محمد الصمادي يسرد الحياة بعينيه في 'جرعتان والبقية تفاصيل'

  • 2/24/2023
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

القاص والمصور الفوتوغرافي الأردني محمد الصمادي، لا يكاد أي مثقف أو مبدع أو مهتم بالشأن الثقافي إلا حظي بلقطة تصوير من العين الثالثة للفنان الصمادي، الكاميرا التي يحتضنها وتقبل عدساتها عينه اللاقطة كل ما هو جميل في المشهديات اليومية لذاكرة الأمكنة والفعاليات الثقافية التي وثق لها فكان حصاد آلاف الصور لمعظم المبدعين في مدينة إربد والمدن الأردنية الأخرى مما جعل من المبدع محمد الصمادي سفيرا للكاميرا التي أخذته إلى رسم لقطاته إلى سرد فني إنساني واجتماعي عاين من خلاله ما اختزنته ذاكرته وعينه التي أبصرت الأشياء بوضوح فكانت رؤاه المحملة بكل التفاصيل التي لم يعلن عنها تاركا للقارئ مساحة للمشاركة في الاشتباك والكشف عن التفاصيل وهذه رؤية فنية امتلكها القاص بقدرة تنم عن الامساك بروية القصّ. ضمن ما سبق الإشارة إليه آنفا، صدر للقاص محمد الصمادي مجموعة قصصية جديدة وسمها "جرعتان والبقية تفاصيل" تنضاف هذه المجموعة إلى أعماله السابقة وهي :"صفات المرأة التي يحب، الحب للجميع والدعوة عامة، بانوراما، شذرات وقطوف نثر، الأرض الأولى، بانوراما،  يوميات ميت على هامش الحياة، نثر، حنين وسبع أخريات، هو الذي يرى". "جرعتان والبقية تفاصيل" اشتملت على مجموعة من القصص هي: "نزوة عطر، المدير، فرح، حلم، دقات، على سرير الشفاء، رحلة إلى الحياة، يوميات محتضر، بين موت وموت، يحدث هذا غالبا، حكاية عبد ربه، حفل توقيع، ضغط عال، صورة طبق الأصل، لقاء، وموعد"، القارئ لهذا السر القصصي يرى ثمة جدل عميق مع الحياة والموت والمعاناة عكستها الذات المشغولة بالتفاصيل بحيث نلامس بل ونشاهد القاص الصمادي يتجول بين معظم سطور قصصه التي تسرد جزءا من سيرته الحياتية التي اخزنتها ذاكرته الخصبة وعينه المتبصرة للأشياء، كأنا به يأخذنا مساحة معاينة الواقع الذي نعيش تفاصيله الإنسانية من خلال ما رسمته ريشة قلبه مترجمة حال السارد دون أن يبوح بذلك، هذا ما يكشفه القارئ بين سرد بعض القصص مثل قصة "على سرير الشفاء" و"ضغط عال" و"يوميات محتضر". قاص له قدرة بالإمساك بزمام القصة بنفس قصصي مبلل بماء الروح وشعرنة السرد، وكما أمام كاميرا الروح روحه التي تتغلل في مشهديات الحياة المسكونة بالألم والوجع المقيم، وفي المقابل ثمة قصص يبث فيها معنى الأمل والحب بموعد ولقاء الأجمل. ولا بد من الإشارة لمقدم المجموعة الشاعر أحمد طناش الشطناوي رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين إربد، تحت عنوان: "جرعتان والبقية تفاصيل.. بين ما يرى وما لا يرى" التي فيها: ليس كل ما تعلمه تراه، وليس كل ما تراه تعلمه بهذه الجملة وعلى بعد جرعةٍ أخرى، يطل القاص والمصور الفوتوغرافي محمد الصمادي من جديد، إطلالة غير بعيدة عن المشهد الذي رسمه بعدسة عينه لمدة تزيد عن عشرين عاما، قضّاها غارقا في مشروع نبيل فريد من نوعه. ورأى الشطناوي أن "جرعتان والبقية تفاصيل"، هذه المجموعة القصصية التي عنونها الصمادي بعنوان أغفل فيه كل التفاصيل ولم يقم لها وزنا، لكن المبحر بين نصوص هذه المجموعة القصصية حتما سيكتشف أنه قد أوغل بالتفاصيل ولكن بمشهد قصصي لا يتبع لمنظومة متتالية الأحداث، إذ أنه جعل التفاصيل هامشا ومتنا بنفس الوقت، فتراه يضع تلك التفاصيل في غير المكان الذي يجب أن تذكر فيه، وهذا الأسلوب الما بعد حداثي الذي طرقه الصمادي في سرده، ورد بطريقة عبثية منتظمة. وبيّن الشطناوي في مقدمته حين قال: "من يعرف هذا الرجل بهدوئه وسكونه، ومن يراقب تصرفاته، حتما سيدرك أنه عبارة عن ذاكرة تمشي على رجلين، طريقة تخزينه ومراقبته للأحداث والتدقيق فيها والوقوف على تفاصيلها أمر لا يستطيع الكثيرون، لا أقول أنه يبني رؤاه على الشك، إنما هو الحذر، تصرفاته كتصرفات الذئب، صياد ماهر يترقب فرصته لالتقاط ما يريد، ولعله حين يجد ضالته يبحث عن مشهد آخر ليختزل الأول فيه، وهذا على حد سواء بين القصة والصورة، فماهرة التقاط الصورة بالضرورة تنعكس عند هذا الذئب على مهارة تحويلها إلى نص قصصي".  وذهب الشطناوي للقول بأن الصمادي ناقدٍ وساخر ومناقش لسلوك مجتمعي، أو لعله أخذ على عاتقه إصلاح ما فسد في مجتمعاتنا من خلال تقديم وجبة طازجة وصلت حد الاستواء، إذ أنه لا يتعجل بتحويل الصورة إلى نص، إنما يضع ملاحظاته الدقيقة ومفاتيح دخوله على صفحته الافتراضية الزرقاء، ليأخذ منها ما وثق من مشاهد نصية وصورية، ليعيد طبخها في رأسه مرة أخرى غير آبه بمكوناتها ولا مقاديرها التي قد تشظي الصورة النصية.   وأكد الشطناوي أن الخبرة التي اكتسبها الصمادي من خلال التصوير ومراقبة الأحداث بعين المصور كانت مرآة خبرته القصصية التي بدأها في نهايات ثمانينات القرن الماضي، وانقطع عنها لانشغاله في مشروعه الذي أهدر فيه وقتا كبيرا، غياب القصة النصية عن حياة الصمادي الانتاجية أوصله لمرحلة كان لزاما عليه أن يرضخ لمعطياتها، وأن ينتج نصا قصصيا يحفظ له مكانا راسخا في عالم السرد. وذكر الشطناوي بأن نقل الحدث بعين المشاهد يختلف عن نقله بعين المصور الذي يتتبع حركات العيون والأيادي والشفاه، اللقطة الفوتوغرافية التي وصل لها الصمادي أوصلته لسرد مختلف، وفي "جرعتان والبقية تفاصيل" يبلغ الصمادي ذروة إبداعه القصصي في السرد، لقد استطاع الصمادي بخبرته القصصية الفوتوغرافية أن يكسر مرآته كما يريد ومتى يريد، ويعكس المشهد الذي يريد دون أي تكلف، لهذا نرى أن الداخل إلى عالم الصمادي القصصي سيجد الكثير مما يراه ولا يعرفه، وحتما سيخرج بعلم وافٍ عنه، وأيضا الكثير مما يعرفه ولكن لا يراه، وحتما سيخرج باحثا عنه حتى يراه في واقعه، وهذا ما جعل من نص الصمادي نصا واعيا ناقدا للحالات السلوكية الاجتماعية، ورسالته لا يختلف فيها فهي رسالة سامية تحقق مرام الأدب وغاياته الحقيقة.

مشاركة :