لفتني تعليق لفتاة على مواقع التواصل. قالت: "أعقد وأكثر نوع سائد من الشر، هو الشر الذي تبعثه النوايا الطيبة والساذجة، نحن أشرار ولكننا لا نعرف عندما نرغب في إصلاح الآخرين بحجة معرفة مصلحتهم. يوجد الكثير من الأشرار الذين يجهلون أنهم أشرار"! شويّة طيبين (!) تُعطِل الدولة لأجلهم مؤسساتها لأيام لأحياء مراسيم ما! بالمقابل تخسر الدولة في اليوم الواحد مليارات كافية تسد إحتياجات الضرورة لهذه الحشود. تخيّل! إن عدم إدراكنا للمآلات والتَبِعات، هو الشر. There is no evil أي "لا وجود للشر" أو "لا وجود للشياطين" سلسلة من ثلاثة أفلام موجزة يرصد فيها المخرج الإيراني محمد رسول آف بالعنوان الساخر مأزق ضبابية الشر، بمنطق يُشابه ما دوّنته حنّة آرندت بالثقافة الظاهراتية عن منطق الشمولية اليهودي، حين حضرت محاكمة أدولف آيخمان المسؤول في الحزب النازي، والمكلف بتنفيذ الهولوكوست العظيم. وكما دائمًا الأفكار العظيمة تعاني من الفهم المجدور، لم يفهم أحدًا أن حنّة آرندت كانت تقصد أن تفاهة الشر وفظاعته تكمن بتغوّل مبدأ العاديّة وأن آيخمان "لا شيء" - وصفهُ الصامغ به. هذا مجرّد موظف أهوج يحاول بشتى الطرق أن يمتثل لأوامر فيوهرر ما. والشر يُجدد نفسه، الليبرالي الذي يحارب سردية الأنظمة وخيانات الخونة في نظر البيروقراطي ذُبابة طنّانة ويعرقل سياسات الدول. الفِلَسطيني الذي يخوض حربه بكيانه المحض، المُعتقل في وطنه، المقتول، والمُضِرب عن الطعام في السجون ومن يوالي الدعوات تحت القصف عسى لا يُهدم بيته في نظر "المستوطن يعقوب" دخيل وضيع في أرض ليست ملكه. وتطرد القط الذي يأتي إلى منزلك لأنك تتذرّع بفوضويّة حيوان أو تعاني من البكتروفوبيا أو أنك مصاب بالزوفوبيا في الوقت ذاته أنت تمنع الإحسان بلقيّمات معدودة، وهذه تفاهة الشر. إن مكنون الشر في جوهره فخ وموارِب في وجوده ولا هو كائنًا واضحًا تسهل رؤيته. لقد تمّت إذابة الشر ودسّهِ في مقاصد أخرى لتشتيته في عين الإنسان، نرتكبه ولا نقصد إرتكابه. نحنُ مسؤولون عمّا لا نفعله وما نفعله عن دون قصد. ولهذا نحنُ متهَمون بموت طفل كان يُمكن أن يُنقذ بتجميع الدنانير في حملة تبرعات. والخلاصة كلّها عند سارتر: "أيًّا كان ما نفعله، فإننا نتحمّل المسؤولية عن شيء، لكننا لا نعلم ماذا يكون هذا الشيء".
مشاركة :