عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، فر أقارب أيدين سيسمان من كييف إلى مدينة أنطاكيا، المدينة الكبرى في محافظة هاتاي التركية، والقريبة من الحدود مع سوريا، لكن إن نجوا من حرب أوكرانيا، فقد شاء القدر أن يدركوا زلزالاً مدمراً بلغت شدته 7.8 درجة. وكان أقارب سيسمان يقيمون في منزل بتركيا تم بناؤه منذ قرابة 10 أعوام، بعد أن فروا من الحرب الأوكرانية التي اندلعت من فبراير (شباط) الماضي، ووفق حديثه لوكالة «أسوشيتد برس»، فإن والد زوجته كان محاصراً تحت الأنقاض بفعل الزلزال الذي ضرب معظم أنحاء أنطاكيا ودمر المنطقة فيما يسميه البعض في تركيا «كارثة القرن». وفر ما لا يقل عن 3.6 مليون سوري من الحرب السورية منذ عام 2011، ووصلوا بأعداد قليلة أو بشكل جماعي، اجتاحوا الحدود أحياناً مع تركيا، بحثاً عن الأمان من معاقبة القصف والهجمات الكيماوية والمجاعة. ووفقاً للأمم المتحدة، جاء أكثر من 300 ألف شخص آخر هرباً من صراعاتهم ومصاعبهم، وفقاً لـ«أسوشيتد برس». بالنسبة للاجئين الهاربين من الحرب، كان الزلزال مجرد مأساة أخيرة لا تزال عصية على الفهم بالنسبة لهم، إذ يقول يحيى سيد علي (25 عاماً)، وهو طالب جامعي انتقلت عائلته إلى أنطاكيا قبل ست سنوات هرباً من الحرب السورية في ذروتها، لوكالة «أسوشيتد برس»: «هذه أكبر كارثة شهدناها، وشهدنا الكثير». وماتت والدة علي واثنان من أبناء عمومته وقريب آخر في الزلزال، ويوم السبت، جلس خارج المبنى المهدم المكون من طابقين في انتظار رجال الإنقاذ لمساعدته على إخراج جثثهم. وقال أحمد أبو شعر، الذي كان يدير مأوى للاجئين السوريين في أنطاكيا، وأصبح كومة من الأنقاض، «لم تفقد أسرة سورية واحدة قريباً، بل عزيزاً» في هذا الزلزال. وتابع أبو شعر، أن الناس يبحثون عن أحبائهم ورفض الكثيرون مغادرة أنطاكيا رغم أن الزلزال ترك المدينة بلا مبانٍ صالحة للسكن ولا كهرباء ولا ماء ولا تدفئة، حيث ينام الكثيرون في الشوارع أو في ظلال المباني المحطمة، وأضاف لوكالة «أسوشيتد برس»: «لا يزال الناس يعيشون في حالة صدمة. لم يكن أحد يتخيل هذا». ويقول سيسمان، الذي سافر من قطر إلى تركيا مع زوجته للمساعدة في العثور على والد ووالدة زوجته وأقاربهم الأوكرانيين، «الآن، حماتي ووالد زوجتي في الداخل تحت الأنقاض... لم تكن هناك فرق إنقاذ. صعدت لوحدي، ألقيت نظرة، ومشيت. رأيت الجثث وأخرجناها من تحت الأنقاض. بعض الجثث بلا رؤوس». ورغم حداثة المبنى الذي انهار وتحت أنقاضه أصهار سيسمان، فوفقاً لعمال البناء الذين كانوا ضمن العاملين في منطقة الحطام، فإن الجزء العلوي من المبنى كان صلباً، لكن أساسات المنزل لم تكن قوية. وبسبب الصدمة، وقف عبد القادر بركات يائساً يطلب المساعدة الدولية للمساعدة في إنقاذ أطفاله المحاصرين تحت الأنقاض في أنطاكيا، ويقول: «هنالك أربعة. أخذنا اثنين ولا يزال اثنان (بالداخل) لساعات. نسمع أصواتهم وهم يتفاعلون. نحن بحاجة إلى فرق (إنقاذ)». * أيدين سيسمان بجانب منزل تعرض للتدمير في أنطاكية التركية (أ.ب) وفي الملجأ السوري، جلس محمد علولو في دائرة محاطاً بأطفاله الذين هربوا من المبنى الذي تأرجح وانحنى أخيراً بفعل الزلزال، وكان علولو قد جاء إلى أنطاكيا في مايو (أيار) من مخيم للاجئين على طول الحدود التركية السورية. وكان قد نجا من القصف المدفعي والقتال في بلدته بمحافظة حماة وسط سوريا، لكنه وصف بقاءه في الزلزال بأنه «معجزة». ووفقاً لعلولو، فإن الأقارب الآخرين لم يحالفهم الحظ، إذ قال وهو يذرف دموعه إن اثنتين من بنات أخته وعائلاتهما ما زالتا تحت الأنقاض، وتابع: «لا أتمنى هذا على أحد. لا شيء يمكنني قوله لوصف هذا». وفي بلدة البستان، على بعد حوالي 200 ميل (320 كيلومتراً) شمال أنطاكيا، بكت عائلة سورية وصلت وهي تدفن أحد أفرادها وهي السيدة نزيهة الأحمد، وقد كانت أم لأربعة أطفال، تم انتشالها من تحت أنقاض منزلها الجديد. وأصيب اثنتان من بناتها بجروح خطيرة، إحداهن فقدت أصابع قدميها. ويقول زوجها أحمد الأحمد، «كانت زوجتي جيدة، جيدة جداً. الحنون، الطيبة، الزوجة الصالحة، رحمها الله». وتخيم على المنطقة الحزن واليأس وسط الأنقاض بفعل الزلزال بعد أن كانت المنطقة قبل أيام قليلة فقط ملاذاً سلمياً لأولئك الفارين من الحرب والصراع. وقفزت حصيلة القتلى في تركيا إلى 24 ألفاً و617، طبقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» الرسمية التركية للأنباء، صباح اليوم الأحد، نقلاً عن نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي.
مشاركة :