أكون سعيدا عندما أجد رواية جديدة قد صدرت لروائي "ما" والأجمل أن تكون تلك الرواية بها عوامل العمل الروائي من لغة وأحداث وشخصيات وقضية تناقش من خلال هؤلاء جميعا . لكن سعادتي تكون أكبر وأعظم عندما أجد كتاباً جديداً قد صدر في مجال النقد الأدبي، أقول فرحتي وسعادتي تكون كبيره، لأن النقد الأدبي قيمة كبيرة لا يمكن الاستغناء عنها أو التقليل من شأنها. لأن الناقد يبدع في مجاله لكى يوضح لنا الغامض في النص الذى يتعرض له.. والناقد الجيد هو الذى يقول لنا الذى لم يقله النص والمؤلف، ولا يحكى لنا الحكاية المروية في النص الروائي أو القصصيأو المسرحي. بعكس القصيدة التي هي إحساس يعبر عنه الشاعر و هذا الاحساس يُعرض من خلاله القضية التي يريد أن يعبر عنها. أقول هذا لكى أمهد الطريق لكى نقرأ كتاب فرج مجاهد عبدالوهاب الجديد "مسافة للممكن.. مساحة للإبداع: دراسات في المنتج الإبداعي للدكتورة فاطمة يوسف العلى". ونجد المؤلف يقول في المقدمة وهو يوضح لنا لماذا وضع هذا الكتاب النقدي "لأن فاطمة يوسف العلى واحدة من أبرز المبدعات العربيات في القصة والرواية، رأيت من حقها علينا وواجبنا تجاهها أن نتابع إبداعاتها التي شكلت محاولة جادة وجريئة في الحراك السردي المعاصر، فكان هذا الجهد المتواضع الذى حاولت من خلاله أن أقدم تحليلا متواضعا لقامة إبداعية أوجدت لنفسها وإبداعها مساحة كبيرة تحت شمس الثقافة والمعرفة والإبداع المؤمن بدور الإبداع كأمانه ورسالة لابد من تقديمها بأفضل شكل وأجمل أسلوب". بتلك الكلمات قدم لنا الناقد دراسته النقدية لإبداع فاطمة يوسف العلى، التي قالت عن الكتابة والإبداع "نحن نكتب لنحيا بالكتابة، نحن نكتب لنحيا مع الكتابة، نحن نكتب لنحيا من الكتابة، فالكتابة حياة. ولا تأتى الكتابة إلا عندما تعلن عن رغبتها وتختار لحظتها، وهى لحظة البوح، أو لحظة الفضفضة أو لحظة الولادة، ولادة المعاني وهى ولادة أشبه بولادة الجنين الذى يبدأ صغيراً داخل العالم الفسيح و هكذا المعاني، تظل تضطرم داخل النفس والعقل حتى تعلن عن رغبتها في الخروج إلى العالم، وعالم الكتابة هو عالم الورق، وحين تخرج. على الورق يكون في ذلك كفاية للإيمان بسمو الخير الأخلاقي". ص16 وقبل أن نذهب الى عالم فاطمة يوسف العلي الإبداعي لنرى ماذا قال عنه الناقد فرج مجاهد، لابد أن نوضح أن الكتابة بالنسبة للمرأة تعد وسيلة وغاية لطرح مفاهيم جديدة بالنسبة لها وجريئة، ومتمردة على الموجود.فهي تخترق التابو لتعبر عن وجهة نظرها وفهمها للحياة.. بحكم أنها رافد من روافد الحياة، بل قل وأنت مستريح الضمير، أنها أهم رافد من روافد الحياة.. التي يجب أن نعيشها ونستمتع بها. مادامت مقضية مقضية، فنقضيها ونحن سعدها . تاء مربوطة ليس معنى أن الروائية جل إبداعها منصب على المرأة، فهذا لا يعنى أنها معنية دائما بالمرأة وكل مشاكلها بحكم أنها من بنات جنسها، فهذا ربط غير جيد، لأن كل الأشياء، الجيدة والمميزة في حياة الإنسان تؤنث، بداية من الحياة الى الحرية، وأنا هنا أجدني أتذكر ما قاله ابن عربي في تلك النقطة المهمة للغاية. وسوف أختصر كلام ابن عربي في جملة واحدة لا غير، لكنها توصل المعنى مباشراً " كل النفوس أناث في مقام الألوهية، فلا فاعل إلا "الله" فكل مكان لا يؤنث لا يعول عليه". ومن هنا نجد أن الأشياء تعرف بالمرأة، والمرأة تعرف بالأنوثة، والأنوثة هي التي يبحث عنها الرجل لكى تستقيم حياته.. فأي شيء لا يوجد به أنوثه لا يعول عليه. والمجتمعات تعرف بالمرأة إن كانت متقدمة، أو متأخرة كما هو الحال عندنا.. ونجد الناقد فرج مجاهد يقول عن هذا النص فكل ما أرادت القصة أن تقوله: إن المرأة كانت في الماضي تتمتع بحرية مطلقة، حتى أن كثيرا من حضارات العالم القديم قد أشارت إلى المرتبة العالية التي كانت تتمتع بها المرأة". وهنا لابد أن نذكر أن المرأة كانت إله يُعبد، وأقرب مثل لذلك "عشتار" وهل يوجد أحداً منا لا يعرف الإله عشتار. وفى مناقشة مجموعة "لسميرة وأخواتها" نجد الناقد فرج مجاهد كتب في أول الدراسة "مما لا شك فيه أن جل ما أبدعته المبدعة الكويتية فاطمة يوسف العلي من قصص اجتماعية ناقدة، كان قمة اهتمامها، وعظمة رسالتها الاجتماعية والإنسانية، ينطلق من مبدأ واحد، وهو الدفاع عن المرأة وقضاياها والدعوة إلى تحررها من أسر الرجل الشرقي الذى مازال ينظر إليها بدونية وأنها مجرد خادمة في رتبة زوجة .. والمبدعة في مشروعها الإبداعي تنصف نصف المجتمع وأساسه و عموده الفقري". إذن الكتابة لدى المبدعة فاطمة يوسف العلي هي البحث عن الذات في كل عمل قصيرا كان أو عملا روائيا ففي رواية "وجوه في الزحام" نجد الناقد فرج مجاهد يبدأ دراسته بطرح سؤال مهم للغاية وهو "ما هو المرجو من إعادة عمل إبداعي مضى على صدوره ما يربو على ثلاثة وثلاثين عاما باعتباره العمل الأول المحكوم بميزان نقد تلك الفترة التي صدر فيها . وبعد قليل نكتشف أن رواية "وجوه في الزحام" صدرت لأول مره في عام 1971، وهذا يعنى أنها تعد أول رواية صدرت في الكويت ولهذا أهميته الخاصة من حيث التأريخ الحقيقي لنشوء الرواية في الكويت. وتلك القضية مازالت الى الآن لم يبت فيها بخصوص أول رواية عربيه صدرت، فرغم كمية الكتب والدراسات عن أول رواية عربية إلا أن تلك القضية لم تحل الى الآن. أما الرواية التي نحن بصددها فكتب عنها الناقد "فهي تروى حكاية أسرة كويتية تتألف من الزوج أبو خالد وزوجته أم خالد والبنتان أحلام ومنى، والأب أبو خالد رجل مثقف وموظف بسيط، ديمقراطي في بيته وحياته، ومهتم بأخبار القضية الفلسطينية، متحمس لضرورة تحرير فلسطين. وتبرز مشكلة جديدة، فالبنتان متفوقتان وترغبان بدخول الجامعة، وأبو خالد يميل إلى زواجهما، أية دراسة تلك التي تريدانها؟ الزواج العين والأذن والقلب، الزواج هو المدرسة الحقيقة لاكتساب خبرة الحياة" ص23 ونجد بعد ذلك تتم الخطبة، ويسافر العريس الى لندن ويعتذر عن اتمام الخطوبة في رسالة أرسلها للفتاة بعد أن انبهر بالحياة الغربية ويرسل رساله يقول فيها "سأطلب منك أن تنتبهي لنفسك وأن تجدّى لنيل الشهادة، إن هي إلا أربع سنوات وتتخرجين شامخة الرأس متعلمة مثقفة تخدمين بلدك ومجتمعك ووطنك الحبيب، بلغي تحياتي للأهل جميعا والله يرعاك ويوفقك و يحقق لك امنياتك .. أخوك محمد" ولم يكتفي بذلك فقد أرسل رسالة اخرى إلى عمه يطلب فيها أن يفسخ خطوبته على ابنته أحلام. وتلك الصدمة الحضارية التي أصابت الشاب الكويتي أو العربي عندما وطأت قدمه أرض حاضرة أخرى، وتقريبا هي نفس الصدمة التي عبر عنها الكثير من كتابنا الكبار من الطيب صالح في "موسم الهجرة الى الشمال" الى سهيل ادريس في "الحى اللاتيني" الى توفيق الحكيم في "عصفور من الشرق" الى عبدالحميد جوده السحار في "جسر الشيطان" وتلك الرواية سقطت من ذاكرة النقاد و النقد عند الحديث عن تلك القضية. وقد قال الناقد عن هذا الشاب والذى اسمه محمد "أخذته مدينة الضباب إلى فجورها وغرق في نزواته العابثة الطائشة، تعرف على ليزا في الجامعة وأصبحت أنيس لياليه الحمراء". وتفشل تلك الزيجة ... أو محاولة مزج حضارتين من خلال الزواج وأبداً لا يجب أن ننسى ما قاله الشاعر الانكليزي في تلك المسألة "الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا" وقد فشلت تلك الزيجة عندما زارت الزوجة ليزا مجتمع الزوج، الذى لم تحبه لأنه على خلاف تام من مجتمعها، فعادت الى مجتمعها وحضارتها، وعاد صاحبنا الشاب محمد إلى طبيعته الشرقية. وعن تلك الرواية قال عنها الناقد فرج مجاهد "وتبقى الأهمية الأولى والأخيرة أنها أول نبتة غرست في الفضاء الروائي الكويتي المعاصر، وأول زهرة ولدت في حقل الأدب النسوي، وفى هذا الفضل والإجلال كلهما".
مشاركة :