أثارت رسالة دكتوراه للباحث المصري سامح إيجيبتسون، على مدار الأيام الماضية، الكثير من اللغط داخل الدولة السويدية، لما طرحته للتوثيق في متن سطورها البحثية عن مشروع الإسلام السياسي، والاختراق الممنهج من قبل جماعة "الإخوان" للمؤسسات والمراكز الدينية والتعليمية في استوكهولم. احتدام الحديث عن الرسالة البحثية قبل مناقشتها، واشتعال المعارك الكلامية بشأن مضامينها التي تم تسريب جزء كبير منها، على صفحات الجرائد السويدية، وتزاحم الكثير من الباحثين والمتابعين للمشاركة في حضور وقائع المناقشة البحثية في جنبات قاعة "Lux"، أمور دفعت إدارة جامعة "Lund" إلى إغلاق أبوابها لدواعٍ أمنية، في ظل تخوفها من وقوع أعمال عنف أو صدام من قبل أتباع الإسلام الحركي، وفقاً لصحيفة "alkompis" السويدية. الرسالة البحثية التي تقع في 740 صفحة، وتمت الموافقة عليها الجمعة الماضي، من قبل جامعة "Lund"، بعد مناقشة زادت على 4 ساعات متواصلة، تعرضت لحالة من الترهيب المتعمد، لا سيما في ظل توثيقها للعلاقة السرية والقائمة بين جماعة "الإخوان المسلمين"، وبين "اتحاد الجمعيات الإسلامية" (IFiS)، ويضم 33 جمعية و"اتحاد مسلمي السويد" (SMF)، ويضم 23 جمعية، و"منظمة الشباب المسلم" (SUM)، وتضم 45 جمعية إسلامية. عدد المؤسسات الإخوانية التي تضمنتها الرسالة البحثية، شملت كذلك "هيئة الإغاثة الإسلامية"، و"جمعية ابن رشد التعليمية"، و"مكتب الإعلام الإسلامي"، و"المركز الإسلامي" الذي وصفته بأنه مقر النشاط السري للتنظيم الدولي لـ"الإخوان"، و"المنتدى الإسلامي السياسي"، و"التجمع الإسلامي السياسي"، و"المجلس الإسلامي السويدي"، و"الكشافة الإسلامية السويدية"، و"جمعية الهلال الجديد الثقافية"، و"جمعية المرأة المسلمة"، و"اتحاد الطلبة المسلمين السويديين" ("الخوارزمي")، و"رابطة المدارس الإسلامية". اعتبرت الرسالة البحثية، أن عدداً من العناصر الأصولية اخترقوا الأحزاب السياسية والمدارس واتحادات الطلاب السويدية، ونجحوا في أن يصبحوا "ممثلين للمسلمين"، رغم أنهم في الحقيقة لا يمثلون سوى "الإخوان المسلمين"، وفقاً لاعترافاتهم الصريحة بانتمائهم لجماعة "الإخوان". لم تقف اتهامات الرسالة البحثية عند حدود جماعة "الإخوان" ومؤسساتها ورموزها، لكنها وجهت انتقادات لاذعة للعديد من الأحزاب السياسية، والمؤسسات الرسمية السويدية، مثل "مجلس التعليم السويدي"، و"الوكالة السويدية للشباب والمجتمع المدني"، و"هيئة التنمية السويدية" (sida)، و"هيئة دعم الطوائف الدينية"، لأنها قدمت دعماً بعشرات الملايين على مدار السنوات الماضية، لجمعيات ومدارس ومؤسسات تابعة أو خاضعة لـ"الرابطة الإسلامية" الموالية لجماعة "الإخوان". أشرف على الرسالة البحثية، ميكا فاكانغاس (Mika Vähäkangas)، أستاذ الدراسات الإرسالية وعلم الاقتصاد، والمدير الحالي للأبحاث في "أوبو أكاديمي" بفنلندا، وتمت المناقشة بمشاركة كل من توركل ليندكويست، وبول كاتسيفيليس، وصوت تورستن جانسون. حضر المناقشة من الخارج، ماغنوس رانستورب الباحث في شؤون مكافحة الإرهاب، والسياسية آن صوفي هيرمانسون، عمدة مدينة غوتنبرغ السابقة، ومؤرخ الأيديولوجيات أندرياس أونيرفورز، والإمام سعيد عزام رئيس مجلس الإفتاء السويدي، والشيخ محمود الخلفي، إمام المركز الإسلامي في استوكهولم. منحت لجنة المناقشة، عدداً من الشخصيات الواردة أسماؤهم في مضمون الرسالة البحثية، فرصة الدفاع عن أنفسهم في كلمة مختصرة، لا سيما العناصر المحسوبة على جماعة "الإخوان"، لتفنيد مزاعم الباحث المصري، حول علاقتهم بمشروع الإسلام السياسي، وارتباطهم بتوجهات التنظيم الدولي، معتبرين أن الباحث وقع في أخطاء تاريخية وواقعية، وهو بعيد من حقائق ومتغيرات عديدة طرأت على "الإخوان المسلمين" كمفهوم، أكثر من كونه "تنظيماً واحداً"، وله فروع وبرامج محددة. تحفظت الرسالة البحثية على منطلقات الأجهزة الأمنية السويدية (Säpo)، في تعاملها مع المشروع الفكري والسياسي لجماعة "الإخوان"، من كون الحركة تعمل في العالم الغربي، وفق استراتيجية "الفصل والتحصين"، وتعني خلق مجتمعات موازية، وتحصينها ضد الاندماج، سعياً لتأسيس "خلافة عالمية قائمة على الشريعة"، تتعارض في مضمونها فقط مع الحريات والحقوق الأساسية السويدية، من دون التركيز على منهجيتها للتكفير والعنف والاقصاء، أو وصفها تنظيماً إرهابياً. توقع فاكانغاس، المشرف على الرسالة البحثية، تعرضها لعاصفة من الاتهامات قائلاً: "سأصبح حفّار قبر للحرية الأكاديمية، إذا تدخلت التوجيهات السياسية في منع العمل البحثي، ومستعد أن ينتهي الأمر في المحكمة، في ظل احتمالية رفع العديد من الدعاوى القضائية ضد الرسالة والقائمين عليها". ورغم أن جامعة "Lund" لم تضع مشروع الرسالة البحثية في نطاق المخالفة للمراجعة الفكرية، يُعد ميكا فاكانغاس مسؤولاً قانونياً بصفته مشرفاً على الرسالة، في ظل تفعيل قانون "المراجعة الأخلاقية"، منذ عام 2020، من قبل مجلس الاستئناف لمراجعة الأخلاقيات (Önep)، الذي يجبر أي باحث على خضوع رسالته الأكاديمية لمراقبة المعايير الأخلاقية والإنسانية والامتثال للقانون. ولد الباحث المصري سامح في القاهرة عام 1966، وينتمي لأسرة مسيحية، ويعيش في السويد منذ ما يزيد على 30 عاماً، ويرتبط بأعمال بحثية مع جامعة "Lund"، وقد عمل على رسالته حول تموضع جماعة "الإخوان" في استوكهولم، منذ أكثر من 20 عاماً بشكل متقطع، وفقاً لتصرحاته لصحيفة "DN". وعن تمييزه بين المسلمين والجماعات الأصولية، يوضح الباحث المصري في حديثه: "أنا لا أعتبر المسلمين خطراً على السويد، هناك الكثير من المسلمين الطيبين الذين يحاربون "الإسلاميين"، وقد تلقيت عرضاً من الحزب الديموقراطي (SD) بتقاضي 150 ألف كرون سويدي، مقابل ترجمة كتابي عن جماعة "الإخوان المسلمين" في السويد "أكاذيب بيضاء مقدسة"، إلى اللغة السويدية، ووضع شعارهم عليه، لكنني رفضت لربط اسمي بحزب قومي له تصريحات معادية للمسلمين، ولا يفرق بين الدين الإسلامي، وبين حركات الإسلام السياسي". تموضع تيار الإسلام الحركي في استوكهولم، متجذر منذ ثمانينات القرن الماضي، وفقاً لدراسة صادرة عام 2019 عن "وكالة الطوارئ المدنية"، إحدى المؤسسات الاستخباراتية التابعة لوزارة الدفاع، من أن أتباع جماعة "الإخوان" يتمددون فكرياً في عمق المؤسسات المدنية والدينية، ويجندون عناصر جديدة. كما أصدرت "هيئة الحماية المدنية والتأهب" (MSB) في السويد، تقريراً بعنوان "النشاط الإسلامي في سياق متعدد الثقافات"، أشرف على إعداده إيه كارلوم، وهو أستاذ الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة مالمو، خلص فيه إلى أن أتباع جماعة "الإخوان" يتحركون وفق إستراتيجية راديكالية، تمثل تهديداً على الأراضي السويدية، ويتلقون أموالاً من الأصول الضريبية، وينشطون من خلال مؤسسات كبرى، تعمل على تمرير توجهاتهم الأيديولوجية. في منتصف عام 2021، أوضح المركزُ النمسوي لتوثيقِ التطرف السياسي ذي الدوافع الدينية (مركز توثيق الإسلام السياسي)، في تقرير له تحت بعنوان: "الهيكل العام للإخوان المسلمين في أوروبا"، أن"الطبيعة الدائرية" لشبكة "الإخوان المسلمين" صنعت "نخبة إسلاموية متماسكة"، تمارس تأثيراً في المسلمين في أوروبا، وأن الشبكة الضخمة من المساجد والجمعيات الخيرية والمدارس وجماعات الضغط والحقوق المدنية، تمنح "الإخوان" نفوذاً عميقاً على المجتمعات المسلمة من جهة، والمؤسسات الأوروبية من جهة أخرى.
مشاركة :