا من الاتصالات والمساعدات من قادة دول عربيّة، في تضامن واسع قد يجد فيه فرصة ثمينة لفك عزلته، ما يؤشر على أن الكارثة قد تسهم في تقليص المسافة بين دمشق ودول ما زالت مترددة في اتخاذ قرار إنهاء القطيعة. ويقول الباحث في معهد "نيولاينز" نيك هيراس لوكالة فرانس برس "المأساة المروعة التي عصفت بسوريا وتركيا هي فرصة واضحة للأسد من أجل محاولة دفع عملية تطبيع نظامه مع بقية العالم العربي والتي إن كانت تسير ببطء لكنّها تتقدم، لكن الأزمة الإنسانية لن تبرئ نظامه أمام الدول الغربية". وتسبّب الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجات في مقتل أكثر من 16 ألف شخص في تركيا وسوريا بينهم أكثر من ثلاثة آلاف في سوريا. وسارع قادة وملوك دول عربية عدة إلى التواصل مع الأسد وإبداء تضامنهم مع محنة الشعب السوري الذي أنهكته سنوات الحرب الطويلة، قبل أن تحط طائرات المساعدات تباعا في مطارات دمشق وحلب واللاذقية. وإلى جانب حلفائه التقليديين، تلقى الأسد الثلاثاء اتصالا من نظيره المصري عبدالفتاح السيسي أكد فيه تضامن بلاده واستعدادها لتقديم كافة أوجه العون والمساعدة الإغاثية الممكنة. وهذا الاتصال هو الأول من نوعه بين الرجلين منذ تولي السيسي السلطة في مصر العام 2014 رغم محافظة البلدين على علاقات أمنية وتمثيل دبلوماسي محدود. وتلقى الأسد كذلك اتصالاً من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقد وقد استأنفت الدول الخليجية علاقاتها مع دمشق العام 2018 بعد خطوة مماثلة من دولة الإمارات التي تقود جهود الإغاثة الإقليمية إلى سوريا وتعد بتقديم مساعدات لا تقلّ عن مئة مليون دولار. ونقل وفد وزاري لبناني مكلف من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الأسد استعداد لبنان لفتح مطاراته وموانئه لاستقبال مساعدات ترد إلى سوريا من أيّ دولة أو جهة ويعد هذا أول وفد وزاري رسمي يزور دمشق منذ اندلاع النزاع رغم توجه وزراء إليها بمبادرات شخصية سابقاً، بعدما كانت الحكومات المتعاقبة قد اتبعت سياسة "النأي بالنفس" عن النزاع في سوريا. وتعهّدت المملكة العربية السعودية التي قطعت علاقاتها مع نظام الأسد العام 2012 وقدمت دعما بارزا للمعارضة في مراحل النزاع الأولى بتقديم مساعدات إلى مناطق متضررة تتضمن مناطق تحت سيطرة القوات الحكومية وقال مصدر في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لوكالة فرانس برس إن المساعدات سترسل مباشرة إلى مطار حلب الدولي وإلى الهلال الأحمر السوري ومقره في دمشق، مؤكدا في الوقت ذاته أنه ما من قنوات تواصل مباشر مع الحكومة السورية. كما بدأت قطر التي قدمت دعماً لفصائل مسلحة معارضة للأسد تقديم مساعدات تشمل البلدين المنكوبين. ويرى هيراس أن لدى الأسد "فرصة كبيرة لمحاولة تحويل هذه المأساة إلى قناة واضحة ومفتوحة أمام مشاركة دبلوماسية مستدامة"، لكن باحثين آخرين يقللون من أهمية تداعيات التضامن الحاصل مع سوريا على المستوى السياسي. ويقول الباحث في مركز سنتشري انترناشونال آرون لوند لوكالة فرانس برس "إنها رسائل روتينية سيقدّمها هؤلاء القادة لأي رئيس دولة بعد حصول كارثة طبيعية كبرى"، مضيفا "علينا أن ننتظر ونرى هل سيكون هناك المزيد من هذه الاتصالات وهل ستستمر إلى ما بعد الأزمة الحالية". ويرى لوند أن المأساة قد تعزّز خصوصا العلاقات بين دمشق وأنقرة الداعمة الرئيسية للمعارضة، بعدما برزت خلال الأشهر القليلة الماضية مؤشرات تقارب بينهما ويقول "يتشارك البلدان حالياً مشكلة تتخطى الحدود والخلافات السياسية". وبعيداً عن العالم العربي، يبدو أن جهود سوريا لفكّ عزلتها على الساحة الدولية تصطدم بحائط مسدود ودرجت دمشق على توصيف النزاع الدامي الذي يقترب من بدء عامه الثاني عشر بوصفه "مؤامرة" غربية للإطاحة بنظام الأسد، الذي بدوره يلقي باللوم في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها بلاده على العقوبات الغربية بشكل رئيسي. وتفرض دول غربية على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية صارمة على سوريا منذ اندلاع النزاع، لكن سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بسام الصباغ أكد الثلاثاء استعداد بلاده للعمل "مع كل من يرغب بتقديم المساعدة للسوريين"، غداة إعلان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد "تقديم كل التسهيلات المطلوبة للمنظمات الأممية في سبيل تقديم المساعدات الإنسانية" إلى بلاده في أعقاب الزلزال الذي يفوق قدرة السلطات على احتوائه. وطالب رئيس منظمة الهلال الأحمر السوري خالد حبوباتي من دمشق دول الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عن بلاده وناشد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن تقدّم في ظل "الوضع الصعب الذي نعيشه مساعدات إلى الشعب السوري". وقدّمت سوريا رسمياً بطلب مساعدة من الاتحاد الأوروبي، وفق ما أعلن الأربعاء المفوض وعبرت أول قافلة تابعة للأمم المتحدة وتحمل مساعدات إنسانية للسوريين المتضررين من الزلزال المدمر في بلادهم من تركيا اليوم الخميس. ودخلت الشاحنات المحملة بمساعدات من بينها عبوات وبطانيات من معبر باب الهوى إلى مدينة إدلب في منطقة بشمال غرب سوريا حيث يعيش نحو أربعة ملايين شخص كانوا يعتمدون بالفعل على المساعدات الإنسانية قبل وقوع الزلزال يوم الاثنين وكثيرون منهم نزحوا بسبب الصراع المستمر منذ 12 عاما في البلاد.
مشاركة :