اعتبر الباحث والمؤرخ الدكتور راشد بن عساكر، أن إقرار يوم سنوي للتأسيس يمثل مرحلة مهمة في التاريخ السعودي ويفتح آفاقاً وأبواباً جديدة لدراسة تاريخ السعودية بمراحلها الثلاث، وخصوصاً المرحلة الأولى وإجلاء الغموض عن هذا التاريخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن واقع الدولة السعودية ومنطلقاتها وأهدافها في بداية التأسيس بالاستناد إلى معرفة تاريخية شاملة وموثقة، مشدداً على أن تحقيق الأمن ونشر العدل والقضاء على الفوضى والتشرذم وتكوين دائرة مركزية حضارية واقتصاد مستديم ومنظم، ركائز ومنطلقات التأسيس الأول التي استمرت على نهجه الدولة طيلة ثلاثة قرون، لافتاً إلى أن البعد الديني في تأسيس الدولة لا وجود له ولم يكن سبباً في أهداف التأسيس لأن المجتمع الذي انطلقت من وسطه الدولة كان متديناً ولم تسجل عليه أي مظاهر أو ممارسات تخالف الدين. وحمّل العساكر في حوار شامل مع «الشرق الأوسط» بعض المؤرخين المتقدمين والمتأخرين مسؤولية العبث بتاريخ الوطن، مبرزاً في هذا الصدد نموذجاً لذلك من خلال المؤرخ «ابن غنّام» الذي يُعدُّ أول من دوَّن أحداث ووقائع الدولة السعودية الأولى من خلال كتابه «روضة الأفكار» الذي كان من المفترض أن يضمنه في الحديث عن تاريخ الدولة ومؤسسها، لكنه خصصه في الأصل للشيخ محمد بن عبد الوهاب من خلال تتبع رسائله وجهوده ورحلاته، ولم يتطرق لتاريخ الدولة وقادتها وجهودهم في عملية التأسيس ومنطلقات الدولة والذي كان الدافع الأول فيه هو نشر الأمن وإحقاق الحق والعدل وليس البعد الديني؛ فالدين الإسلامي والشرائع والعبادات وجميع المظاهر الدينية لم تغب عن المشهد في المجتمع، بل إن ابن غنّام أرخ أحداثاً ووقائع وهو صغير أو كان في المهد. وتطرق العساكر في حواره إلى الإصلاحات التي تمت في الدولة السعودية الأولى في جميع النواحي، كما لمح إلى أن اللحمة بين أبناء البلد وروح الانتماء لدى الأفراد والمجتمع ظهرت لأول مرة في الجزيرة العربية، إضافة إلى بروز ظاهرة مهمة في التركيبة السكانية والاجتماعية في الأقاليم والمناطق بالتداخل والتصاهر الأسري بين القبائل والبلدان. ولم ينسَ الباحث الإشارة إلى أن الهوية السعودية ظهرت منذ التأسيس، فقد أطلقت على الدولة الوليدة مسمى السعودية نسبةً للأسرة الحاكمة (آل سعود)، مورداً وثائق وسجلات أجنبية ومحلية تؤكد ذلك وجاء الحوار كالتالي: - آل سعود... جذور اجتماعية وتاريخية منذ قرون > ونحن نعيش الذكرى الثانية ليوم التأسيس الأول على يد الإمام محمد بن سعود، هل تحدثنا عن الجذور التاريخية والاجتماعية للأسرة السعودية (آل سعود)؟ - تعود الجذور التاريخية والاجتماعية للأسرة السعودية إلى قبيلة واحدة، فالأسر الحاكمة في الرياض والدرعية تنتمي إلى قبيلة بني حنيفة من بكر بن وائل بن ربيعة العدنانية وهم حكام وسط الجزيرة العربية (نجد) منذ ما قبل الإسلام حتى اليوم، فقد قدم جد الأسرة السعودية الأمير مانع المريدي من الأحساء وكان والده أو جده قبل ذلك في حجر اليمامة (الرياض) إلا أن الظروف أدت إلى نزوحهم من الرياض إلى الأحساء في ظرف تاريخي لم يكشف سببه، والاحتمال العام أنه لأسباب أمنية واقتصادية في المقام الأول. فقد كانت الصلات قائمة بين ابن درع في الرياض ويرجح أنه الأمير عبد المحسن بن سعيد الدرعي الحنفي بالتواصل مع الأمير مانع المريدي، ولم ينقطع هذا التواصل مما يدل على الصلة الزمانية والمكانية بينهم. أقطع أمير حجر اليمامة (الرياض) ابن عمه موضع «الضيق» و«غبيراء» شمال الرياض ثم عُرف هذا الموقع بـ«المليبيد» و«غصيبة» ثم عرفت بالدرعية عام 850هـ - 1446م. وقد برز جد الأسرة السعودية الأمير إبراهيم بن موسي بن ربيعة بن مانع المريدي الذي تولى الحكم في الدرعية عام 981هـ -1573م، وتمكن من ضبط الأمن وتأمين طرق القوافل؛ مما جعله شخصية مميزة في المنطقة وحكمت سلالته من بعده. أقدم خريطة للدرعية رسمها القنصل الفرنسي في البصرة وبغداد جان باتيست لويس جاك روسو عام 1808م – 1223هـ - تدوين من دون رصد الوقائع > كمهتم وباحث في التاريخ وخصوصاً السعودي، كيف تقيّم الكتابات التاريخية عن وسط الجزيرة العربية؟ - وجد بعض المؤرخين والعلماء ممن دوّن أحداث المنطقة النجدية منذ القرن العاشر الهجري وإن كانت عبارة عن وقائع مختصرة عند تأسيس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ - 1727م، وظهر عدد من المؤرخين تفاوتت كتاباتهم ما بين مقتضب ومطول، مقتصراً على تدوين التاريخ الاجتماعي من دون الخوض في الوقائع التاريخية. فمثلاً نجد من دوّن نسب الأسرة السعودية وانتماءها القبلي بشكل خاص، وذلك في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وقبل استشهاده عام 1218هـ - 1803م، وربما أن المدون لها الشيخ راشد بن خنين أو الشيخ محمد بن سلوم، وقمت بنشر هذه الورقات للمرة الأولى ضمن كتاب «قوافل الحج المارة بالعارض». - ابن غنّام أرّخ للشيخ وتجاهل المؤسس > هل يمكن القول بأن ابن غنام هو أول من دوّن أحداث ووقائع الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام محمد بن سعود، وما هي أبرز الملاحظات على كتاباته ومخطوطاته التي أشرتم إليها، وما هي أبرز الملاحظات على تدوينه خاصة أنكم نشرتم وتتبعتم مخطوطاته التي ذكرتم أنها بلغت سبعاً وعشرين نسخة خطية؟ - نعم، هو أقدم كتاب وصلنا حتى اليوم عن بعض الحوادث التي وقعت في تلك الفترة وإن كان هذا الكتاب اهتم بتدوين تاريخ الداعية الشيخ محمد بن عبد الوهاب وليس كتاريخ دولة. والهدف من جمع النسخ هو التتبع التاريخي لأحداث الدولة السعودية الأولى وهل وصلتنا النسخة كاملة أو كان بعضها مفقوداً! كذلك محاولة تتبع مصادر ابن غنام نفسه كونه عند تأسيس الدولة أو بوصول الداعية محمد بن عبد الوهاب للدرعية، فإن ابن غنام لم يكن مولوداً أو أن عمره يقارب ثلاث سنوات، فمن أين حصل على تلك المعلومات والأحداث، وكيف قام بصياغتها وتحريرها بعد مرور أكثر من نصف قرن على وقوعها! وهل كتب تاريخه بإنصاف أم دخله المجاملة والمبالغة كونه كان طالباً لدى الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟ فقد سعى لجمع رسائل الشيخ وما يخصه وتجنّب ذكر رسائل الإمام محمد بن سعود ومخاطبته للأمراء والبلدان فلم يقدّم القدر الكافي من المعلومات على عكس المعلومات التي ساقها لشيخه. فابن غنام كتب كتابه في الأصل للشيخ محمد بن عبد الوهاب وتتبع رسائله وجهوده، لكنه لم يكتب تاريخ الدولة وقادتها وجهودهم في عملية التأسيس ونشر الأمن الذي كان المنطلق الأساسي لقيام الدولة، فالدين الإسلامي والشرائع والعبادات والمظاهر الدينية قائمة وموجودة قبل الداعية محمد بن عبد الوهاب ولم تُفقد أو تغيب عن المشهد في المجتمع، إضافة إلى وجود علماء الدين والفقهاء ورواة الحديث بالمئات في نجد منذ القرن العاشر الهجري وجميعهم على المذهب الحنبلي المتمسك بالكتاب والسنة. كتاب ابن غنام المسمى «روضة الأفكار» وهو أقدم ما وصلنا وتلقفه البعض بالتبجيل والمجاملة وأُدخلت فيه بعض الزيادات، منها ما هو منسوب له أو لغيره، حتى أن هناك بعض الرسائل كُتبت على لسان بعض الأئمة وهي ليست لهم، إنما كانت العادة أن من يكتب هذه الرسائل بعض طلاب العلم والوعاظ ويرسلون هذه النصائح الدينية باسم الإمام أو يدخل فيها اجتهادات معينة غير دقيقة، فقد كان كثير منهم مشغولين بتوحيد أجزاء كبيرة من البلاد لأشهر عدة وربما لسنوات، وقد استمرت هذه العادة، أي كتابة رسائل النصيحة - جارية منذ الدولة السعودية الأولى حتى عهد ثاني ملوك الدولة السعودية الثالثة الملك سعود بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل. - لا دوافع دينية لقيام الدولة > ركزتم في طروحاتكم على البعد الأمني في قيام الدولة السعودية الأولى، واعتبرتم أن المرتكز الأساسي في ذلك هو تحقيق الأمن والعدل، وإقامة دولة مركزية حضارية موحدة في الجزيرة العربية ولم يكن للدين أي بُعد في ذلك، هل من إيضاح؟ - المجتمع في نجد متدين منذ دخول الرسالة المحمدية وبعد حروب الردة عاد الإسلام واستقرت الأحوال وأصبحت الشريعة هي المطبقة لدى المجتمع وأركان الإسلام قائمة في جميع أحوالهم وما ظهر من وثائق ومخطوطات بأن الأفراد وعموم المجتمع مسلمون بالفطرة وهذا ما نسلمه، لكن حسين بن غنام حاول أن يعلي من مقدار الداعية الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد تأسيس الدولة وبعد لقائه مع الإمام محمد بن سعود فكتب تاريخه بعد أكثر من خمسين سنة مع أن ابن غنام لم يدرك تأسيس الدولة ولا وقت لجوء الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى أمير الدرعية، وحقيقة الأمر فإن بروز الصراع الذي تم بين الإمام محمد بن سعود وأمير الرياض دهام بن دواس آل شعلان هو صراع سياسيي تم قبل قدوم الداعية محمد بن عبد الوهاب للدرعية بسنوات عدة والإمام محمد له فضل على دهام بن دواس والذي ساعده لتولي السلطة في الرياض عام 1152هـ - 1740م تقريباً، إلا أن دهام بن دواس قلب ظهر المجن للإمام محمد بن سعود عندما رغب في مهاجمة البلدة الملاصقة للرياض وهي منفوحة كون دهام أصله منها إلا أنه تم طرده من قبل أبناء عمه إلى الرياض، ومثّلَ اعتداء دهام على منفوحة خطراً على الدرعية ونقضاً للميثاق بين الدرعية ومنفوحة فهاجم الإمام محمد بن سعود قصر الحكم في الرياض رداً على هجوم دهام لحلفائه وبالتالي بدأت الحروب والغزوات بين البلدتين المهمتين منذ عام 1159هـ - 1746م وذلك لمدة ثمانية وعشرين عاماً، وحاول خلالها الإمام محمد أن يمد نفوذه إلى الرياض ويوسّع من دائرة حكمه للمنطقة ويدخلها تحت حكم واحد ويبدأ عملية التأسيس للدولة. ولعلَّ من المعيب زعم بعض المؤرخين أن سبب هذه الحروب هو وجود شجرة أو قبر كان يعبد في الرياض أو غيرها! فالرياض وغيرها لا يوجد فيها شيء من هذه المخالفات إطلاقاً، وإن وجد فهو استثناء قد يمارسه فرد أو عدد محدود ولا تصل إلى الظاهرة أو الانتشار، وحتى ابن غنام نفسه عندما يتحدث عن سنوات هذه الحروب لا يذكر أن سببها وجود قبر أو صنم، فقُزّمت المسألة في ذلك للأسف الشديد لإعطاء قدسية لبعض رجال الدين وصناعة هالة التمجيد الشخصي لهم، ورغم هذه الهالة فإن بعض رجال الدين لم يشارك في الحروب ولم يرفع سيفاً في هذه الحرب، على عكس الإمام محمد بن سعود الذي سعى بنفسه بقيادة الجيوش والبدء بأسرته آل سعود وأبنائه ولهذا استشهد عدد من أبنائه في هذه العملية التوحيدية مثل الأميرين سعود وفيصل ابنَي محمد بن سعود في حربه مع أمير الرياض. وتؤكد مراسلات بعض الأئمة من آل سعود، أن قيام دولتهم حدث بسبب حرصهم الأول على حفظ الأمن ونشره في مختلف أرجاء البلاد وهو ما يسمى في زمنه (الأمنية) كما في خطابات الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود ونص خطابه إلى والي العراق بقوله «وأما الأمنية فهي التي لا نزال نقاتل الناس عليها حتى جعلنا الأرض كلها لله وجميع المسلمين مشتركون فيها، وصار الذئب لا يقدر يضر الشاة في أحكامنا». ويؤكد الإمام سعود لوالي بغداد العراق علي باشا الكتخدا، أنه متعهد بتحقيق الأمن للحجاج بقوله «ألا تتعرض للحجاج الذين يأتون إليك من طرف العراق مع الأمنية العمومية في جميع الطرق «وتحضرني رسالة من سلطان المغرب المولى سليمان بن محمد العلوي إلى الإمام عبد الله بن سعود آخر ائمة الدولة السعودية الثانية، حيث أرسل له رسالة مفادها الشكر لله، ثم شكر الإمام على تأمين الطرق والسبل وتأديب القطاع والنهاب فقال «من ملكه الله أزمة العرب، وقيادها فأحسن سياستها وأصلح سيرتها ومهد بلادها ويسر على يديه حسنة أمن السابلة من القطاع والنهاب،،، وحصل في الدواوين أفضل جزاء وحسن مآل»... وهناك غير هذه النصوص التي تجمع أن هدف قيام الدولة على يد آل سعود إنما لباعث أمني، فالأئمة لم يتعرضوا لتغير معتقدات الناس فنجد مثلاً القطيف أو في نجران بعض المذاهب الشيعية، ومع ذلك لم يلزمهم الأئمة من آل سعود باتباع مذهبهم. وهذه النظرة تؤكد أن عموم المجتمع متأصل في تدينه وليس بحادث عرضي فالمجتمع والأسرة المالكة وأهل البلدان متدينون ويحكّمون الشريعة في جميع تعاملاتهم بل ويقودون القوافل لحماية الحجاج إلى الأماكن المقدسة مثل قيام جد الأسرة السعودية الأمير إبراهيم بن موسي بن ربيعة بن مانع المريدي بذلك كما في أقدم وثيقة للأسرة السعودية عام 981هـ - 1573م، وكذلك قيادة أميري الدرعية وهما مقرن وربيعة ابنا مرخان بن إبراهيم بن موسي بن ربيعة وحجهم في عام 1039هـ - 1630م، وقس على ذلك كثيراً من خلال بعض الأحداث والقصائد والأوراق والوثائق الشرعية المحكمة للكتاب والسنة. مخطوطة تاريخية عن نسب الأسرة السعودية إلى بني حنيفة - امتداد في كل اتجاه > ما هو أقصى اتساع للدولة السعودية الأولى، وماذا ترتب على ذلك؟ - توسعت الدولة من جنوب حوران في الشام وجنوباً إلى شمال الحديدة ومن الغرب البحر الأحمر ومن الشرق الخليج العربي، وخصوصاً في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز الأول (الملقب بالكبير) وترتب على هذا التوسع ازدياد الموارد الاقتصادية وصاحبته القوة في تأمين الطرق والبلدان وساد العدل ولكون هذه المنافذ البحرية مهمة بالنسبة للموارد الاقتصادية والتجارية فكان القلق الدولي وخصوصاً البريطانيين، فلا يسمحون للعرب بنهضة أو سيطرة أو تجارة على هذه المنافذ فحدث بعض الاحتكاك، وساندت بريطانيا العثمانيين رغم خلافاتهم إلا أنهم رأوا في إبعاد السعوديين عن البحار مصدر سعادة وارتياح، وأن إبعاد السعوديين عن مصادر تلك المنافذ الاقتصادية تصب في صالح بريطانيا. - إصلاحات شملت كل شيء > ما أهم الإصلاحات في فترة الدولة السعودية الأولى وخصوصاً في عهد الإمام سعود الأول؟ - شملت الإصلاحات عدداً من النواحي العمرانية والعسكرية والعلمية، فتوسعت الدرعية وغيرها من البلدان وفي الشأن الاجتماعي زادت الأموال والمصروفات الخاصة للفقراء والأيتام والمحتاجين وغيرهم، واعتنى الإمام سعود بتطوير الجيش وإدخال فرق خاصة فيه تسمى «المنقية»، وهم فئة من المحاربين الذين ينتقون للأعمال العسكرية الخاصة وكان عددهم يقارب ثلاثمائة، بالإضافة إلى اختياره الفرسان من الحاضرة أو البادية وإسكانهم الدرعية مع الصرف على أهاليهم، وسعى للحصول على الأسلحة فبلغت المدافع قرابة الستين مدفعاً، كما كان للجيش ميزانية ضمن الدخل السنوي الذي بلغ قرابة المليوني ريال وحرص الدولة في عهده على العناية ببيت المال أو وزارة المالية في عهدنا ووضع لها فرقاً خاصة، منها أكثر من سبعين فريقاً وكل فريق يتكون من سبعة أشخاص وكل له مسؤولياته. وبالنسبة للتوسع العلمي، فقد كثرت الكتاتيب والمدارس والحلقات العلمية وكثرت المخطوطات وتداولها وظهور أسماء نسّاخ بارزين مما زاد من وجود المكتبات الخاصة، وتميز الإمام سعود بأنه عد من أبرز القادة والذي جمع صفات الشجاعة والكرم والعلم والفصاحة والخطابة فقد كان يتم في قصر سلوى الحلقات والندوات التي يعلق عليها الإمام سعود، ومن الإصلاحات التي سعى إليها ضبط عملية الفتوى الدينية ومحاسبة بعض طلاب العلم والدعاة والحد من تجاوزاتهم ومحاسبتهم عند وقوع الخطأ. - تغير اجتماعي غير مسبوق > كيف تقرأ مستوى التغير الاجتماعي في مسار الدولة السعودية حتى اليوم؟ - لا شك حدث تحول مهم، وملامح ذلك التغير هو التداخل الاجتماعي بين البادية والحاضرة بشكل بارز خلال تلك المرحلة، وزادت الهجرات أي الانتقال من مكان إلى آخر بسبب الوفرة الاقتصادية والتحسن المعيشي نتيجة الأمن الذي ضربت أطنابه أرجاء الجزيرة العربية، كذلك برزت ظاهرة مهمة في التركيبات الاجتماعية للأقاليم والمناطق فقد زاد التداخل النسبي والتصاهر الأسري بين القبيلة ومنافستها الأخرى، وبالمثل بين البلدان المختلفة والعكس حتى اكتملت في أزمنتنا الحاضرة فأصبح المواطن في وسط المنطقة في نجد يتداخل أسرياً مع أسرة في المنطقة الجنوبية، والذي في شرق الجزيرة متداخل ومتصاهر مع الأفراد من غرب بلادنا فهذا لم يكن ليحدث مثل هذا منذ ألف سنة مضت ويعود ذلك بسبب ظل الدولة والأمن ولله الحمد. - الهوية السعودية تشكّلت مع فجر التأسيس > هل تشكلت الهوية السعودية مبكراً منذ تأسيس الدولة 1727م؟ - الهوية في مفهومها العام هي مجموعة خصائص وأنظمة وقيم وسمات تترجم روح الانتماء لدى الأفراد والمجتمع فيتميز بها، وهذه مرتبطة ومستقاة من واقع التكوين الاجتماعي والديني في المنطقة عموماً، لكن كيف تتم صياغتها حسب اللحمة الواحدة والمكان الواحد والمصير! هنا تم تحقيقها بوجود دولة مرتبطة بحياة الناس وأمنهم، يرأسها آل سعود، وعبر بعض المؤرخين بألفاظ مبسطة لهذه الهوية في الكتابات المحلية الأولى كالمسلمين ويعنون اجتماع البلد الواحد، وقد تعبر عند بعض القبائل بلفظ الطاعة وسلامة الحاكم والإمام، بينما نجد أقدم من دوّن عن الدولة السعودية بتوسع هو بوركهارت، فنص في إشاراته العامة لابن سعود وأنه «عائلة ابن سعود، المؤسس السياسي للدولة السعودية الأولى» أو لفظ السعوديين في كتابات دومنجو باديا الإسباني عام 1221هـ -1807م، ونجد تعريف الهوية مخلوطاً بلفظ كلمة الوهابيين أو الشيخ الوهابي وإطلاقهم لذلك هو بسبب تأثر هؤلاء الغربيين بعملية الإصلاح الديني التي جرت في أوروبا ونسبة المذاهب المتأخرة لديها من المذهب البروتستانتي والمذهب اللوثري وهو رائد الإصلاح الديني في أوروبا خلال القرن السادس عشر الميلادي. ووجدت هناك كتابات وتدوينات بلفظ «السعوديين» كانتماء لدولة واحدة وبدأ يسري ذلك في النطاقين المحلي والإقليمي حتى وجدنا بعض الكتابات تسمي «الطائفة السعوديين» أو «السعوديون» وهذا في الدولة السعودية الأولى وقبل أن يتممها الملك عبد العزيز بالتسمية العامة «المملكة العربية السعودية» عام 1351هـ - 1932م. - يوم التأسيس فتح آفاقاً لقراءة الواقع > شكّل مرسوم التأسيس الذي أقرّه العام الماضي الملك سلمان بن عبد العزيز، بتخصيص 22 فبراير (شباط) من كل عام «يوماً للتأسيس» مرحلة مهمة في التاريخ السعودي، كيف يمكن قراءة ذلك كمؤرخ ولك عناية بالتاريخ؟ - إن بناء الفكرة على ضوء مقتضيات الحاضر وآمال المستقبل تلزم فهم الروابط التي توقظ الأفراد والشعوب لإدراك ماضيهم وتأثرهم به؛ فالحاجة إلى الوعي التاريخي من المتطلبات العامة عند الأمم فهي تتضمن فهم الماضي والتطلع في استكشافه واستجلاء المعاني الموصلة لفهمه وإدراكه في الواقع الحاضر، والمراحل المقبلة لتاريخنا السعودي تتطلب من مؤرخينا الفكر الصحيح الصريح بعمق المسؤولية، وتلمس الأسئلة المهمة التي تثيرها علاقتنا بماضينا، وتاريخ الدولة السعودية بمراحله كافة ولا سيما المرحلة الأولى منه مهم في بابه؛ كونه يشكل انطلاق جذوره وكيف تكونت مفاهيمه، والفرد السعودي الذي يعيش الحياة الحاضرة لا يمكنه أن يشيح بوجهه عن الماضي؛ ولهذا فإن المعالجة الصحيحة للقضايا التاريخية يجب أن تستند إلى معرفة تاريخية شاملة المدى، بعيدة الغور وتلمس عناصر القوة والجذور التي ارتبطت بها حتى الوصول إلى مرحلتها الحاضرة، وفي ظني أنه خلال العقود المقبلة ستتشكل آفاق جديدة لقراءة التاريخ السعودي مع فهم سرديته وفتح أبواب جديدة فيه وتسليط الضوء على حقبة التاريخية المجهولة وجميع ذلك بدعم القيادة وهمة الباحثين.
مشاركة :