كما ترون، فنحن نشهد عاما صعبا آخر. لكن هناك أسبابا للتفاؤل. ولا تخلو جعبتنا من الحلول لجعله عاما أفضل! وهنا، في المنطقة العربية، بإمكاننا جميعا أن نستلهم كثيرا من الروح الجماعية لأسود الأطلس المغاربة وإصرارهم في بطولة كأس العالم في قطر. ولذلك، فإنني ألقي الضوء على ثلاثة مبادئ يمكن للدول الاسترشاد بها في توظيف سياسات المالية العامة وبناء الصلابة، مع التركيز لاحقا على سبل التعاون من أجل تسديد الأهداف في مرمى القضايا التي لن يتسنى لنا مواجهتها إلا معا. وبشأن بناء الصلابة من خلال سياسات المالية العامة، فإنه يتمثل المبدأ الأول في وضع إطار قوي لإدارة سياسة المالية العامة والتعامل مع المخاطر المحيطة بها. ففي عالم اليوم المعرض للصدمات الذي يكتنفه عدم اليقين، أصبحت إدارة سياسة المالية العامة أكثر أهمية، لكن أكثر تعقيدا أيضا. فلننظر إلى تقلبات أسعار الطاقة والغذاء في المنطقة ـ التي تتطلب من الحكومات التدخل لحماية الفئات الضعيفة مع مواصلة خطط التنمية والاستثمارات. ويقتضي ذلك التخطيط الدقيق وتوافر الموارد اللازمة. وهذا ما يفعله المغرب من خلال إلغاء الدعم المكلف غير الموجه تدريجيا لمصلحة توفير الدعم الاجتماعي الذي يستهدف الفئات المستحقة. كذلك وضعت موريتانيا ركيزة مالية لمواجهة تقلبات إيرادات تصدير المعادن، كما رفعت أسعار الوقود 30 في المائة من خلال تخفيض الدعم. وتعمل بعض الدول المستوردة للطاقة على بناء احتياطياتها عندما ترتفع الأسعار استعدادا لمواجهة تقلبات أسعار النفط. وعلى الحكومات أيضا إدارة عديد من المخاطر التي تهدد مالياتها العامة، بما في ذلك الناجمة عن الضمانات العامة وخسائر الشركات المملوكة للدولة، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الدين وتخفيضات حادة في النفقات الضرورية. وتعكف مصر حاليا على تعزيز الرقابة على هذه المخاطر للمساعدة على إدارتها. وعلاوة على ذلك، تشهد عدة دول عربية تنفيذ أطر مالية عامة متوسطة الأجل تتسم بالمصداقية، وهي عامل أساس في التخفيف من حدة المخاطر حال تحققها، كما تمكن الحكومات في الوقت نفسه من مواصلة أوجه الإنفاق الضرورية، والحفاظ على استقرار الدين، وبناء ثقة المستثمرين. ويساعد الصندوق دوله الأعضاء على وضع هذه الأطر، كما تساعد مجموعة أدوات إدارة مخاطر المالية العامة التي وضعها الصندوق على الكشف عن المخاطر، وقياس تكلفتها المحتملة، وتحديد الأولوية للتدابير اللازمة لمعالجتها. أما المبدأ الثاني، فيتمثل في التخطيط والاستثمار على المدى الطويل لمواجهة تحديات المناخ. فمن شمال إفريقيا إلى آسيا الوسطى، تبلغ مستويات الاحترار في المنطقة ضعف معدلها في باقي أنحاء العالم. إذا نحتاج إلى العمل عبر جبهات عديدة. فعلى سبيل المثال، يمثل الاستثمار في البنية التحتية المقاومة لتغير المناخ ونظم الإنذار المبكر عاملا أساسيا لتعزيز صلابة المنطقة. وينطبق ذلك أيضا على استثمارات الطاقة المتجددة. وقد أعلنت حكومات المنطقة احتياجات تمويلية متعددة الأعوام بقيمة تتجاوز 750 مليار دولار لاتخاذ هذه التدابير. وتعتمد تلبية هذه الاحتياجات على توفير بيئة مواتية للتمويل المناخي الخاص من خلال السياسات والحلول المالية السليمة. وهنا أيضا يضطلع الصندوق بالدور المنوط به. فقد أصبح المناخ في صلب عملنا، ونتعاون حاليا مع شركائنا على إحراز التقدم المرجو في تنفيذ خطة تمويل العمل المناخي. ويتضمن ذلك الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة الجديد الذي يهدف إلى تحسين السياسات وتوفير تمويل طويل الأجل بتكلفة معقولة لمواجهة التحديات المناخية. وهناك مناقشات جارية بالفعل مع مصر ودول أخرى للاستفادة من تمويل الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة.
مشاركة :