في يقيني أننا كسعوديين سُنة وشيعة على «اتفاق واحد» ندركه جميعنا حتى ولو لم نتعاطاه وجهاً لوجه، وهو أن أمن الوطن واستقراره وتنميته هو الأهم. فالمجتمع السعودي قد كان عبر تاريخه هو الأكثر تسامحاً مع كافة الأطياف والمذاهب والديانات الأخرى، وهكذا هو المجتمع الصحي في فكره ومعتقده. في عصر النبوة عاش اليهود وجاوروا نبي الرحمة وكان سلمان فارسياً وصهيب رومياً ومات نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ودرعه مرهونة لدى يهودي. وكأنه عليه الصلاة والسلام قبل رحيله إلى جوار ربه يمرر لنا رسالة مفادها: أحبوا دينكم واحترموا الديانات والمذهبيات الأخرى فالله هو من سيحاسب في يوم الدينونة البشر على أعمالهم فيغفر لمن شاء ويعفو عمن رغب أو يعاقب ويعذب، وليس البشر هم من سيحاسب البشر. بيد أن الانفتاح الحضاري الذي أحدثته حالة التمدن في المجتمع السعودي، الذي عاش لعقود في إطاره المنغلق والموسوم بخصوصيته، قد جعلنا هذا الانفتاح خاصة في شقه الديني نتعاطى مع أطروحات دينية تجديدية كانت غالبيتها مغلفة بالتطرف ومكتسية بالتكفير، فتأثر عديد من طلاب العلم لدينا بذلك ثم عمدوا لتمريرها للأجيال الشابة التي تلتهم، فبدأ يتشكل لدينا تيار صحوي متطرف في رؤيته وعدائي في تعاطيه. ونفس الأمر ينسحب على التيار الشيعي المعتدل، فبعض أبنائنا منهم قد كان مشدوهاً بثورة الخميني 1979م، فرحل إلى هناك لمعرفة كنه هذه الدعوة التي جددها الخميني والتي روجت لأطروحة ولاية الفقيه. فتلقفتهم أيادي النظام وأقنعتهم بالانخراط في الحوزات العلمية وتم تشريبهم أيديولوجية الخميني وملاليه التي تتسم بالعنف والعدائية التي هي في الواقع تقف في عدائيتها على نفس المسافة من المواطن السني والشيعي المعتدلين. فكانت هناك القاعدة وكان هناك حزب الله في الحجاز، اللذان تلاقت مصلحتهما على أمر واحد، تبنياه وآمنا به، وهو أن نجاحهما لن يتم إلا عبر تفتيت هذه الدولة وتحطيم هذا المجتمع السعودي المسالم. فكانت هناك الأحداث الإرهابية التي وجهت للداخل السعودي خلال الفترة الممتدة بين عامي 2000_ 2007م، وكانت هناك أيضاً حالات استهداف لرجال الأمن. بالإضافة لارتفاع وتيرة بعض الأصوات المغذية للعداء الطائفي بين طفري المعادلة المشكلة للمجتمع السعودي. إن التفجير الذي جرى مؤخراً في مسجد الأحساء، وقبله ذلك الفعل الآثم الذي جرى في مسجد القوات الخاصة بعسير، هو مجرد نواتج تلقائية لحالة عداء يغذيها أقطاب متطرفون من كلتا الطائفتين المشكلتين للمجتمع السعودي. لكن على الرغم من ذلك، فإن غالبية مجتمعنا السعودي من سُنة وشيعة ليس راضياً عن مثل هذا الفعل الآثم بل تدينه وتشجبه وتجرمه. ولذا فإن تكرر هذا الفعل الطائفي المقيت مجدداً لا سمح الله ضد الداخل السعودي فإنه سيتكسر على صخرة إصرار أبناء هذا المجتمع السعودي المسلم الوسطي على حمايته وعمارته، حفظ الله الوطن وقيادته وشعبه من شرور التطرف الأعمى والطائفية، ورحم الله شهداءنا جراء هذه الحوادث الإرهابية الشائنة، وشفى مصابينا، ولله الحمد من قبل ومن بعد.
مشاركة :