قال الشاعر زهير بن أبي سلمى: ومن يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذما عليه ويندم الفيلسوف أرسطو له عبارة تقول (إذا لم تتجرد الأفعال من الذم كان الإحسان إساءة) فنحن اليوم نعيش في زمن الجحود والنكران والقسوة والتطرف في التصرف والفكر فقد كثرت الجرائم وقضايا المحاكم بين الأهل وذوي القربى وكما هو معروف فإن ظلم ذوي القربى أشد وأعظم لأنه جاء في الحديث الشريف (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا) ونقصد هنا الألفة والرحمة بين الأهل والأقارب فما يحدث ﻻشك أنه دخيل على عاداتنا وتقليدنا وأيضا تعاليم الإسلام الذين ندين فيه . انتشرت قبل أيام في وسائل التواصل اﻻجتماعي جريمتان بشعتان بين أفراد الأسرة الواحدة فقد قام شقيق عمره 23 سنة بقتل شقيقه الذي عمره 25 سنة ونحره بسبب أنه ﻻيصلي وطبعا هذا السبب مرفوض وأي سبب آخر أيضا مرفوض جملة وتفصيلا لأنه من قتل نفسا فقد قتل الناس جميعا، فقد أصبح الناس ﻻ يأمنون حتى في بيوتهم بسبب هذه الأفكار المتطرفة التي لم يكن لها أي ذكر وأثر في الزمن الجميل فقد كان هناك تسامح وتصالح بين أفراد الأسرة وكذلك أفراد المجتمع فقد كان الناس يعتنقون الإسلام المعتدل الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق وينشر المحبة والفضيلة وثقافة التسامح في المجتمع . الجريمة التي ذكرناها وقعت في الكويت في منطقة غرب مشرف أما الجريمة الأبشع فقد وقعت في المملكة العربية السعودية أيضا قبل يومين حيث قام أخوان توأم أعمارهما 18 سنة بقتل أمهما وأبيهما وحاوﻻ قتل شقيقهم الأصغر ويرقد حاليا في العناية المركزة في المستشفى وقد تم إلقاء القبض على القاتلان في جنوب الحرج عندما حاوﻻ الهروب إلى اليمن. إن الفكر المتطرف الذي تنشره التنظيمات الإرهابية سنية كانت أم شيعية وخاصة الفكر الداعشي قد انتشر في الآونة الأخيرة بين الشباب المراهقين الذين يسهل إقناعهم والتأثير عليهم بأفكار متطرفة وإيهامهم أن المجتمع برمته كافر وينبغي البدء بأفراد الأسرة وخاصة إذا كان بينهم من يعمل في الجيش أو الداخلية أو أي جهاز أمني . هناك نوع آخر من الجرائم وهي القضايا التي تعج بها المحاكم بين الأهل والأقارب بسبب ﻻيستحق أن يتطاول فيه الأوﻻد على آبائهم أو أمهاتهم أو أخوانهم الأكبر منهم ونقصد بهذه الأسباب هي الخلافات المالية على بيوت أو أراضي أو غيرها من الأسباب المالية وهناك مثل مصري يقول (اللي مالوش كبير يشتري له كبير) ففي الزمن الجميل كان قرار الكبار في السن في الأسرة هو المرجع مثل الأب والأم وفي حالة وفاتهما يكون الأخ الأكبر بمثابة الأب والأخت الكبرى بمثابة الأم ولكن في هذا الزمن الأغبر ليس هناك أي احترام وتوقير للأخ الكبير في العائلة بل إن رأيه يضرب بعرض الحائط ويتم التطاول عليه ورفع قضايا ضده بالمحاكم بتهمة خيانة الأمانة إذا لم يتفق قراره أو رأيه مع إخوانه وأخواته الأصغر منه وهو ما كان سائدا في الزمن الجميل ولهذا كثرت القضايا في المحاكم وطبعا المستفيد هنا المحامين الذين هم مثل المنشار طالع واكل ونازل واكل بسبب حماقة وجهل بعض أفراد الأسرة الذين ينطبق عليهم المثل القائل (إذا لم تستح فافعل ماشئت) . الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي طالب شيخ الأزهر أحمد الطيب وكذلك رجال الدين المعتدلين بتجديد الخطاب الديني والمقصود هنا أن ﻻيكون خطبة الجمعة والدروس والمواعظ في البرامج الدينية تقليدية لكن تكون مبنية على الإقناع بالحجة والحوار مع الشباب بطريقة تواكب ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل اﻻجتماعي لأن تنظيم كلاب النار داعش يستخدم التكنولوجيا ويبعث يوميا آﻻف الرسائل عبر تويتر واﻻنستغرام والواتساب إلى كثير من الشباب في مختلف الدول وينزل إلى مستواهم الفكري والعقلي ويصور لهم الإسلام على أنه غنائم وسبايا وحور العين ونكاح الجهاد وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان . أيضا في الكويت صرفت وزارة الأوقاف أكثر من 5 ملايين على مركز الوسطية ورغم ذلك انتشر الفكر التكفيري مما يؤكد فشل هذا المركز وفشل الوزارة في صياغة خطاب ديني جديد يواجه الفكر المتطرف. أيضا يوجد في وزارة العدل إدارة للاستشارات الأسرية التي يفترض أن تساهم بالتعاون مع وزارة الأوقاف وخاصة أن يرأس الوزارتين وزير واحد في حل المشاكل الأسرية وﻻنقصد هنا فقط الأحوال الشخصية ولكن أيضا قضايا الإرث والقضايا المالية الأخرى بين أفراد العائلة الواحدة ومحاولة تقريب وجهات النظر وتبيان الرأي الشرعي في احترام رأي كبار السن في العائلة وعدم التمرد عليها حتى ﻻتصل هذه القضايا للمحاكم وعندها تتوتر أو حتى تنقطع العلاقة بين أفراد الأسرة والعائلة وهناك بيت شعر يقول: إن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها ﻻيشعب. نسأل الله في هذا الشهر الفضيل وفي العشر الأواخر أن يهدي شباب المسلمين ويبعدهم عن الفكر التكفيري المتطرف وأن يوقر الصغار الكبار ويرحم ويتلطف الكبار على الصغار فلا نسمع عن ابن قتل أمه أو أباه أو أحد أشقائه بسبب فتوى متطرفة تكفيرية أو قضايا في المحاكم تكون نتيجتها التفكك الأسري وانهيار القيم والأخلاق في المجتمع ونقول للمسلمين كافة تقبل الله صيامكم وقيامكم وجعلكم ممن يشهدون ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر . أحمد بودستور
مشاركة :