لن تصبح إعلامياً ناجحاً قبل أن تكون صريحاً وشجاعاً

  • 1/31/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قبل 24 عاماً ذهبت إلى جريدة المدينة لتسليم مقالاتي يدوياً.. وحين دخلت على مدير المكتب وجدت أمامه ثلاثة رجال يحاولون إقناعه بسحب الشكوى التي قدمها شقيقهم الأصغر. حاول إخبارهم أن شكواه وصلت للمطبعة وفات الأوان على سحبها ولكن دون جدوى.. وحين غادروا سألته عن الموضوع فأخبرني أن قريبهم قدم شكوى ضد رئيس البلدية وحين لم تسعفه الإمارة كتب في الاثنين تظلماً وطلب منا نشره. وحين سمع أشقاؤه بالموضوع خافوا عليه وأتوني لأسحب الشكوى قبل نشرها.. فقط.. هذا كل شيء.. استغربت حينها (وربما أكثر من غيري) كون المهنة التي بدأت بممارستها قبل أيام تعتمد على قول رأيي علنا وعدم الخوف من أي جهة كانت.. إذ لا يمكنك أن تمارس مهنة الكتابة والصحافة وأنت تخشى التعبير عن رأيك علنا.. فالعلنية هي أساس المهنة الإعلامية، والشجاعة شرط لقول ما تعرفه بصراحة، ولهذا السبب الصحفيون والكتّاب هم أكثر فئة مكروهة من المسؤولين وأصحاب المناصب الرفيعة.. وخلال السنوات التالية لاحظت فعلاً (وبدون مبالغة) أن الشجاعة والجراءة هي أهم صفات الكُتّاب لدينا.. قد تكون شهادتي فيهم مجروحة ولكن تأمل الموضوع بنفسك.. كيف كانوا سيكتبون ويستمرون وينجحون لو كانوا يخشون الكتابة والتعبير عن رأيهم (علناً).. معظم الناس يخشون التصريح بآرائهم السياسية والاجتماعية والدينية حتى في مجالسهم الخاصة وحين يتحدثون بها سراً يوجهون كلامهم لشخص أو اثنين فقط ولسان حالهم يقول "الحيطان لها آذان"... ... بالتأكيد هناك خطوط حمراء لا يمكن للكاتب أو الإعلامي تجاوزها ولكنهم يظلون دائماً في حالة صراع ومدافعة لها.. لهذا السبب يعيش الإعلامي (على كف عفريت) لا يعلم من أين سيتلقى الضربة القادمة أو متى سيتم تفسير رأيه بشكل خاطئ أو معارض.. ورغم علمه بمخاطر المهنة وعدم وجود جهة ترعاه أو تدافع عنه (أو حتى تعليمات واضحة بما يجب ولا يجب الحديث عنه) لا يستطيع التوقف عن الكتابة كونها أصبحت لديه بمثابة "إدمان" والتعبير عن رأيه بمثابة "جرعة يومية"! ... حضرت أكثر من مناسبة رسمية برفقة كُتاب معروفين فلاحظت نفس الظاهرة تتكرر دائماً.. يستقبلنا المدير العام (وأحياناً مدير العلاقات العامة أو المتحدث الرسمي) فيستعرض أمامنا المنجزات الخارقة لوزارته أو الجهة التي يعمل فيها.. وحين ينتهي (معتقداً أنه غسل أدمغتهم وأثار إعجابهم) يبدأون بطرح أسئلة محرجة أكبر من حجمه أو تتجاوز كل ما قاله.. تتغير ملامحه وترتبك كلماته كونه يدرك أنهم لم يقتنعوا برأيه وهو الذي استعد لأداء مهمته منذ أيام.. رأيت مواقف كهذا مع وزراء ومديري ورؤساء شركات يفاجأون دائماً بصراحة وجراءة الكُتاب.. يتوقعون منهم قدراً من المجاملة (أو على الأقل الالتزام بما طرح) وليس الخروج عن النص أو التفتيش عن جذور المشكلة.. طبيعة المهنة تجعل المسؤولين يجاملون ويخففون من حجم المشكلة حفاظاً على مناصبهم، في حين أن طبيعة المهنة تجعل الكُتاب لا يخشون فقد مناصب ولا يتأثرون مادياً حتى في حال إيقافهم.. فهم غالباً يملكون وظائف رديفة وراقية وبعيدة عن المجال الإعلامي.. فمعظم الكتّاب الذين أعرفهم يحملون شهادات عليا ويعملون أطباء ومهندسين ومحامين وعلماء شرعيين وأساتذة جامعات (الأمر الذي يثبت مغالطة من يدعي بأن الكتابة مهنة من لا مهنة له)!! ... القضية مرة أخرى؛ لا يمكنك أن تصبح كاتباً أو إعلامياً ناجحاً مالم تمتلك (الحد الأدنى) من الشجاعة والجراءة والقدرة على نزع الأقنعة.. وكي تفهم قصدي بشكل أفضل ماعليك سوى تذكر داود الشريان الذي يمثل دور الإعلامي الشجاع والجريء وغير المجامل، في حين يمثل الضيف دور المجامل الحذر، والمسؤول الذي يحاول التخفيف من حدة المشكلة ... fwf966@gmail.com

مشاركة :