طهران - أفرجت السلطات الإيرانية عن الإسبانية آنا بانيرا المسجونة في إيران منذ نهاية العام 2022، فيما تأتي هذه الخطوة استباقا لتولي مدريد رئاسة الاتحاد الأوربي في يونيو/حزيران القادم، في الوقت الذي تتصاعد فيه الاتهامات الموجهة لطهران على خلفية اعتقالها عشرات الأجانب واتخاذهم رهائن لمساومة الغرب بهدف انتزاع تنازلات. وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس اليوم الأحد "أفرج عن بانيرا في الأمس (السبت) لكن لم نشأ الكشف عن ذلك علنا قبل إقلاع طائرتها من إيران"، مضيفا "تمكنت من التحدث معها إنها بخير"، موضحا أنها ستتوجه من طهران إلى مسقط رأسها في لا غاليس (شمال غرب إسبانيا)، عبر دبي وجنيف. وأعلنت مصادر دبلوماسية إسبانية في نوفمبر/تشرين الثاني اعتقال مواطن إسباني دون تقديم تفاصيل أخرى، في حين أكدت وكالة "أنباء نشطاء حقوق الإنسان" (هرانا) من جهتها أنها امرأة تبلغ 24 عامًا أوقفت منذ بضعة أيام، في إشارة إلى بانيرا. ولم يتم الكشف عن ظروف اعتقالها رسميا، لكنها احتجزت في الوقت الذي تواجه فيه إيران احتجاجات هي الأعنف في تاريخها منذ وفاة الشابة مهسا أميني في 16 سبتمبر/أيلول، إذ دعا المحتجون خلال المظاهرات إلى سقوط نظام الحكم الديني، ما يمثل أحد أكبر التحديات للجمهورية الإسلامية التي يحكمها رجال الدين الشيعة منذ ثورة عام 1979. وتحتجز طهران إسبانيا آخر منذ أكتوبر/تشرين الأول هو سانتياغو سانشيز كوجيدور وهو مشجع كرة القدم اعتقل بعد فترة وجيزة من دخوله إيران بينما كان في طريقه إلى قطر لحضور نهائيات كأس العالم في كرة القدم. وقال وزير الخارجية الإسباني "اليوم هو يوم سعيد ولكن ستكتمل السعادة عندما يُطلق سانتياغو أيضًا"، مضيفا "لن أتوقف عن الإلحاح على طهران واتخاذ خطوات حتى يتم الإفراج عن سانتياغو. لا يستند اعتقاله على أي أساس". ومن بين الأجانب المحتجزين في إيران رعايا للدول الأوروبية المنخرطة في محادثات الملف النووي الإيراني وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ويقبع العشرات من الأوروبيين من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وهولندا والسويد في سجون إيران وتؤكد منظمات حقوقية ونشطاء أنهم أبرياء لم يرتكبوا أي جرم، مشيرين إلى أنهم محتجزون بأمر من الحرس الثوري في إطار إستراتيجية "دبلوماسية الرهائن" التي يساوم من خلالها النظام الإيراني القوى الغربية. وألقي بهؤلاء في المعتقلات الإيرانية في الوقت الذي تتعثر فيه محادثات إحياء الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 بين القوى الكبرى وطهران. ولئن استجاب النظام الإيراني لمطالب الجهات الإسبانية بالإفراج عن آنا بانيرا، فإنه ما زال يبدي تشددا إزاء الرهائن الفرنسيين الذين يبلغ عددهم 5 أشخاص تعتقلهم إيران بعد أن وجهت لهم تهم تتعلق بالتجسس وتمويل احتجاجات وتأجيج الأوضاع بهدف الضغط على النظام والعمل على إسقاطه. وأشارت تقارير فرنسية في وقت سابق إلى أن ملف "الرهائن الأسرى" سيؤدي إلى مزيد تأجيج التوتر بين باريس وطهران، مشيرة إلى أن هذه الاستفزازات من شأنها أن تنسف أي فرص لإحراز تقدم في مباحثات الملف النووي الإيراني. ودعت الخارجية الفرنسية في أكتوبر/تشرين الأول رعاياها الموجودين في إيران إلى "مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن نظرا إلى مخاطر الاعتقال التعسّفي التي يعرّضون أنفسهم لها". وتؤكد طهران أن القبض على الأجانب تم بناء على القانون وبثت وسائل إعلام إيرانية في مناسبات عديدة ما أسمتها "اعترافات" الموقوفين من جنسيات أوروبية في قضايا تجسس، في حين وصفتها دولهم بـ"المهزلة"، مؤكدة أنها "مفبركة". وأفرج النظام الإيراني خلال السنوات الأخيرة عن العديد من حاملي جوازات السفر الأجنبية مقابل إطلاق سراح إيرانيين محتجزين في الخارج أو رفع تجميد عن أصول إيرانية بعد مفاوضات سرية، لكن مع تأزم العلاقات الدبلوماسية وتتالي استدعاء السفراء الإيرانيين في أوروبا على خلفية أحكام الإعدام وقمع الاحتجاجات تضاءلت فرص إبرام مثل تلك الصفقات. باريس – تتهم جماعات حقوقية إيران بمحاولة انتزاع تنازلات من دول أخرى من خلال اعتقالات غير مبررة لمواطنيها، لكنّ طهران دأبت على نفي هذه الاتهامات، ولطالما طالبتها القوى الغربية بالإفراج عن مواطنيها الذين تقول إنهم سجناء سياسيون أو "رهائن". واليوم الثلاثاء، أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا أنّ خمسة فرنسيين بالمجموع محتجزون حالياً في إيران، بعدما كانت باريس لا تعترف إلّا بأربعة أشخاص. وقالت كولونا في حديث لفرانس إنتر "سأتحدث بعد ظهر اليوم مع وزير الخارجية الإيرانية لمطالبته مجدداً بالإفراج الفوري عن جميع مواطنينا المحتجزين في إيران. هناك خمسة حالياً". وأضافت "يجب أن نحمي مجتمعنا". وحتى الآن، أفادت فرنسا رسمياً عن احتجاز أربعة من رعاياها في إيران، وهم الباحثة الفرنسية الإيرانية فاريبا عادلخاه التي اعتُقلت في حزيران/يونيو 2019 ثم حُكم عليها بالسجن خمس سنوات بتهمة تقويض الأمن القومي، وبنجامين بريير الذي اعتُقل في أيار/مايو 2020 وحكم عليه بالسجن ثماني سنوات وثمانية أشهر بتهمة التجسس، إضافة إلى النقابيين سيسيل كوهلر وجاك باريس اللذين اعتقلا في أيار/مايو الماضي. وأعلنت طهران في مطلع تشرين الأول/أكتوبر توقيف تسعة أجانب بينهم فرنسي، في إطار موجة الاحتجاجات التي تجتاح البلاد منذ وفاة مهسا أميني. ولكن باريس لم تؤكد توقيف أحد رعاياها. وبثّت طهران الأسبوع الماضي مقطع فيديو قُدّم على أنه يحمل "اعترافات" سيسيل كوهلر وجاك باريس، الأمر الذي أدى إلى رد فعل قاسٍ من باريس التي ندّدت بـ"تدبير غير لائق" لهذه الاعترافات مشيرة للمرة الأولى إلى "رهائن دولة". كذلك، دعت وزارة الخارجية الفرنسية الفرنسيين الموجودين في إيران إلى "مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن، نظراً لمخاطر الاعتقال التعسّفي التي يعرّضون أنفسهم لها". ويُحتجز حالياً في إيران أكثر من عشرين شخصاً من مواطني الدول الغربية، معظمهم من مزدوجي الجنسية، ومن بينهم من حوصر أو بات مجبراً على البقاء في هذا البلد. وتدين المنظمات غير الحكومية هذا الأمر، معتبرة أنه عبارة عن سياسة احتجاز رهائن لانتزاع تنازلات من القوى الأجنبية. كانت صحيفة "اللوموند" الفرنسية قد اعتبرت في مقال لها نشرته مؤخراً، أنّ وجود حالة جديدة من "الرهائن الأسرى" سوف تؤدّي بالتأكيد إلى تسميم العلاقات بين باريس وطهران، والتي وصفتها بأنها بالفعل في أدنى مستوياتها. وأكدت أنّ هذه الاستفزازات تقضي على أيّ فرص لإحراز تقدّم في الملف النووي الإيراني.
مشاركة :