قبل شهر من إسقاط تركيا قاذفة روسية، ادعت أنها خرقت مجالها الجوي، حذّرت الاستخبارات العسكرية الروسية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من أن تركيا تسعى بالفعل لضرب أي طائرة تغامر في الدخول إلى مجالها الجوي، ويقول دبلوماسيون مطلعون على الأحداث، إن بوتين رفض ذلك التحذير، ربما لأنه لا يعتقد أن تركيا قد تستفز روسيا في تدخلها العسكري في سورية. وفي ذلك الحادث، الذي وقع في 24 نوفمبر من العام الماضي، أطلقت طائرات F-16 التركية النار على المقاتلة الروسية وأسقطتها، ما أسفر عن مقتل أحد الطيارين الروس، حيث يشير ذلك الهجوم إلى أنه كمين تم الإعداد له بشكل جيد. وادعت تركيا أنها كانت تتعامل مع الطائرة الروسية التي دخلت مجالها الجوي لمدة 17 ثانية، إلا أن المقاتلات التركية بذلت كل جهد ممكن، للتخفي عن طريق تحليقها على ارتفاع منخفض، ويبدو أنها كانت في مهمة خاصة لتدمير تلك الطائرة الروسية. إسقاط الطائرة ويعتبر إسقاط تلك الطائرة، التي تعتبر أول طائرة تسقطها قوة تابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، منذ الحرب الكورية، حادثاً مهماً كونه يعكس مدى تحرك تركيا للحفاظ على مكانتها في الحرب المستعرة على الجانب الجنوبي من حدودها مع سورية. فهو حدث مهم للغاية في الوقت الراهن، لأنه بعد شهرين من ذلك الحادث، تواجه تركيا الآن تطورات عسكرية في شمال سورية، تشكل لها تهديداً أكثر خطورة بكثير من حادث التوغل الوجيز للطائرة الروسية في مجالها الجوي، حيث ادعت أنقرة، السبت الماضي، انتهاك روسي جديد لمجالها الجوي الجمعة الماضية. أصبحت الحرب السورية في مرحلة حاسمة، فخلال العام الماضي احتل الأكراد السوريون وجيشهم الذي يطلق عليه وحدات حماية الشعب الكردية أكثر من نصف الحدود السورية مع تركيا. كما استطاعوا احتلال خط الإمداد الرئيس لتنظيم داعش، الذي يمر عبر معبر تل أبيض شمال الرقة في يونيو الماضي، وبدعم من القصف المكثف من سلاح الجو الأميركي، استطاع الأكراد التقدم في كل الاتجاهات، وعزل شمال سورية عن تركيا في رقعة من الأرض تقع بين نهري دجلة والفرات. ولم يتبق لـوحدات حماية الشعب الكردية سوى 60 ميلاً فقط، غرب جرابلس على الفرات، ليتمكن من غلق خطوط إمداد داعش بالكامل، وأيضاً خطوط إمداد المعارضة غير المسلحة، من خلال إعزاز إلى حلب. وكانت تركيا قد حددت معبر غرب الفرات خطاً أحمر لا ينبغي أن تعبره وحدات حماية الشعب، على الرغم من أنها لم تتحرك عندما استولت قوات سورية الديمقراطية، الحليفة لها، على سد تشرين الواقع على نهر الفرات، وهددت معقل داعش في منبج. ويفكر الأكراد السوريون الآن ما إذا كانوا سيغامرون بالاستيلاء على الأراضي الاستراتيجية شمال حلب، وربطها بالجيب الكردي في عفرين. فائزون وخاسرون تطورات الأشهر القليلة المقبلة قد تحدد من هم الفائزون على المدى الطويل، والخاسرون في المنطقة على مدى عقود. وفي الوقت الراهن تتقدم قوات الرئيس بشار الأسد على جبهات عدة، تحت مظلة القصف الجوي الروسي، ويبدو أن حملة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي استمرت خمس سنوات لإسقاط الأسد في دمشق، من خلال دعم المعارضة المسلحة ــ يبدو أنها قريبة من الفشل. ويمكن أن تقبل تركيا بالأمر الواقع، وتعترف بأنه سيكون من الصعب عليها إرسال جيشها إلى شمال سورية، في وجه معارضة قوية من الولايات المتحدة وروسيا. ولكنها ستضطر إلى فعل ذلك، إذا رأت أن البديل هو الفشل والذل. ويقول الخبير الفرنسي في الحرب غير النظامية والسياسة في الشرق الأوسط، غيرارد تشالياند، الذي كان يتحدث في أربيل، الأسبوع الماضي، انه في غياب أردوغان كزعيم، أستطيع أن أقول إن الأتراك لن يتدخلوا عسكرياً في شمال سورية، ولكن طالما هو في منصبه ذاك، فأعتقد أنهم سيفعلونها. خوض المخاطر لدى أردوغان شهرة واسعة في خوض المخاطر، حيث فعل ذلك العام الماضي، عندما فشل في الفوز بأغلبية برلمانية في أول انتخابات من اثنين. حيث أجّج مواجهة جديدة مع الأكراد الأتراك، واستطاع تفتيت خصومه للفوز في الانتخابات الثانية في نوفمبر. ويعتبر التدخل العسكري المباشر في سورية محفوفاً بالمخاطر، ولكن يعتقد تشالياند أن تركيا قادرة على القيام بذلك عسكرياً، ولن تستطع روسيا ردعها، وبطبيعة الحال لن يكون ذلك أمراً سهلاً، فلدى موسكو طائرات في الجو وصواريخ مضادة للطائرات على أرض الواقع، ولكن بوتين لديه فكرة واضحة عن القيود المفروضة على التدخل العسكري الروسي في سورية. الزعيم الكردي السوري المخضرم الذي يعيش في أوروبا، عمر شيخموس، يقول إن الأكراد السوريين ينبغي أن يدركوا أن الروس والحكومة السورية، لن يدخلوا في حرب مع الجيش التركي من أجل الدفاع عنهم، ويحذر من ألا يبالغ الحزب السياسي الكردي الحاكم، حزب الاتحاد الديمقراطي، في تضخيم قوته الذاتية، لأن رد فعل الرئيس أردوغان لا يمكن التنبؤ به. ويعتقد القادة الأكراد الآخرون أن التدخل التركي أمر غير مرجح، وأنه إذا كان هناك تدخل، فمن المفترض أن يكون قد حدث قبل إسقاط الطائرة الروسية، حيث أدى ذلك الحادث إلى تعزيز القوة الجوية الروسية في سورية، واتخاذ موقف أكثر عدائية بكثير تجاه تركيا، وتقديم الدعم الكامل للجيش السوري المتقدم في شمال اللاذقية والمناطق المحيطة بحلب. كردستان الغربية وفي الوقت الحالي، فإن الأكراد السوريين لايزالون يفكرون بشأن ما ينبغي القيام به، حيث إنهم يعرفون أن شبه الدولة التي يريدون تأسيسها، والمعروفة باسم كردستان الغربية، يمكنها التوسع بشكل سريع، لأن الولايات المتحدة بحاجة إلى قوات برية للعمل بالتعاون مع الحملة الجوية ضد داعش. وفي أوقات مختلفة تدعم القاذفات الروسية والأميركية قوات الدفاع الذاتي المتقدمة نحو منبج. وعلى لوحة شطرنج فوضى الأزمة السورية، فإن لدى الأكراد في هذا الوقت الأعداء أنفسهم الذين يواجههم الجيش السوري، ولكنهم يعرفون أن موقفهم القوي سيستمر مع استمرار أمد الحرب. إذا لم يكن هناك تدخل تركي على نطاق واسع، فإن الأسد وحلفاءه سيحققون الفوز، لأن التدخل الروسي والإيراني واللبناني المتمثل في حزب الله سيرجح كفة الميزان لمصلحتهم، حيث إن ترويكا الدول السنّية الإقليمية، قد فشلت حتى الآن في الإطاحة بالأسد، من خلال دعم المعارضة السورية المسلحة. وتعتبر تركيا هي القوة الإقليمية الأخيرة التي يمكنها عكس اتجاه الأحداث في سورية، عن طريق التدخل العسكري السافر، وهو التطور الذي لا يمكن استبعاده في الوقت الذي يبدو فيه أن الحدود السورية ــ التركية على وشك الإغلاق بالكامل، وخلافاً لذلك، فقد أصبح الصراع أكثر تدويلاً للحد الذي لا يستطيع حسمه سوى الولايات المتحدة وروسيا. باتريك كوكبيرن - كاتب ومحلل سياسي
مشاركة :