في ضرورة احترام العقل.. - علي حسن الشاطر

  • 2/2/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لاشك أن القضايا المرتبطة بالواقع الفكري في الوطن العربي كثيرة ومتشعبة، ومنها القضايا التي تكتسب من الأهمية ما يستوجب إثراءها بالنقاش والتقييم، على الرغم من أنها قد تبدو للكثيرين غير ذات أهمية، وحتى أولئك الذين يتجاهلون أهمية تلك القضايا، فإنهم يمارسونها بل وبصورة متعمدة، لذلك فالتجاهل موقف متعمد أيضاً، لأنه تعبير عن موقف يتخذه طرف من الأطراف في مواجهة قناعات ومواقف أطراف أخرى، وهذا في حد ذاته مظهر من مظاهر القضايا الفكرية التي يحفل بها الواقع الفكري في الوطن العربي، وإن كان مظهراً غامضاً، ومن أهم هذه القضايا تعدد المواقف والقناعات والمنطلقات الفكرية أو لعلها – في الواقع – جوهر القضية وأساسها وكل ما عداها إنما هو في النهاية لا يعدو أن يكون مظاهر لهذه القضية الأساسية. إن الوقوف أمام هذا التعدد في المواقف والقناعات والمنطلقات، وهو تعدد أدى ويؤدي إلى التعارض والخلافات بل وإلى التناقض، لا يحتاج إلى كثير من الذكاء والفطنة لمعرفة مضمونه، ذلك أننا نلمسه ونعيشه ليس في ثقافتنا، أو في ممارساتنا السياسية فحسب، بل حتى في حياتنا وتعاملنا اليومي، إنه أشبه بالصراع بل والصراع المرير الذي كثيراً ما يثير الرثاء، ولهذا نستطيع أن نسميه صراعاً مهماً؛ وإن كان في هذه التسمية شيء من الجفاء؛ إلا أن هذه هي الحقيقة المرة للأسف الشديد. إن الاختلاف والتعارض ظاهرة صحية وإيجابية في بعض الأحيان، لأنها إثراء للآراء ووجهات النظر، ولكنها تصبح خطراً كبيراً إذا ما تحولت إلى نوع من التعصب الذي لا يبحث عن أسس للاتفاق والتقارب والتجانس، وذلك حين يكون التعارض كاملاً وشاملاً في مختلف الجوانب والمجالات، وتلك العبارة المأثورة عن المفكر الفرنسي الساخر (فولتير) التي تقول: "قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد لأن أضحي بنفسي في سبيل أن تقول رأيك.." هي لا تقصد التعارض الذي يتحول إلى تعصب، ولكنها تقصد الاختلاف البناء والمثمر، الذي لا يهدف إلى الاستحواذ بالرأي ووجهة النظر على حساب آراء وحريات الآخرين.. إن (فولتير) يريد أن يؤكد في حال اختلفت أو تعارضت الآراء ووجهات النظر، كيف يجب أن تُحترم آراء الآخرين وحرياتهم، وقبله بأثني عشر قرناً جاء القرآن الكريم ليعلم البشر كيف يُحترم العقل وكيف تُحترم الحريات والقناعات حين خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه الخاتم عليه أفضل الصلوات والتسليم في محكم كتابه الكريم بالقول:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" وقوله تعالى:" لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ" وقوله جلّ وعلا "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ". وكثيرة هي الآيات القرآنية الكريمة التي تؤكد على هذه الحقيقة التي يجب أن نعيها نحن قبل أن يعيها غيرنا، ذلك أن الرسالة الإسلامية ظهرت من بين أوساطنا، وأجدادنا هم من حملوا نور الإسلام وهدايته إلى أصقاع الأرض. إن اسلوب التعصب والفرض للآراء ووجهات النظر لا يمكن أن يكون ناجحاً، بقدر ما يخلق الصراع والتمزق، لأنه يتجاهل هذه الحقائق، ويسير في الاتجاه المعاكس للحرية والعقل.. لقد جعل الله سبحانه وتعالى قانون التناقض إحدى السنن الكونية للكون والحياة، ولكنه تناقض بهدف الوصول إلى التكامل وإلى فهم الأطراف المتناقضة، فلو أن شخصاً لم يشاهد في حياته حالة من الجنون، لما أدرك أهمية العقل السليم ومميزاته وفضائله. لقد وهب الله الإنسان العقل لكي يفكر ويتأمل ويتدبر ويخترع ويكتشف، ووهبه النزوع إلى الحرية، ومن الطبيعي أن يكون هناك خلاف بين ثقافتنا وفكرنا، وبين الثقافة الغربية والتراث الغربي، والاختلاف الفكري هذا لا ينشأ إلا متى ما كان هناك تعارض وتباين، ولاشك أن هنالك تعارضاً وتبايناً بين ثقافتنا وفكرنا وتراثنا وعقيدتنا، وبين ثقافة وتراث وفكر الحضارة الغربية، بغض النظر عن العلوم الطبيعية والرياضية والمنطق وغيرها من العلوم التي لا دخل لها بالثقافة والدين والتراث وغير ذلك، وبغض النظر كذلك عن الفكر الإنساني الذي يبحث عن الحقيقة، وبفعل التفوق الحضاري للغرب، ووفقاً لنظرية (ابن خلدون) في أن المغلوب مولع أبداً في تقليد الغالب، وقعنا في فخ التأثر والتقليد، فأخذنا عن الغرب الكثير من النظريات والأفكار التي نقلت الاختلاف إلى داخلنا وإلى أعماقنا، وبدلاً من أن يكون الاختلاف بين ثقافتين وتراثين، أصبح الاختلاف بين أصحاب الثقافة الواحدة وأصحاب التراث نفسه، وهو خلاف واختلاف، كان يمكن – كما أسلفنا – أن يكون ظاهرة صحية مثمرة، لو أنه مجرد خلاف وتعارض مثمر يحترم العقل ويحترم حرية الإنسان، ولا يتجاوز القضايا الأساسية التي يجب أن نتفق عليها، ولو كان الأمر كذلك لكان الاختلاف والتعارض دليلاً على التفاعل مع العصر والحضارة، ومظهراً إيجابياً من مظاهر الانتقال التاريخي من الجمود والتحجر إلى الانفتاح والتفاعل مع الثقافات الأخرى، لكنه أصبح مظهراً – للأسف الشديد – من مظاهر العجز والهزيمة.

مشاركة :