حافظ الزي الشعبي الإماراتي على حضوره البارز حتى اليوم، وسط كثافة الحياة العصرية بتقنياتها وتعقيداتها التي تختلف اختلافاً جذرياً عن نمط الحياة القديم؛ واستفادت الأزياء الشعبية الإماراتية من الواقع المعاصر جل استفادة. وكانت النتيجة المحافظة على أصالة الماضي وفي نفس الوقت تجسيد أناقة الحاضر ليشعر كل إماراتي بكثير من الفخر والاعتزاز ويدفعه ذلك لمزيد من التمسك بهذا الموروث الشعبي من الأزياء التي تتميز بأصالة نادرة إضافة إلى التلقائية والبساطة، ومن بين تلك الأزياء «الكندورة» التي أصبحت ماركة مسجلة بين الأزياء الإماراتية العريقة على مر الأجيال. ولم تختلف «الكندورة» في تصميمها الأساسي كثيراً على مر الزمان رغم الاختلافات التي حدثت في طريقة تفصليها وحياكتها، وفي الماضي كان الإماراتي يرتدي الكندورة العربية «أم فروخة» المصنوعة من قماش اللاس أو الشربت في فصل الصيف، في حين تصنع الفروخة من الزري والرجل يضع على رأسه الغترة البيضاء «الدسمال» وتستورد من السواحل خصوصاً من اليمن. أما الغترة البصراوية فتتميز باللون الأحمر والأبيض والشال فيكون عادة مصنوعاً من الصوف، ويضع الرجل فوق الغترة العقال الأسود وتحتها القحفية «الطاقية» وهي تساعد على تثبيت الغترة والعقال على الرأس، وفي بعض المناطق يلف الرجال الغترة على رؤوسهم من دون عقال وتسمى العصامة. ويرتدي الرجل تحت الكندورة وزاراً «إزاراً» وهو قطعة مستطيلة الشكل تبلغ مترين طولاً ومتراً عرضاً، يلفها الرجل حول النصف السفلي من جسمه، وعادة ما يستورده التجار من الهند، أما المقصر فكان يلبس أثناء فصل الصيف، ويصنع من قماش الشربت، وهو نوع من القماش الخفيف. كما يلبس الرجل في قدميه النعال، وهو عبارة عن حذاء بسيط ومن أشهر أنواعه «صراري» و«بوصقف» والنعال الهندي، وقد يغلب اللونان الأسود والأبيض على نعال الرجال. أقمشة متنوعة ويقول علي راشد الرايحي الذي عاصر الماضي منذ عقد الخمسينيات وهو مدرب وخبير في الفروسية: إن الناس فيما مضى كانوا يشترون ملابسهم من محال معدودة ومعروفة للجميع في الأسواق الشعبية بعد أن تنتهي النساء من خياطتها لعدم توفر خياطين من الرجال في ذلك الوقت، لأن الرجل كان مشغولاً بالغوص، ولا يستقر في بيته إلا لفترة قصيرة فقط، وفي أحيان أخرى يعتمد الرجال في خياطة «الكندورة» على أهل المنزل من نساء العائلة. أما أهم أنواع الأقمشة قديماً فالكورة والبفتة وبو تفاحة واللاس والشربت، والصوف الذي كان نادراً نظراً إلى ارتفاع ثمنه ويحرص المواطن الإماراتي على ارتداء أزيائه الشعبية وعدم التأثر بالأزياء الوافدة؛ فهو يتمسك بزيه التقليدي في ميادين العمل والمناسبات الاجتماعية وغيرها. ويستثنى من ذلك استحداث بعض التعديلات والإضافات التي طرأت على الزي الشعبي لدى الشباب، وزي الرجال في الدولة يتوافق مع العادات والتقاليد الإسلامية فيتميز بالبساطة والوقار ويخلو من التطريز الذي يعتبر نوعاً من الزينة الخاصة بالنساء ويكاد يكون موحداً إلا من فوارق بسيطة. دور النساء ويشير الرايحي إلى أن اقتناء «الكندورة» الجاهزة لم يكن متاحاً في تلك الفترة خلال عقد الخمسينيات وما قبلها وكن النساء في البيوت يقمن بأدوار كبيرة في حياكة الملابس ومن بينها «الكندورة» ويتركز جهودهن في تجهيز «الكندورة» في المناسبات والأعياد على وجه الخصوص، وظللن على هذا الحال حتى بدأت تظهر مهنة الخياطة شيئاً فشيئاً. ويؤكد علي الرايحي أن النساء الإماراتيات قمن بدور مهم في المحافظة على التراث الشعبي من الأزياء ووضعن اللبنات الأساسية للتصميم الذي سارت عليه «الكندورة». الأكثر مبيعاً ويؤكد أصحاب محال الخياطة الرجالية أن «الكندورة العربية الإماراتية»، هي الأكثر مبيعاً وإقبالاً من قبل الشباب في الإمارات، وتمتاز بالقماش الخشن والتفصيل الواسع ذي الأكمام الكبيرة مع وجود الطربوشة التي تضفي عليها الأناقة، وعادة ما يتم تفصيل الكندورة العربية بالجملة بمقاسات ثابتة في المصانع. والتي بدورها تحرص على بيعها على محال التجزئة، ويتم استيراد الخامات من إندونيسيا والهند وباكستان. وقد ارتدى أول رائد فضاء إماراتي هزاع المنصوري، الزي الإماراتي التقليدي «الكندورة» أثناء تواجده في محطة الفضاء الدولية. وذلك بهدف مشاركة هويته الوطنية، وشكّل تاريخ 25 سبتمبر من عام 2019، إنجازاً مهماً في صناعة الفضاء المزدهرة في دبي، إذ أصبح فيه المنصوري أول إماراتي في الفضاء، وأول عربي يسافر إلى محطة الفضاء الدولية، وباتت «الكندورة» التي حملها معه هزاع المنصوري ضمن هذا الحدث التاريخي. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :