تحتفل المملكة العربية السعودية بذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود، الذي وحد الصف، وجمع الكلمة، وأرسى قيم العدل، ونبذ الفرقة، وحقق الأمن والاستقرار، بعد صراعات سياسية وعسكرية غاب فيها الأمن والأمان لقوافل التجار والحجاج، وتأثرت الحياة الاقتصادية والأمنية بمناطق الحج (مكة المكرمة، جدة، المدينة المنورة).والحديث عن ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى يأخذنا للحديث عن حكمها في مكة المكرمة، فبعد ضم الطائف للدولة السعودية الأولى وتعيين المضايفي أميرا عليها، عاشت مكة المكرمة حالة من القلق، فدخول الجيش السعودي لها سيؤثر على الحجاج، وبعد أن قضى الحجاج مناسكهم دخل الأمير سعود بن عبدالعزيز وجيشه مكة معتمرا يوم السبت الثامن من محرم (1218هـ/1803م)، بعد أن غادر الشريف غالب إلى جدة، لتدخل مكة المكرمة بعدها تحت حكم الدولة السعودية الأولى، وقد أعطى الأمير سعود بن عبدالعزيز الأمان لأهل مكة وجاء في رسالته الموجهة لكافة أهل مكة والأغوات والعلماء وقاضي السلطان ما يلي:«السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فأنتم جيران الله وسكان حرمه، آمنون بأمنه، إنما ندعوكم لدين الله ورسوله (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)، فأنتم في وجه الله ووجه أمير المسلمين سعود بن عبدالعزيز، وأميركم عبدالمعين بن مساعد، فاسمعوا له وأطيعوا ما أطاع الله والسلام»، ومثلت هذه الرسالة الضمان لأمن سكان مكة المكرمة وحجاج بيت الله الحرام.وقام الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود ببعض الأمور التي تتفق مع الشرع الحنيف من تأمين الناس على أرواحهم وأموالهم وإلغاء الضرائب بغير وجه حق وإزالة الأعمال الشركية وهدم القباب، ويذكر الريحاني - في كتابه تاريخ نجد الحديث - أن الإمام سعود حينما دخل مكة المكرمة كتب كتابا إلى السلطان سليم الثالث هذا نصه (من سعود إلى سليم.. أما بعد: فقد دخلت مكة في الرابع من المحرم سنة 1218هـ وأمنت أهلها على أرواحهم وأموالهم بعد أن هدمت ما هناك من أشباه الوثنية وألغيت الضرائب إلا ما كان حقا، وثبت القاضي الذي وليته أنت طبقا للشرع، فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجيء بالمحمل والطبول والزمور إلى هذا البلد المقدس، فإن ذلك ليس من الدين في شيء، وعليك رحمة الله وبركاته).ومكث سعود بن عبد العزيز بمكة المكرمة نحو أسبوعين، وضع خلالها عددا من الإجراءات، وغادر مكة المكرمة يوم 22 محرم 1218هـ، بعد أن وضع حامية صغيرة بقيادة فهاد بن سالم للمرابطة بمكة المكرمة، وانتهى حكم الدولة السعودية الأولى في مكة المكرمة أواخر شهر ربيع الأول 1218هـ/1803م.ولم يدم الاستقرار طويلا في مكة المكرمة فشهدت العامين 1219 - 1220هـ نزاعا بين الشريف وآل سعود، وفي أواخر عام 1220هـ وضع السعوديون جيشا يضم نحو ثلاثين ألف مقاتل أحكموا حصارهم على مكة المكرمة التي أصبحت تحت حكم الدولة السعودية الأولى للفترة الثانية التي بلغت سبع سنوات وامتدت ما بين سنة 1221هـ/1806م حتى سنة 1227هـ/1812م.ووصف المؤرخ والأديب ابن بشر حجة الإمام سعود رحمه الله بقوله (حججت تلك السنة -يقصد سنة 1225هـ- وشهدت سعودا وهو راكب مطيته محرما بالحج ونحن مجتمعون في نمرة لصلاة الظهر وخطب فوق ظهر مطيته خطبة بليغة ووعظ الناس وعلمهم المناسك وذكرهم ما أنعم الله عليهم به من الاعتصام بكلمة لا إله إلا الله.. ونادى وهو على ظهرها ألا يحمل في مكة السلاح.. ودخل مكة وسار فيها سيرة حسنة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدقات والعطاء والرأفة بأهلها).كما وصف «علي بك العباسي» - وهو رحالة وجاسوس ومستشرق إسباني، اسمه الحقيقي دومينغو فرانثيسكو - الإمام سعود ورجاله بقوله «لديهم خصال حميدة ولا يسرقون قط لا عن طريق قوة ولا عن طريق حيلة.. وهم يؤدون أثمان كل ما يشترونه وأجور الخدمات التي تقدم لهم».ومن مآثر الدولة السعودية الأولى في مكة المكرمة توحيد الصلاة خلف إمام واحد، وقد أعجب الشيخ أحمد بن عبدالقادر الحفظي بهذه الخطوة فأنشد في قصيدته قائلا:ويا سعد من أضحى سعود إمامهفذلك ظل الله في الأرض سارياوطهر بيت الله من كل مشركوللكعبة البيت لا حرام كاسياوعلى الصلاة الخمس جمعا واحداوأصبح شيطان التفرق خاسيا
مشاركة :