بعد مرور عام على أزمة طاقة غير مسبوقة هزت الاتحاد الأوروبي، أصبح المسؤولون في بروكسل على استعداد للكشف عن خطتهم للحيلولة دون مواجهة المستهلكين تقلبات هائلة في أسعار الكهرباء مستقبلاً. ورغم تعهد بعض قادة الاتحاد الأوروبي بإصلاح شامل، فإن ما قد يخرجون به على الأرجح لن يكون حلاً جذرياً. وتراجعت أسعار الطاقة والغاز الطبيعي قليلا عن مستوياتها القياسية في ذروة الأزمة الصيف الماضي، ما أزال بعض الضغط المُلقى على عاتق الساسة من أجل التدخل بقوة لحل الأزمة. بعد مداولات دامت لعدة أشهر من المنتظر أن تكشف المفوضية الأوروبية - الذراع التنفيذية للاتحاد- عن اقتراحها في 14 مارس المقبل. والهدف هو جعل سوق الطاقة في المنطقة أكثر مرونة في حالة توقف أدوات الطوارئ. ومن أهم الأهداف ضمن الاقتراح: حماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار، وتقليص الصلة بين سعر الكهرباء والغاز الطبيعي، وتحفيز تطوير الطاقة المتجددة، وعدم مخالفة أي شيء عند تطبيق هذه العملية. "سوق معقدة للغاية" قالت كاثرين مكغريغور، الرئيسة التنفيذية لشركة "إنجي" (Engie) للمرافق، في فعالية أجريت خلال الأسبوع الماضي في لندن: "السوق معقدة للغاية، ويتعين عدم التدخل فيها بطريقة متسرعة. يجب بالفعل التأكد من فهم العواقب لأننا بحاجة إلى سوق تعمل بكفاءة وتؤدي وظيفتها". يأتي التصدي لأزمة الطاقة على رأس جدول أعمال الساسة، وهي مهمة محاطة بالتحديات. ويقول منتقدو الإصلاح الشامل إن التدخل الزائد عن الحد يمكن أن يعطل تدفق الطاقة عبر المنطقة، ويستنزف سيولة السوق على المدى القصير، وقد يعوق الاستعانة بمصادر الطاقة المتجددة. قال وزير الطاقة في لوكسمبورغ كلود تورم الأسبوع الماضي: "هيكل سوق الكهرباء هو الذي جنبنا هذه الأزمة وليس العكس. علينا الشعور بالثقة فيما نملك". سيكون الوقت عاملاً حاسماً إذا دخل أي تغيير جديد حيز التنفيذ. فبعد الكشف عن الاقتراح، سيحتاج إلى دعم من حكومات دول الاتحاد وكذلك البرلمان الأوروبي، وهي عملية يُحتمل أن تطول وستشمل تعديلات. كما يجب أن يكون الإصلاح مقبولاً بما يكفي لنيل الموافقة قبل انتخابات البرلمان المقبلة في مايو 2024، ونهاية ولاية المفوضية الحالية في وقت لاحق من ذلك العام. هناك أيضاً تحول عالمي نحو الطاقة المتجددة. وبناءً عليه، يحاول الاتحاد الأوروبي حالياً التصدي للمخاوف من أن الصناعات الخضراء قد تهاجر إلى الولايات المتحدة والصين، مع اعتبار الثمن الذي تدفعه أوروبا مقابل طاقتها عاملاً دافعاً في هذا الاتجاه، إذ أسعار الغاز المعيارية أعلى 7 مرات في القارة من نظيرتها في الولايات المتحدة، في حين أن أسعار الكهرباء أعلى ثلاث مرات منها في الصين، وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية. الإصلاح المستهدف مع وجود هامش مناورة محدود أمام الذراع التنظيمية للاتحاد الأوروبي، فمن المرجح تركيز الإصلاح على أدوات لمساعدة المنطقة في جني فوائد مصادر الطاقة المتجددة الأرخص في المدى المتوسط إلى الطويل، مثل توسيع نطاق عقود الأسعار الثابتة. يمكن أن يسرع ذلك أيضاً من استخدام الطاقة النظيفة، بما يتماشى مع الاستراتيجية الطموح للمناخ في أوروبا، وفقاً لدبلوماسيين على دراية بالموضوع. قال مفوض الاتحاد الأوروبي للطاقة، كادري سيمسون، لـ"بلومبرغ نيوز": "تعمل المفوضية من أجل إصلاح مستهدف لتصميم سوق الكهرباء. ستكون الأولوية هي توفير أفضل حماية للمستهلكين من تقلب الأسعار، وتمكينهم من الاستفادة بشكل أكبر من النمو والتكاليف التشغيلية المنخفضة لمصادر الطاقة المتجددة". بموجب الهيكل الحالي لسوق الكهرباء في الاتحاد الأوروبي، يحدد الغاز سعر كل الكهرباء المباعة في السوق. وهذا يعني أن المستهلكين يتحملون العبء الأكبر من خفض إمدادات روسيا للقارة بعد غزوها أوكرانيا، ولا تعكس فواتيرهم الحصة المتزايدة لمصادر الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة مثل مزارع الرياح، والتي تباع بهوامش كبيرة. على الجانب الآخر، لا يخطط الاتحاد الأوروبي لتغيير نموذج التسعير الهامشي الخاص به، وبالتالي فإن الشروع في عمل ذلك لن يحصل على موافقة من حكوماته. إصلاح التسعير أرادت بعض الدول الأعضاء إجراء إصلاح عميق لنظام التسعير الهامشي. وقال كلاوس ديتر بورشارت، كبير مستشاري الطاقة في شركة "بيكر مكنزي" (Baker Mckenzie) الاستشارية والمسؤول الكبير السابق في المفوضية: "بشكل عام، لا أتوقع إصلاحاً كبيراً للغاية". ويدرس الاتحاد الأوروبي ما إذا كان يجب أن تغطي عقود الفروق فقط السعة الجديدة المنخفضة الكربون أو أنواعاً معينةً من التوليد الحالية. في إطار متصل، قال بنك "مورغان ستانلي" إنه يتوقع من المفوضية أن تتخذ نهجا "سلس"، يغطي فقط المصادر الجديدة، بدلا من إصلاح كامل يمكن أن يطيل أمد المفاوضات. وإذا صيغت عقود الفروق بشكل صحيح، يمكن أن تقلص فعليا أسعار الكهرباء من التقنيات النظيفة، وفقاً لسفين كايزر، المسؤول في مجلس هيئات تنظيم الطاقة الأوروبية. واختتم "كايزر": "من الواضح أن الأسعار التي شهدناها، خاصة العام الماضي، تشكل عبئاً على المواطنين الأوروبيين والاقتصاد. من المفهوم تماماً أنه يجب عمل شيء ما لحل هذه الأزمة، ويجب أن يتم ذلك على النحو المستهدف قدر الإمكان".
مشاركة :