نابلس (الضفة الغربية) - في استنساخ لسيناريو مجزرة جنين في 26 يناير/كانون الثاني، قتلت القوات الإسرائيلية اليوم الثلاثاء 10 فلسطينيين في اقتحام مدينة نابلس إحدى مدن الضفة الغربية التي تسلل لها التوتر على وقع تصعيد إسرائيلي جديد لا يخرج عن سياقات توسيع الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، من غزة إلى الضفة. وقال شهود ومسؤولون طبيون إن من بين القتلى مسلحين على الأقل وثلاثة مدنيين، بينما أصيب أكثر من 90 آخرين خلال اشتباك اندلع في مدينة تشهد أعمال عنف بالضفة الغربية. وأكد الجيش الإسرائيلي أنه ينفذ عملية في نابلس، لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل حتى الآن، فيما قالت حركة الجهاد الإسلامي إن القوات الإسرائيلية حاصرت اثنين من قادتها بمنزل في نابلس وإن مسلحين آخرين انضموا إلى القتال. ودوت انفجارات بينما رشق شبان محليون مركبات مدرعة لنقل القوات الإسرائيلية بالحجارة. وذكرت مصادر فلسطينية أن القائدين التابعين لحركة الجهاد لقيا حتفهما في الاشتباك إلى جانب مسلح آخر. ومن بين القتلى أيضا ثلاثة مدنيين على الأقل، أحدهم رجل عمره 72 عاما إلى جانب صبي عمره 14 عاما، بينما ذكر مسؤولون طبيون أن نحو 97 فلسطينيا أصيبوا، بينهم ستة في حالة حرجة. وتشهد مدينتا نابلس وجنين القريبة منها مداهمات متكررة كثفتها إسرائيل على مدار العام الماضي في أعقاب موجة من الهجمات التي شنها فلسطينيون في مدنها وأسفرت عن سقوط قتلى. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 57 فلسطينيا على الأقل، بينهم مسلحون ومدنيون، قُتلوا منذ بداية العام الجاري. وأفادت وزارة الخارجية الإسرائيلية بمقتل عشرة إسرائيليين وسائحة أوكرانية في هجمات فلسطينية. وندد نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس "بالجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في نابلس"، مؤكدا على أهمية المطلب الخاص بضرورة "تحرك المجتمع الدولي فورا لوقف الجرائم الإسرائيلية بحق شعبنا". وألمحت حركة المقاومة الفلسطينية 'حماس' التي تقاتل أحيانا إلى جانب حركة الجهاد، إلى إمكانية شن رد من داخل قطاع غزة الذي تسيطر عليه. وكتب أبوعبيدة الناطق باسم الذراع العسكري لحركة حماس على تيليغرام "المقاومة في غزة تراقب جرائم العدو المتصاعدة تجاه أهلنا في الضفة المحتلة وصبرها آخذ بالنفاد". ويأتي التصعيد العسكري الإسرائيلي على وقع تنامي هجمات فلسطينية في القدس، حيث قُتل شخصان أحدهما طفل في الثاني من فبراير/شباط الحالي، بينما أصيب عدد آخر من الإسرائيليين في عملية دهس بسيارة على مشارف مدينة القدس، جاءت حينها في خضم بالمنطقة. وسبق تلك العملية، هجمات أخرى كانت أثقلها تلك التي قتل فيها فلسطيني 7 إسرائيليين في هجوم مسلح استهدف كنيسا على مشارف القدس. وقبل نحو ثلاثة أسابيع حذر مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي أي إيه" ويليام بيرنز من اندلاع انتفاضة ثالثة في الأراضي الفلسطينية، مشبها التوترات الحالية بتلك التي سادت قبل الانتفاضة الثانية عام 2000، وسط غياب أي مؤشرات على التهدئة رغم الدعوات الدولية التي أطلقت في الشأن. وتزداد المخاوف من اتجاه الأوضاع إلى الأسوأ في ظل سعي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية إلى التصعيد استنادا إلى أنها تضم وزراء متطرفين على غرار رئيس حركة القوة اليهودية ووزير الأمن الداخلي ايتمار بن غفير. وقال الدبلوماسي الأميركي المخضرم "كنت دبلوماسيا أميركيا كبيرا قبل 20 عاما أثناء الانتفاضة الثانية وأشعر مثل زملائي في مجتمع الاستخبارات بالقلق من أن الكثير مما نراه اليوم له تشابه غير سعيد للغاية مع بعض التوترات رأيناها في ذلك الوقت أيضا". جنين (الضفة الغربية) - سلطت عملية عسكرية واسعة نفذها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين بالضفة الغربية، الضوء على انتقال تركيز الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة على الضفة، وهو سيناريو كان متوقعا على نطاق واسع منذ التزام حركة حماس الصمت كلما تعرضت حركة الجهاد في القطاع لهجمات إسرائيلية دقيقة. وقال شهود ومسعفون إن القوات الخاصة الإسرائيلية قتلت تسعة فلسطينيين بينهم امرأة مُسنة وأصابت 12 آخرين خلال اشتباكات مع مسلحين اليوم الخميس في بلدة تشهد قلاقل بالضفة الغربية المحتلة. وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن القتلى في جنين هم سيدة مُسنة وثمانية رجال. ولم تتوفر على الفور تفاصيل أخرى بشأن هوياتهم. ووفقا للوزارة، قُتل 29 فلسطينيا على الأقل، من بينهم مسلحون ومدنيون، على أيدي القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية منذ بداية العام. وقال الجيش الإسرائيلي إنه أرسل قوات خاصة إلى جنين لاعتقال أعضاء من حركة الجهاد الإسلامي المسلحة المشتبه في تنفيذها "عدة هجمات كبرى" والتخطيط لها وأطلقت الرصاص على العديد منهم بعد أن فتحوا النار. وأكدت حركة الجهاد الإسلامي أن مسلحين تابعين لها خاضوا اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في أثناء اقتحامها مخيم جنين للاجئين، وهو معقل لنشطاء تندر فيه مثل هذه المداهمات المتوغلة كثيرا في عمقه. وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن رجالها أيضا شاركوا في الاشتباكات، في إعلان يؤكد كذلك رغبة الحركة في انتقال المواجهات مع الجيش الإسرائيلي إلى الضفة الغربية حيث مقر السلطة الفلسطينية في رام الله وأين تتواجد حركة فتح التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وحصيلة القتلى هي الأعلى في جنين منذ سنوات ودفعت حركة الجهاد الإسلامي إلى التحذير من أن الهدنة التي أبرمتها مع إسرائيل، بعد تبادل قصير لإطلاق النار عبر حدود قطاع غزة العام الماضي، قد تكون في خطر. وقال مسؤول في الجهاد الإسلامي إنهم تواصلوا مع وسطاء وأبلغوهم أن ما يحدث في جنين هو حرب إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وأن الأمر لن يتوقف عند جنين محذرا من أن استمرار العنف قد يؤدي إلى تصعيد في أماكن أخرى. وعند مداخل أزقة المخيم الضيقة، ألقى شبان الحجارة على مركبات للجيش الإسرائيلي. ودوت أصوات إطلاق نار وانفجارات بين الحين والآخر عندما فجر مسلحون قنابل بدائية. وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية وانقشاع الدخان والغاز المسيل للدموع، تدفق سكان المخيم، الذين احتموا من الاشتباكات، للتحقق من الإصابات. ولحقت أضرار جسيمة بمبنى من طابقين كان محور القتال. ولم يسقط قتلى في صفوف القوات الإسرائيلية. وذكر بيان الجيش أن فلسطينيا واحدا على الأقل اعتُقل خلال المداهمة. وجنين من مناطق شمال الضفة التي كثفت فيها إسرائيل مداهماتها على مدى العام الماضي بعدما شن مسلحون هجمات شوارع في مدن إسرائيلية. وخيم العنف أكثر على محادثات متوقفة ترعاها واشنطن تهدف لإقامة دولة للفلسطينيين. وأدى الجمود أيضا إلى تزايد الدعم الفلسطيني لحركتي حماس والجهاد الإسلامي. ومنذ فوز أحزاب اليمين الديني المتطرف في الانتخابات الأخيرة وعودة بنيامين نتنياهو للسلطة وإحاطة نفسه بائتلافات متشددة يتقدمها حزب الصهيونية الدينية و'عوتسما يهوديت' (العظمة اليهودية أو القوة يهودية)، تسود مخاوف من تصعيد عسكري إسرائيلي خطير قد يفجر موجة عنف وعنف مضاد متنقلا بين القدس وأحيائها إلى مدن الضفة وقراها. وتدفع هذه الأحزاب إلى تغيير قواعد الاشتباك مع الفلسطينيين ويركز ايتمار بن غفير زعيم القوة اليهودية والذي تولى منصب وزير الأمن القومي في حكومة نتيناهو، على دعم الاستيطان في الضفة وتصعيد المواجهة مع الفصائل الفلسطينية وتضييق الخناق على العرب داخل إسرائيل. وإلى حدّ الآن تبدو المؤشرات على نشوب حرب ضعيفة، لكن ثمة بوادر على استدعاء الحرب وسط تصعيد إسرائيلي وتهديدات فلسطينية بالرد.
مشاركة :