أولاً: علاقة الإعلام بالسلطة هي الركيزة الأولى للاستمرار، وليس النجاح، والفرق أن الكثير من الناجحين والمبدعين لم يستمروا بيننا، وذلك بسبب حالة الفقد لركيزة الاستمرارية، وهي العلاقة بالسلطة وحالة الرضا التي يجب أن تسود قلب المتسلطين عليك كإعلامي؛ لذا وطد علاقتك بالسلطة أياً يكن شكلها. ثانياً: تعلم كيف تجيد القراءة والكتابة، ولا يشترط شهادتك أو مؤهلك، فأنا أعرف الكثيرين من خريجي كلية الإعلام يعملون في المبيعات، وأكثرهم يعمل في مجال الـ"Call Center"، وليس خريجي الإعلام فقط بل أجيال كاملة مطموسة آمالها خلف سماعة الهاتف كي تخبرك بما هو جيد من ملابس داخلية للرجال، أو أنواع جديدة من مزيلات العرق ذات الرائحة القوية التي تجذب الفاتنات إليك، وهنا أؤكد لك ألا تضع الشهادة في رأسك، فأنا أعرف الكثيرين من المشهورين الذين تتقيأ الشاشة علينا بهم لم يكملوا تعليمهم؛ كي يكملوا في طريق كيف تكون إعلامياً ناجحاً في دولتك النامية. ثالثاً: اذهب إلى أقرب جريدة توصف بأنها جريدة، حتى وإن كانت من المسماة "تحت السلم"، واكتب بها عدة مقالات تشيد فيها بخطط الرئيس الفعالة التى سوف تحدث نقلة عملاقة في كل المجالات، ومدى ضراوة مواجهته للمخاطر المحدقة بالبلاد، واتساع عقله، وضخامة قراءاته، و واحلف أنك رأيت مكتبته وهي أصغر بقليل من مكتبة بغداد التي حرقها المغول، وإذا أردت فعلاً أن تستثمر الوقت بسرعة؛ كي تكون ناجحاً في لمح البصر قم بحوار موسع مع رئيس قسم الشرطة الذي تتبع له على نحو 4 صفحات، ودعه يتكلم عما يريد، وغالباً سوف يتحدث عن أهمية الأمن والأمان في مواجهة الماسونية العالمية. رابعاً: بعد هذا الحوار سوف يتم نقلك إلى جريدة حكومية كبيرة لها أهمية نسبية لدى قارئيها طبعاً بعد توصيات مباركة على براعتك في المجال الإعلامي، وهنا يجب أن تكون أكثر حرصاً على مصلحة البلد، ويجب أن تعطي إرشادات للشعب في الحفاظ على الوطن، والوقوف بجوار الرئيس والهيئات الحكومية، وإذا حدث خلل كبير فألق باللوم على الحكومة، واجعلها كبش الفداء دائماً، وبالطبع لا تنس الرجل العظيم الذي قمت معه بالحوار، ولكن قدم له كل فترة قائمة بأهم الأسماء التي تراها غير لائقة في مكانها بالجريدة، وما هي مبررات عدم لياقتهم في سطور معدودة، وهي بالطبع لن نسميها تجسساً، وإنما تقارير في حب الوطن. خامساً: في هذه المرحلة سوف ترتدي الماركات استعداداً للقاءات التلفزيونية، وإن كانت بدلة وحيدة، ولكن يجب أن تكون محترمة تهيئك كي تكون صاحب برنامج بعد ذلك، ولكن الآن توجه إلى أي حوار أو تقرير أو أي كاميرا تجدها تصور قف أمامها، وإذا اعترض صاحب الكاميرا، قل له: "انت ما تعرفش أنا أبقى مين؟"، هل تتذكر الرجل العظيم الذي قمت معه بالحوار؟ الآن ليس له قيمة كبيرة فأنت توطد علاقاتك بقياداته عبر الاستعانة بأسمائهم في مقالاتك في الجريدة الكبيرة، ودورهم البارز في مواجهة أعداء الوطن، وإسهاماتهم في القضاء على بؤر الإرهاب والمخدرات، وأي شيء سيئ في المجتمع، وهم بدورهم سوف يوفرون الحماية لك، ويساندونك حتى تلمع وتلمعهم معك. سادساً: في هذه الخطوة سوف تتردد على الكثير من البرامج، ويبدأ اسمك في الظهور لدى المثقفين والمتابعين ليس فقط للمقدم، وإنما الضيوف، وبعد ذلك بمساندة جماعات القوة التي تستند عليها، سوف تكون ضيفاً دائماً في أحد البرامج الشهيرة، ذات المتابعة العالية، التي ستتعلم فيها كيفية إدارة البرنامج، وكيف تحاور الضيوف، وكيف تقدم نفسك للجمهور، والأهم من كل ما ذكرته سالفاً، سوف تتعلم المدح والثناء والإطراء على الشاشة، وليس على صفحات الجرائد، وهنا تكون الصحفي الشامل الذي يستطيع أن يمدح في الجريدة صباحاً، ويثني في البرنامج مساء، ويطري قبل أن ينام في المنزل. سابعاً: مرحلة المناسبات، وهنا يجب أن يكون لك ظهور في كل المناسبات، سواء فرح أو عزاء أو حتى طهور، أي مناسبة يكون فيها المشاهير، وحاول أن تتقرب أكثر من الفنانين، والرياضيين، وتأخذ الصور الودودة معهم، ولا تنس أن تتصور مع قيادات البلاد والرُتب في الأفراح، وتكتب لهم برقيات تهنئة أو تأبين في حالات العزاء، وحاول أن تظهر بجوار ابن المتوفى دائماً، وألا تجري أحاديث خلال العزاء كي تكتب الصحف ثاني يوم عن رفضك القاطع للتصوير احتراما للمتوفى ولا تكتف بذلك وإنما في المناسبات العامة يجب أن تهنئ الشعب على الملأ، وهنا ينتهي دورك كرجل ثان في البرامج. ثامناً: هذه هي مرحلة الاختفاء؛ حيث ينتهي عقدك المبرم مع البرنامج القديم الذي تظهر فيه كرجل ثان يملأ فراغا أو يومئ برأسه فقط لما يقوله المذيع كثير الكلام الذي يتحدث أكثر من الضيوف، وفي هذه الفترة سوف تستعين بأصدقاء في الوسط كي يكتبوا عن عدم ظهورك وتشويق الناس لما أنت مقدم عليه في الأيام القليلة القادمة، ويستحسن ألا تطول فترة غيابك؛ كي لا ينساك الناس؛ لأنك بالطبع لم تكن علامة أو صاحب رأي يجدون فيه الاختلاف. تاسعاً: مرحلة البرنامج، وهي مرحلة الوصول التي تبني فيها برنامجك الكبير، وتشكل أسلوبك الخاص الذي تريده السلطة قبل الناس، والناس بعد ما تريد أنت أيضاً، والأهم هو قول الحقيقة التي يريدها مدعموك القدامى، فلا تعتقد أنك وصلت هكذا، لا بالعكس فإذا حاولت أن تنقد أو تقول الحياد من القول سوف تخرج من اللعبة، وفي اليوم التالي ستجد بيانك الخاص بالاعتزال مُلقى في غرفة نومك، ولن تدري كيف و صل إلى هناك؛ لذا لا تنس نفسك. عاشراً: صدق كل ما تقوله على أنه الحقيقة الكاملة، بارك خطوات الرئيس، اجعل برنامجك هو الدافع الأول عن الوطن ضد المخربين، تبنّ المشروعات الوهمية واصنع منها حقيقة، وأقنع الناس بها، وفي نهاية البرنامج قل: كل ما أنا فيه وما نحن فيه هو بفضل توجيهات الرئيس الحكيم، وأودعكم وأودع الأعين الساهرة من أجل خروج برنامجي في أمن وأمان وسلام. تحيا بلادي ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :