الشاعرة جمانة مصطفى: على القصيدة ألا ترى نفسها ولا تسمع نفسها

  • 2/23/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ترى الشاعرة الأردنية الفلسطينية جمانة مصطفى ان على القصيدة ألا ترى نفسها ولا تسمع نفسها ولا تصفق لنفسها، مؤكدة أن النقد أنصفها، وقد سمعت من الآراء ما يحتفي بشعرها وما يرفضه، وفي الحالتين هذه مهمة النقد كما تقول.  بمناسبة صدور ديوانها "ليست أجمل من في قريش" حديثا عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع، التقينا الشاعرة جمانة مصطفى وأجري معها هذا الحوار حول ديوانها الجديد وحول قضايا أخرى في الشعر والنقد. • جمانة مصطفى شاعرة تميزت بقصيدة النثر، برأيك هل من مصطلح لقصيدة النثر ثابت؟ لا أستطيع القول أنني أدرك تماما ماذا يعني مصطلح ثابت لدى التحدث عن الفنون، فإذا كان المصطلح ثابتا فهذا يعني أن الفن ثابت وتعريفه كذلك، وهو ما أشك به، سيما لدى الحديث عن الشعر وخصوصية عن بقية الفنون، والتي  تجعله متحركا في مكانه. مثلا تعريف الرسم والنحت والموسيقى لم يتغير منذ ظهور هذه الفنون، لكن تعريف الشعر تغير منذ أن كتب أرسطو كتابه الكبير "فن الشعر" وكذا تعريف المسرح بالضرورة. وإذا تحدثنا عربيا، فتعريف القصيدة كذلك تغير منذ زمن الفراهيدي إلى اليوم أكثر من مرة.  المصطلح ثابت، لكن المفاهيم تتغير لأنها تلحق ظهور الأشكال الشعرية الجديدة، وهذه طبيعة الشعر ولعلها جماليته الأكبر.     • أيضا، فيما يتعلق بقصيدة النثر، هل الشكل الشعري يتنافى أو لا يتنافى مع الشكلين الشعريين التفعيلة والعمودي؟ لا الفنون ولا الأنواع الأدبية تتنافى مع بعضها أو تنتقص من بعضها، ما دام الشعر قادراً على تقديم المزيد من الجمال والحساسيات للعالم فليأت بأي شكل يريد. لكن أعتقد أن أهمية الشكل الشعري تأتي من كونه يحكم موضوع القصيدة بشكل ما، الحداثة وصراعاتها وهمومها وحساسياتها تنتمي لقصيدة النثر، لأنها هي التي استدعتها من بين الأصناف الأدبية.  لا أتخيل اليوم قصيدة مديح لقائد في هيئة قصيدة نثر، فهي تنتمي للشعر العامودي، في المقابل لا أتوقع من القصيدة العامودية أن تناقش صراعات المدينة وقسوتها والعلاقات البشرية فيها فهذه تنتمي لقصيدة النثر.  أظن أن الوقت قد حان لتبسيط الحفلة التاريخية الطويلة التي تعني بماهية قصيدة النثر، وأن نبدأ بالاستمتاع بها ووضع أسس واضحة لنقدها، فما نحتاجه اليوم هو حركة نقدية موازية وعلى سوية عالية، تراجع بنية القصيدة وإيقاع المعني فيها، بدلا من استمرار التشكيك بكونها شعرا أو لا شعر.  • ديوانك  الحديث "ليست أجمل من في قريش" عنوان يأخذنا مسافة في التاريخ ومادته وكذلك الموروث الديني، كيف استطعت استحضار هند إلى فضاء الحاضر؟  هذا السؤال يأخذني أيضا لمنطقة الصراع مع الموروث في سبيل اختيار الحداثة، فيما يخصني فأنا أنتمي لهذه الأرض وتاريخها وشعرها، ولا يزال شعر ما قبل الإسلام وأشعار شذاذ الآفاق هي الأحب إلى قلبي وهي المكون الأول في عجينتي الشعرية.  هناك موروث ديني وهناك  تاريخي من وجهة نظر أخرى، ولدي الأحقية باستخدام تاريخي وفق المعالجة الأدبية التي تناسبني.  أما هند بنت عتبة فلعلها من أحب الشخصيات النسائية إلى قلبي، ففيها من القوة والحسم والرقة والصدق والبلاغة ما يكفيها لتتربع على عرش النساء في التاريخ العربي، وهند حوكمت تاريخيا من وجهة نظر فقهية لا تاريخية، فلنقل أن المؤرخ ظلها لكن التاريخ أنصفها لأن معايير محاكمة النساء تغيرت.   • جمانة مصطفى تمتلك جرأة في البوح ولغة مشاكسة إن جاز التعبير، تفضي إلى جدل عميق قي خصوصية المرأة وشؤونها والتعبير بحرية ورؤية دالة؟  لا أستطيع رؤية لغتي من الخارج، أو تلقيها كما يتلقاها القارئ وبالتالي يصعب علي وصفها أو استقبال وصفها كأمر محسوم،  لكني لا أعتبرها جدلية أو مشاكسة وفق مفاهيمي الشخصية، الجدل هو نتاج رؤية الآخرين لا رؤيتي، وثوابتهم والقيم التي تبنوها.  ما يهمني حقا في الشعر سواء في قصيدتي أو قصيدة غيري هو غياب القصدية، أن تكون القصيدة من الخفة والانسيابية بحيث لا توقفك في مقاطع أو كلمات لتقول تصريحا تقريريا جافا، ذرة من القصدية تفسد القصيدة وتحولها إلى بيان أو اعتراف أو دعوة لفكرة، ناهيك أنها مؤشر على عجز الشاعر عن إذابة المعنى في الكلمات، أو إصراره على إقحام رأيه في رأي الشعر، فقد يكون للشعر رأي آخر يختلف عن رأي الشاعر، صدق أو لا. على القصيدة ألا ترى نفسها ولا تسمع نفسها ولا تصفق لنفسها، تقول وتذهب غير عابئة بما سيحدث لاحقا، وسواء أكان جدلا أم إعجابا سيصبح رد فعل القارئ على كاهل الشاعر لا الشعر. الشعر لا يُبرّر لأنه أصلا لا مُسبّب.   • أنت شاعرة تمسرحين القصيدة من خلال الأداء، كيف تنظرين لمسرحة الشعر، وهل أنصفك النقد. سأبدأ من نهاية السؤال، نعم أنصفني النقد، وسمعت من الآراء ما يحتفي بشعري وما يرفضه، وفي الحالتين هذه مهمة النقد، أما إذا كان السؤال عن مسرحة الشعر تحديدا فأظن أن الفكرة حُمّلت أكثر ما تحتمل. حين أسست مهرجاني "شعر في مسرح"، وحين أقرأ في المسارح لا القاعات، فهذا دافعه احترام الشعر لا الاستقواء بالمسرح، مع أنني يمكن أن أحيل لجواب سابق وكتاب "فن الشعر" لأرسطو الذي رأى فيه أن الشعر والمسرح جاءا من نفس الرحم.  المشكلة أن الشاعر في العالم العربي قلّما يُقدّم بشكل لائق، وأقصد باللائق أن يكون المكان مهيأ لحساسية الاستماع للشعر وتلقيه، أن تقرأ قصيدة أمر يختلف كليا عن الاستماع لها، فما بالك حين تسمعها من صانعها وشاعرها. المسرح هو أكثر الفضاءات ملائمة للاستماع، ففيه تأثيث كامل من إضاءة وصوت وصدى وزاوية تلقي تجعل حالة الشعر مكتملة، وتسهل على الجمهور احترام فعل الاستماع، ففي النهاية حين نقرأ الشعر نحن نقدم عرضا وأداء، وعلى هذا العرض أن يكون ممتعا وجميلا على المستوى البصري كما على المستوى الشعري.

مشاركة :