الزلزال.. يزيــد الفجـوة بـين السـوريـين

  • 2/16/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

من المستبعد للغاية أن يعيد الزلزال الذي دمر شمال غرب سورية مؤخراً تنشيط عملية السلام السورية المتوقفة، بل على العكس، لقد عزز بالفعل خطوط الانقسام السياسي القائمة. وقالت الدكتورة لينا الخطيب مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني (المعهد الملكي للشؤون الدولية)، في تحليل نشره المعهد إن الكارثة الطبيعية أبرزت الانقسامات العميقة بين النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد وحلفائه من جهة وبين المعارضة السورية وداعميها الدوليين من جهة أخرى، فضلاً عن عجز الأمم المتحدة. ورأت الخطيب أن دمشق تحاول استغلال الكارثة الإنسانية للخروج من عزلتها الدولية. وبعد فترة قصيرة من وقوع الزلزال، لم يكن رد الفعل العلني للنظام هو الإعراب عن التعازي لكل السوريين المتضررين من المأساة، وإنما استغلال شخصياته الرئيسية لمحاولة تحقيق شرعية فعلية للأسد على المسرح العالمي. وقال بسام الصباغ سفير سورية لدى الأمم المتحدة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إن أي مساعدات أجنبية يجب أن يتم تسليمها بالتنسيق مع الحكومة السورية وأن يتم إرسالها عبر سورية وليس تركيا. وقالت بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري في وقت لاحق إن العقوبات الدولية المفروضة على النظام من جانب الولايات المتحدة وأوروبا تعيق تسليم المساعدات. وقالت د. لينا الخطيب إن الولايات المتحدة أسرعت بالرد ببيانات علنية تؤكد أن العقوبات القائمة كان لها دائما استثناء إنساني. وعلى الرغم من ذلك، مضت وزارة الخزانة الأميركية في التاسع من فبراير الجاري لتعلن عن تعليق لمدة 180 يوما للعقوبات المفروضة على المعاملات المرتبطة بالإغاثة من الزلزالين. وسوف تسهل هذه الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة نقل التحويلات المالية إلى سورية والتي ستساعد الناجين من الزلزال. كما أن هذه طريقة لمحاسبة النظام. فإذا كان من الممكن إرسال المساعدات المخصصة للمناطق التي لا يسيطر عليها النظام بشكل مباشر إلى دمشق، فهل سيسمح النظام بوصولها إلى المتلقين المستهدفين؟ وقد كانت هناك مزاعم من مجموعات ناشطة، من بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن بعض عبوات الغذاء التي أرسلتها دول عربية للمناطق التي يسيطر عليها النظام يتم بيعها في السوق السوداء بدلا من تسليمها لضحايا الزلزال.وتضيف الخطيب أنه على الرغم من موافقة الحكومة السورية يوم 9 فبراير على السماح بعبور المساعدات، لم يتم تسليم كميات كبيرة من هذه المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حتى اليوم. وقالت الخطيب إن إعلان وزارة الخزانة أثار انقساماً حادًا بين صانعي السياسة الأميركيين، حيث انتقد اثنان من الأعضاء البارزين بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي الإعلان واعتبرا أنه يسمح للنظام السوري بسرقة المساعدات ويمهد الطريق للتطبيع. ورأت أن مثل هذه الخلافات داخل دوائر السياسة الأميركية لا يمكن أن تحظى بالترحيب إلا من جانب دمشق وكذلك موسكو، نظرا لأن عدم وجود توافق في السياسة الأميركية يضعف موقف الولايات المتحدة في دعمها لعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة والمعارضة السورية، وكذلك في مواجهة روسيا. ومن جانبها، تكرر روسيا، كما هو متوقع، نفس رواية حكومة الأسد، حيث تعتبر الزلزال فرصة سياسية للتطبيع. وقد رفضت الدعوات لزيادة عدد المعابر الحدودية بين تركيا وسورية، قائلة إنه يكفي المعبر الوحيد المفتوح، باب الهوى، الذي تم تجديد تفويضه حتى يوليو في أحدث قرار لمجلس الأمن الدولي، وأن المساعدات الأخرى يجب أن يتم تسليمها فقط عبر دمشق. وحتى زيارته إلى حلب يوم 10 فبراير، التزم الأسد الصمت بشأن الزلزال باستثناء المنشورات العامة من المكتب الرئاسي التي تظهره وهو يعقد اجتماعا طارئا للتعامل مع الأزمة، ثم تذكر الرسائل التي تلقاها أو الاتصالات الهاتفية التي أجراها مع قادة أجانب لدول روسيا والإمارات وسلطنة عمان والجزائر والبحرين والأردن والصين وإيران وبيلاروس وفلسطين والعراق ومصر وأرمينيا ولبنان والفاتيكان وأبخازيا، والذين أعربوا عن تعازيهم أو عرضوا تقديم مساعدات إنسانية. وأشارت الخطيب إلى أن إعطاء الأولوية لتسليط الضوء على تفاعل القادة الدوليين والإقليميين هو مؤشر على أن الأسد يرى مرحلة ما بعد الزلزال على أنها فرصة لتقديم نفسه على الصعيدين الدولي والوطني بصفته الزعيم الشرعي لسورية. وبدروها، سلطت المعارضة السورية أيضا بشكل علني الضوء على تفاعل وتواصل قادتها مع صانعي السياسة الدوليين، ومن بينهم مسؤولون من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في أعقاب الزلزال، إلا أنها أشارت إلى أن هذا التفاعل استهدف طلب المساعدة لشمال غرب سورية. كما أعربت المعارضة عن انتقادها العلني لبطء وعدم كفاية استجابة الأمم المتحدة لأزمة الزلزال، في تكرار لانتقادات للمنظمة الدولية من جانب وكالات إغاثة دولية ومحلية ومحللين سوريين وناجين من الزلزالين. وتؤكد عدم قدرة المعارضة السورية على القيام بالمزيد في هذا السياق، على المستمر منذ فترة طويلة للنفوذ السياسي. واعتبرت الخطيب أنه لو كانت عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة أكثر فعالية، لكانت المعارضة السورية في موقف أقوى. كما كانت الأمم المتحدة ستتمكن بشكل أفضل من الاستجابة لحالات طوارئ مثل الزلزال بطريقة أكثر سرعة وعدالة، دون أن يعيقها حق النقض (الفيتو) الروسي في مجلس الأمن. واختتمت الدكتورة لينا الخطيب تحليلها بالقول إن الزلزال لم يظهر فقط مدى تسييس المساعدات، ولكن أيضا كيف يمكن، في غياب تحد سياسي قوي، أن يتم استغلال معاناة السوريين كعملة سياسية.

مشاركة :