أتصور أن مكتب الميزانية في الكونجرس يبالغ في تقديراته بشأن احتمالات نمو الاقتصاد الأمريكي، في ظل تواصل اتجاه نمو الإنتاجية نحو الانخفاض، مع إمكانية تمادي هذا الاتجاه الهابط. لكن بالمثل ربما جاءت تقديرات المكتب للنمو المحتمل أقل من المفترض، إذا وضعنا في الحسبان أن الشركات لا تزال في مرحلة الشروع في الاستفادة من التقنيات الجديدة الآخذة في الظهور في كل مكان حولنا. لذا أرى أن الطريقة المثلى والأكثر حصافة للمضي قدما تتلخص في تبني تقدير مكتب الموازنة في الكونجرس مع الإقرار بالشكوك الهائلة المحيطة به. سيهبط مستوى التضخم في ظل التزام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفضه. وعليه، ستنخفض أيضا أسعار الفائدة الاسمية نظرا إلى وعي المستثمرين بجدية التزام الاحتياطي الفيدرالي. لكن تحديد أيهما سينخفض أسرع ـ بمعنى ما سيحدث لسعر الفائدة الحقيقي ـ يتوقف على التوازن بين الادخار والاستثمار. هنا أقول لك انظر إلى الأمر بهذه الطريقة، كلما زادت المدخرات المتاحة لتمويل مشاريع استثمارية منتجة، انخفضت معدلات العائد الحقيقية. على جانب المدخرات، نجد أن الماضي خير دليل إلى المستقبل، لأن تطور العوامل المحددة للمدخرات المتاحة للاقتصاد الأمريكي بطيء عبر الزمن. ويأتي على رأس تلك العوامل، متوسط العمر المتوقع ومدى انتشار الأعمار الطويلة بين السكان. فكلما شاع طول العمر وزادت مدخرات الأشخاص الآملين في قضاء مزيد من الأعوام في التقاعد، زادت احتمالية ارتفاع كل من المعروض من المدخرات والطلب على سندات الخزانة الأمريكية. لكن من العوامل التي تدفع في الاتجاه الآخر المعروض من المدخرات من الصين والأسواق الناشئة الأخرى، وهو ما سماه بن برنانكي رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق، "تخمة المدخرات العالمية". في ظل تباطؤ النمو في الصين، سيتراجع هذا المصدر للادخار. كما أن رغبة الصين والأسواق الناشئة الأخرى في الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية خصوصا ستتقلص، نظرا إلى تنامي التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وميل الحكومة الأمريكية الواضح إلى فرض عقوبات مالية على الحكومات التي لا تروق لها سياساتها. وأرجح أن تفضي تلك التغيرات المختلفة على جانب المعروض من المدخرات، التي تسير في اتجاهين معاكسين، إلى نوع من التوازن بصورة أو بأخرى. إذا سيكون التحرك المهم منصبا على جانب الاستثمار، حيث سيكون هناك ضغط سياسي وحافز اقتصادي كبير لضخ استثمارات إضافية في مجالات البنية التحتية، وتخفيف حدة تغير المناخ، وتقديم الرعاية الصحية، والتقنيات الرقمية الجديدة. وستفرض المنافسة من جانب متعهدي تلك الاستثمارات الإضافية على قدر محدود من المعروض من المدخرات، ضغوطا تدفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع، وهذا من شأنه أن يضعف القدرة على تحمل أعباء الديون. لكن تلك الاستثمارات ذاتها، إذا نفذت بذكاء، ستعزز النمو الاقتصادي، الأمر الذي سيسهل القدرة على تحمل أعباء الديون. إن هؤلاء الذين يتصورون أزمة وشيكة يثيرون لغطا كبيرا دون داع. ومن الأفضل أن يوفر واضعو السياسات في أمريكا طاقاتهم ـ ورأسمالهم السياسي ـ لخوض معارك حقيقة لا وهمية. خاص بـ«الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :