تسعى الأقسام العلمية في الجامعات السعودية لتأسيس وحدات علمية متخصصة في كل قسم ضمن النشاطات العلمية التأصيلية الجادة؛ لفتح الجسور بين الجامعات السعودية والعربية والعالمية وهو جهد مبارك يستحق الإشادة به. وفي جامعة الملك سعود (الجامعة الأم) كان ذلك التوجه في العديد من الأقسام العلمية ومنها: قسم اللغة العربية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية الذي سعى لمواكبة أحدث التطورات البحثية والمنهجية في سياقاتها المنهجية والعلمية العالمية، من خلال استحداث وحدات بحثية متخصصة منها : ( وحدة السرديات - وحدة أبحاث الشعريات - وحدة الدراسات الأندلسية). ولكل وحدة من تلك الوحدات رئيس من أعضاء هيئة التدريس بالقسم، لكن اللافت للنظر وبالرجوع لموقع القسم الرسمي، وبالبحث عن مرجعية لتلك الوحدات، لم أجد إلا تعريفاً خاصاً بوحدة أبحاث الشعريات ضمن وحدات قسم اللغة العربية (جاءت فكرة إنشاء «وحدة أبحاث الشعريات»، التي تُعنى بتقديم رؤية ثقافية أكاديمية متخصصة في الشعر والشعرية معًا..). أما وحدة الدراسات الأندلسية فقد غاب عنها التعريف أيضاً في موقع القسم، ووجدت صفحة خاصة في تويتر بعنوان: الدراسات الأندلسية @Alandalsksu أنشئت عام 2015م أما وحدة السرديات، فليس له تعريف خاص بها ضمن وحدات قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود أيضاً، وبالبحث وجدت في موقع سرديات (مدونة تعنى بالسرديات إعداد وتحرير: د. حسين المناصرة) سرديات: 2015 (sardeyat.blogspot.com)، يشير لتدشين الوحدة عام 2011م والذي عرف بنفسه في الصفحة ذاتها: «بإشراف د. حسين المناصرة عضو لجنة تأسيس وحدة أبحاث السرديات بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود، عضو اللجنة المشرفة على وحدة أبحاث السرديات، ورئيس اللجنة الثقافية بوحدة أبحاث السرديات ويظهر للوحدة موقع خاص بها في الفيس بوك، يشير إلى تاريخ الإنشاء 2018م. (20+) وحدة أبحاث السرديات| Facebookكما يظهر لها في تويتر صفحة معنونة بـ: «وحدة السرديات 2 @narrative أنشئت عام 2013م. مما سبق أعرض إيجابيات وسلبيات تلك الوحدات: الإيجابيات - يشكر قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود؛ لاستحداثه وحدات بحثية تعنى بالأدب والنقد، كما يشكر الأساتذة الكرام الذين قاموا بتفعيل ومتابعة تلك المبادرات. - شكلت تلك الوحدات رافدًا بحثياً جادًا ساهم في تعزيز التواصل العلمي والبحثي مع العلماء العرب في التخصصات المختلفة. - مثلت تلك الوحدات نواة بحثية لاستشراف أبرز المستجدات البحثية الخاصة بالأدب والنقد في العالم العربي. السلبيات: - مركزية الفكر البحثي؛ من خلال تشكيل لجان خاصة بكل وحدة يختار رئيسها من ينضم إليها ومن يستبعد دون معايير واضحة لذلك، وتستمر تلك الوحدات بذات الرئاسة والأعضاء دون معايير واضحة في الترشح للرئاسة أو للعضوية لمدة قاربت العشر السنوات. - بعثرة الجهود العلمية والبحثية بين وحدات منبعها واحد (الأدب والنقد) وهدفها واحد (تفعيل البحث العلمي) ومخرجاتها واحدة إلا في القليل منها (عقد ندوات وطباعة كتب خاصة بالوحدة). - ثبات الرئاسة لتلك الوحدات بما يشبه الإرث الفكري الشخصي، فرئاستها لم تتغير، والأعضاء في الغالب لم يتغيروا إلا من غادر منهم القسم. - عدم قانونية رئاسة بعض الوحدات حالياً؛ كون بعض الرؤساء الحاليين من المتقاعدين، وفي هذه الحالة يجب تغييرهم برئيس آخر من الأساتذة الذين هم على رأس العمل. - عدم وجود مرجعية تاريخية ثابتة سواء أكان ذلك في اسمها أم في تاريخ إنشائها؟ وأخيرًا: أعتقد شخصياً أن كل ذلك الجهد المشكور يصب في لجنة البحث العلمي بقسم اللغة العربية، بما يدعو لتوحيد الجهود تحت منصة علمية واضحة الرؤية والأهداف والمخرجات، ذات منهج دوري انتخابي في تسمية الرئيس والأعضاء، والتعامل معها كوحدات خاصة بقسم اللغة العربية لا يملكها الأفراد بل المؤسسة التي ينتمون إليها بما يحقق التقدم العلمي لقسم اللغة العربية. انطلاقاً من ذلك أتمنى من قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود وجميع الأقسام العلمية بالجامعات السعودية بشكل عام إعادة تشكيل تلك الوحدات بمواقع خاصة بها تتبع للقسم، وبلجان محددة الأهداف والمخرجات المتوقعة منها، تخضع للانتخاب والتدوير بشكل علني في مجلس القسم؛ بما يحقق الفائدة المرجوة من فكرة إنشاء وحدات علمية تفعل مشاركة أهل التخصص في القسم ذاته أو في الجامعات السعودية والعربية بما يشكل انفتاحاً علمياً ومهنياً وبحثياً مع الجامعات الأخرى، كما أدعوها لتشكيل إستراتيجية بحثية غير مركزية تهدف لخدمة العلم دون الأفراد، بعيداً عن المركزية الفردية التي تعاني منها بعض الجامعات السعودية من خلال تمسك بعض من الجيل السابق والمتقاعد مهنياً بكل مكتسبات الجامعات العلمية والمهنية والتعامل معها كإرث شخصي تدار معه وحوله الكثير من الإشكاليات البشرية الطبيعية في ظل توارث الأجيال للمكتسبات العلمية والمهنية دون صراع في حقيقته يهدم ولا يبني، يفرق ولا يجمع، وأنا على ثقة في قيادات الجامعات السعودية بإعادة النظر في تلك المركزية البحثية. ** ** - أستاذ النقد والفلسفة بجامعة الملك سعود
مشاركة :