دبي - يتجه لبنان إلى أزمة شغور في إدارة المصرف المركزي مع قرب انتهاء ولاية رياض سلامة الذي يشغل هذا المنصب منذ ثلاثة عقود وإعلانه أنه لا يعتزم الترشح مجددا للمنصب، بينما يُلاحق في قضايا فساد وغسيل أموال. ومن شأن الشغور في إدارة المركزي اللبناني أن تعمق أزمة طاحنة تعيشها البلاد منذ العام 2019 وتؤجج التوترات الاجتماعية مع قيود حرمت المودعين من سحب ودائعهم، فيما شهدت مدن لبنانية في اليومين الأخيرين احتجاجات تم خلالها إحراق واجهات عدد من المصارف، طالب فيها محتجون بحقهم في سحب ودائعهم. وقال وزير المالية اللبناني يوسف خليل إن استبدال حاكم مصرف لبنان سيكون صعبا وقد يتم تمديد ولايته رغم عدم التوصل إلى توافق بشأن ذلك حتى الآن. وقال سلامة هذا الشهر إنه لن يسعى للحصول على فترة جديدة. وتنتهي ولايته الحالية البالغة ست سنوات في يوليو/تموز، بينما يخضع لتحقيقات يجريها مدعون أوروبيون ولبنانيون بشأن ما قيل عن اختلاس مئات ملايين الدولارات من الأموال العامة وهو اتهام ينفيه. وردا على سؤال عما إذا كانت المناقشات بشأن خليفة محتمل لسلامة قد بدأت، رد الوزير اللبناني بالقول، إنه لا يوجد توافق بعد، مشيرا إلى أن المناخ السياسي الحالي في لبنان يجعل من الصعب بشكل خاص إجراء تغيير كبير مثل هذا. وأضاف على هامش القمة العالمية للحكومات في دبي قبل أيام أنه من الوارد وجود خطة لتمديد فترات جميع موظفي الخدمة العامة من المستوى الأول وليس فقط سلامة، لكن لا يوجد إجماع على ذلك بعد. وقال خليل أيضا إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يظل أولوية حتى لو كان لا يحظى بتأييد البعض. وأقر بأن الاتفاق لا يحظى بدعم كل اللبنانيين، لكنه شدد على أهمية بناء الثقة ووضع لبنان على طريق التعافي. ووقعت بيروت مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان لكن البطء في وتيرة تنفيذ الإصلاحات التي طلبها الصندوق للحصول على تمويل لتخفيف وطأة الانهيار الاقتصادي المستمر منذ ثلاث سنوات والذي أغرق الغالبية العظمى من السكان في براثن الفقر. وترسم تصريحات وزير المالية اللبناني صورة قاتمة للوضع مما يزيد من تعقيدات المشهد في بلد يقف على حافة انهيار مالي بلا أي مؤشرات في الأفق على حلحلة الأزمة. وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قد قال في نوفمبر/تشرين الثاني إن لبنان لا يزال بإمكانه إتمام اتفاق الحصول على حزمة إنقاذ بقيمة ثلاثة مليارات دولار على الرغم من عدم وجود رئيس أو برلمان كامل الصلاحيات. وخفضت الحكومة سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية بنسبة 90 بالمئة في الأول من فبراير/شباط إلى 15 ألف ليرة للدولار الأمريكي للمرة الأولى منذ نحو ثلاثة عقود. وحينها كانت قيمة الليرة في السوق الموازية أقل بقليل من 60 ألفا مقابل الدولار. ومنذ ذلك الحين، هوت بسرعة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 80 ألفا مقابل الدولار، مما تسبب في احتجاجات وحرق لفروع بنوك وإغلاق الطرق أمس الخميس. وقال خليل إنه واجه ما وصفها بأنها مقاومة جدية عندما حاول خفض قيمة العملة المحلية رسميا قبل شهور، لكن الحكومة ما زالت تخطط لتوحيد سعر الصرف والتحرك لتحصيل الضرائب والرسوم على أساس سعر أقرب إلى السوق الموازية. وأضاف أن البرلمان لا يزال يعتزم تمرير قانون ضوابط رأس المال بعد سنوات من التأخير كوسيلة لحماية البنوك من الدعاوى القضائية التي وصفها بأنها ضخمة جدا والاحتفاظ بالعملة الأجنبية في البلاد. وقال خليل إن مستوى الثقة في النظام المصرفي اللبناني منخفض للغاية، مضيفا أنه يرى أن طريقة بناء تلك الثقة تكمن في الاتفاق مع صندوق النقد. وفي الوقت ذاته لمح رئيس حكومة تصريف الأعمال اليوم الجمعة إلى أن الأحداث في اليومين الأخيرين التي شملت حرق واجهات مصارف في احتجاجات جاءت تنديدا بالقيود على السحب من الودائع، أججتها جهات معينة، متسائلا ما إذا كانت الأحداث الأمنية التي حصلت في اليومين الماضيين في لبنان قد حصلت بإيعاز من مكان ما، وذلك خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس الأمن المركزي في مقر الحكومة في بيروت. وشارك في الاجتماع وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي بحسب بيان صادر عن الموقع الرسمي لميقاتي كما شارك فيه القادة والمسؤولون الأمنيون. وقال ميقاتي في مستهل الاجتماع "أوحت الأحداث الأمنية التي حصلت في اليومين الفائتين، وكأن هناك ضغطة زر في مكان ما ومن خلال متابعتي ما حصل من أعمال حرق أمام المصارف، سألت نفسي هل فعلا هؤلاء هم من المودعين أم أن هناك إيعازا ما من مكان ما للقيام بما حصل؟". وأضاف "لفت نظري قول البعض إن اجتماعنا اليوم جاء متأخرا، فيما الحقيقة أن مدماكين أساسيين لا يزالان يشكلان سدا منيعا للدولة وهما رئاسة الحكومة والمؤسسات التي تمثلونها اليوم. نحن نبذل كل جهدنا للحفاظ على سلطة الدولة وهيبة القوانين خصوصا في ظل الإهتراء الحاصل في كل إدارات الدولة ومؤسساتها"، معتبرا أن من "أبرز ما تحقق هو الأمن المضبوط".
مشاركة :