نداءات النفس بين الزمن الجميل وزمن الألفية الجديدة!

  • 2/14/2023
  • 23:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرا ما يتمنى مواليد سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عودة لبعض مكونات الحياة التي عاشتها أجيال ما قبل التكنولوجيا الذكية وتكنولوجيا الإنترنت، وكثيرا ما يأخذ هذا الجيل الحنين إلى ذلك الماضي الذي يسمونه «الماضي الجميل» ويأخذون في سرد مميزاته وجمالياته ويدافعون عنه بقوة، وهم ممتلئون بالقناعة بأن عودة ذلك الزمن هو أفضل بكثير للإنسانية، فما هو سبب ذلك الإصرار عند ذلك الجيل؟باستقراء آراء الكثيرين من أبناء ذلك الجيل والبناء عليها لمحاولة فهم الصورة، يمكننا أن نفترض بأن السبب هو حجم الضغوط بالأمس وحجمها اليوم. إن للحياة كما نعلم استحقاقات، ومن أعظم استحقاقات الحياة التي كلف بها الإنسان على مر الزمان كان استحقاق السعي على الرزق، والكد والاجتهاد، ولكن في المقابل لطالما حصل الإنسان في عصر ما قبل التكنولوجيا الحديثة جدا على مقدار لا بأس به من الأمان النفسي الذي يشكو الكثير من الناس اليوم بأنه لم يعد موجودا بدرجة كافية توفر الحد المعقول من الاستقرار النفسي لإنسان القرن الحادي والعشرين.إن نداءات النفس حق لا يمكن القفز عليه وتجاهله، وضغوط العمل اليومية سمة من سمات حياة الإنسان على هذه الأرض، والحياة السعيدة لها استحقاقات ليس آخرها، ولكن لا شك أنه أعظمها هو شعور الإنسان بقدر جيد من الراحة النفسية الداخلية.ونظرا لتسارع شكل الحياة الحالية، وولادة الأجيال السابقة في مجتمع كان إيقاع الحياة فيه معتدلا وليس سريعا، فإن ذلك الجيل لا يمكنه التجاوب مع السرعات الجديدة، بينما ولد الجيل الجديد وخاصة جيل الألفية في إطار هذا التسارع فخرج إلى الدنيا ليجد هذا التسارع فلم يشعر أساسا بأيّة أزمة؛ لذا فهذه الأزمة لا يشعر بها إلا من ولدوا في قرن الزمن الجميل.وعلى الرغم من أننا نقرر بشفافية وبصدق وأمانة بأن نمط الحياة الحالي لم يكن ذنبا ارتكبه البشر كأفراد وإنما تطور عالمي متكامل وشمولي أصاب العالم كله بكل ثقافاته ولغاته بسبب رأس المال ورغبة الشركات العالمية في جني أكبر قدر ممكن من الأرباح، إلا أننا ونحن نعيش في وسط هذه المفارقة التاريخية الجديدة، حيث سيطرت مفاهيم شركات كبرى عالمية على حياة البشرية وهي مفارقة لم يشهد التاريخ مثيلا لها من قبل، فنحن ورغم ذلك نطرق مثل هذا الموضوع لكي نضع أمام أعيننا حقيقة تزعج الكثيرين، فالمجتمع لا يمثله فقط مواليد الألفية الجديدة.من هنا فعلينا جميعا أن نتذكر بأن الحياة هي ملكيتنا الخاصة، ولذلك فصناعة السعادة وتلبية نداءات النفس لكي تعيش تلك النفس حياة هادئة هي أولوية تفوق في قيمتها أولويات الاستجابة لضغوط العمل التي فرضها القرن الحادي والعشرين، وبكل تأكيد فالعودة إلى الوراء ليست دائما تأخرا ورجعية عندما تكون تلك العودة علاجا لأرق نفسي مزمن قد سيطر على حياة الكثيرين في عصرنا الراهن.

مشاركة :