شكل لقاء باريس الخماسي الذي ضم كل من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، بشأن لبنان وأزمته الرئاسية محطة دولية إقليمية لاعادة ترتيب أولويات متصلة بتكوين بيئة للبناء عليها كاطار حل ليس الا، بمعنى ان الاجتماع الذي عقد على مستوى الخبراء والدبلوماسيين لم يكن متوقعا منه اكثر من ذلك. فأزمة انتخابات الرئاسة اللبنانية تحكمها شروط وتعقيدات متنوعة داخلية وإقليمية ودولية، وبالتالي لم يظهر حتى الآن أي متغير ذي شأن يوحي بامكانية المضي بتسوية محددة بعينها، وبالتالي جل ما هدف اليه الاجتماع تأمين البيئة المناسبة للانطلاق بتسوية ما. في المبدأ، ثمة رؤية مشتركة بين الأطراف الخمسة على ضرورة عدم ترك لبنان واستحقاقه الرئاسي للمجهول، رغم ما اشيع من معلومات حول عدم وجود لبنان ضمن أولويات الدول المشاركة في الاجتماع، اذ ان عواصم هده الدول وبخاصة كل من واشنطن وباريس تدركان دقة الموقف وحراجته، ومدى تأثيره على السياق العام. لذا ما ظهر من طريقة مقاربة الأمور انطلقت من بيئة تسووية كملف متكامل يشمل رئاسة الجمهورية والحكومة، لاسيما وان اطرافه أسهمت سابقا برعاية وبناء اتفاق الطائف 1989 واتفاق الدوحة 2008. وعلى الرغم من عدم صدور بيان محدد حول الاجتماع، الا ان ذلك لا يعني نفض اليد او الابتعاد، انما ما تسرب من معلومات يشي باعطاء الدوحة هامشا واسعا لمحاولة بناء قاعدة تسوية للازمة القائمة حاليا، دون ان يعني ذلك التزام الأطراف الخمسة او الزام الأطراف اللبنانية بما يمكن التوصل اليه لاسيما وان الاجتماع لم يتناول اقله في الظاهر أسماء محددة لدعمها ترشيحا وانتخابا، انما تركز البحث في مواصفات المرشح الجدي للوصول لسدة الرئاسة، ودون ان يكون اسما استفزازيا او يشكل توجسا ما لطرف محدد. في أي حال من الأحوال، ان خبرة الأطراف الخمسة في التعامل مع أزمات لبنان ومن ضمنها ملف الانتخابات الرئاسية، هي خبرة موصوفة وموثقة عمليا في اتفاقين أمنا للبنان استقرارا مشهودا. الأول، اتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية في العام 1989 الذي ارسى تعديلات دستورية لما سميَّ دستور الجمهورية الثانية، فيما ارسى الثاني اتفاقا جزئيا في العام 2008 سميَّ اتفاق الدوحة. واللافت ان هذين الاتفاقين اتيا بعد فراغ رئاسي واحتراب داخلي دفع لبنان ثمنه كبيرا. ثمة من يقول استنادا الى سوابق كثيرة في الحياة السياسية اللبنانية المتصلة بأزمات حكم او أزمات انتخابية رئاسية، ان لا تسوية يمكن ان تحصل الا خلال احتدام الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأيضا الأمنية التي تلوح أساسا في الأفق. وعليه ثمة من يقول ربما ان الظروف الداخلية لن تنضج بعد لاجبار الأطراف اللبنانيين على الرضوخ لتسوية ما، رغم معاناة اللبنانيين التي لا تطاق. بالتأكيد ثمة ملفات إقليمية ودولية وازنة قائمة بتفاعلاتها المؤثرة في الازمات اللبنانية والمتصلة بها يشكل مباشر، والتي لا يمكن للاطراف الفاعلة التغاضي عن مصالحها وعدم الاستثمار بها في الواقع اللبناني، وهو امر متعارف عليه في السياسات الدولية وبخاصة في الملفات اللبنانية. لقد بذلت الدول الخمس جهودا موصوفة بهدف التوصل الى بيئة حل قابلة للحياة، وظهر ذلك في عشرات اللقاءات الثنائية والمتعددة التي تعاطت مع الملف اللبناني بتفاصيله، وبصرف النظر عن النجاحات والاخفاقات واسبابها، ثمة ما يشير الى جدية تعاطي هذه العواصم مع الازمة اللبنانية ومحاولة إيجاد حلول لها، وفي طليعتها انتخابات الرئاسة اللبنانية التي تشكل مدخلا مناسبا لاخراج لبنان من مآسيه. فهل ستتلقف الأطراف اللبنانية هذه المبادرة ام ستترك؟ بالتأكيد لبنان بحاجة اليوم لرعاية دقيقة وعالية المستوى لاخراجه من ازمته.
مشاركة :