انتظر المؤمنون بالأُخوّة الإنسانية وقيم التسامح والتعايش في مختلف أنحاء العالم افتتاح مشروع «بيت العائلة الإبراهيمية»، كمركز عالمي للحوار والتعلم تحتضنه العاصمة الإماراتية أبوظبي. هذا المشروع الذي حظي منذ لحظة الإعلان عنه بترحاب شديد من مختلف الأوساط الدينية، الرسمية وغير الرسمية، بالنظر إلى أنه يشكل منارة عالمية تبرز أهمية قيمة الحوار بين الأديان والقيم المشتركة بينها، وتجسّد قيم التفاهم والاحترام المتبادل والعيش المشترك بين أتباع هذه الأديان. إن الفكرة الرئيسية للمشروع هي التأكيد على أن الأصل في العلاقة بين الأديان هو التقارب والتواصل، مع احتفاظ كل دين في الوقت نفسه بخصوصيته، ولذا حرص المشروع الذي نفذه المصمم العالمي، ديفيد أدجاي، على أن يجمع مسجداً وكنيسة وكنيساً في مكان واحد، في إشارة واضحة للعيان إلى أن الأديان السماوية الثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية، بينها الكثير من المشتركات التي تجمع الناس ولا تفرقهم، وتدعوهم إلى إعلاء مشاعر الأخوة والتعاون والتآخي والسلام ضمن مجتمع متفاهم يقدر قيم الاحترام المتبادل والتعايش السلمي. لقد حرص المشروع على أن يؤكد في كافة جوانبه أنه يشكل رمزاً للتسامح والتعايش والتقارب وتعظيم المشترك ونبذ الكراهية والتعصب، حتى أن اختيار الأسماء الذي أطلقت على أماكن العبادة الثلاثة حمل رسالة واضحة على أهمية هذه القيم الإنسانية العليا، وفي مقدمتها قيمة الحوار بين الأديان، إذ كان لأصحاب هذه الأسماء جهود بارزة وجليلة في إجراء حوارات كان لها تأثير كبير في التقريب بين أتباع الديانات المختلفة. فقد أطلق على المسجد اسم «الإمام الطيب» نسبة إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، صاحب الإسهامات الجلية في قضية حوار الأديان، والتأكيد على قابلية الإسلام - من خلال قواعده وسماحته المعهودة - للتعايش والتحاور مع غيره من الديانات الإبراهيمية الأخرى في جو من الود والصفاء، حيث شهد الأزهر الشريف العديد من الحوارات المثمرة مع أتباع الديانات الأخرى. فيما اختير اسم «القديس فرانسيس» ليُطلَق على الكنيسة، وذلك نسبة إلى القديس فرانسيس الأسيزي، الذي كان في عصره بمثابة «دعوة للحب والسلام» وسافر قبل أكثر من 800 عام للقاء الملك الكامل سلطان مصر، في وقت كان التوتر يسود العلاقات بين الشرق والغرب تحت وقع الحروب الصليبية، ليثمر اللقاء حواراً راقياً بين راهب مسيحي وسلطان مسلم، أكد كثير من المؤرخين أنه غيّر الصورة النمطية السائدة عن الآخر آنذاك، بل ذهب البعض إلى تأكيد أن ذلك اللقاء غيّر مسيرة تاريخ العداء وسفك الدماء إلى رؤية جديدة للعلاقة بين الشعوب والأديان. أما الكنيس فقد حمل اسم «موسى بن ميمون» نسبة إلى حاخام يهودي عرفته الحضارة العربية جيداً، حيث شارك في إثرائها بما لديه من حكمة وعلم ومعرفة، ويُقال إنه شكّل في عصره جسراً وقنطرة بين اليهودية والإسلام والمسيحية، حيث لم تكن حياته في القاهرة التي وصل إليها عام 1166 ميلادية قادماً من المغرب، سوى مسيرة من تلاقح وتنافح وحوار بين الحضارات والأديان. إن مشروع بيت العائلة الإبراهيمية كان ترجمة عملية على أرض الواقع لما جاء في وثيقة «الأخُوّة الإنسانية» الصادرة في أبوظبي في فبراير عام 2019، بشأن الحوار بين الأديان، حين أعلن الأزهر والكنيسة الكاثوليكية «تبني ثقافة الحوار درباً، والتعاون المشترك سبيلاً، والتعارف المتبادل نهجاً وطريقاً»، واستثمار ذلك في نشر الأخلاق والفضائل العليا، بما يسهم في احتواء كثيرٍ من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءاً كبيراً من البشر. * باحث وكاتب الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :