حين نريد النظر إلى حال الإنسان قبل وقوع المقدور الكوني أياً كان، وحاله حين حصوله ووقوعه كما أراد الله عز وجل وعلم وسبقت به مشيئته وكتب في اللوح المحفوظ، فعلينا أن نرجع لمثل قصة نوح عليه السلام مع قومه الذين سخروا منه وهو يصنع الفلك في بر ولا ثمة بحر هناك بعد وحي الله له وأمره بذلك استعداداً لما هو قادم من تغير في سنن الرب الكونية، مع عدم علمه حينها بما هو في رحم الغيب وسيصبح واقعاً يشهده في قادم الأيام، تسليماً من نوح عليه السلام لأمر الله عز وجل وإن جهل العلة، وخالف المأمور به العقل المجرد الذي يعتقد أن صناعة سفينة في البر محل تهكم وسخرية. هذا قبل نزول القضاء، أما عند وقوع المقدور وفور التنور فلنتأمل ما دار من حوار بين الأب والابن، إذ أمر الرب عز وجل نوحاً بقوله {...احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ...}. وحين كان منه عليه السلام تنفيذ هذا الأمر الرباني كان ابنه في مكان معزول، ومن باب العاطفة الأبوية، والمشاعر الوجدانية نادى الأب الابن بكل حنية ورحمة {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ}. هنا يتضح الفرق بين فريقين في التعامل مع تغير سنن الله الكونية: - فريق يفعل الأسباب المشروعة التي أمر بها الله، ويضع الاحتمالات كلها في دائرة المفكر به، وفي ذات الوقت يربط النتائج أجمع بإرادة الله ومشيئته. وهذا هو ما صنعه نوح عليه السلام، فهو مع كل ما بذله من جهد في صنع الفلك رغم السخرية والاستهزاء وركوبه هو وأهله ومن كل زوجين اثنين معه، فعلاً منه للأسباب المادية، علق أمر النجاة مما حل بهم برحمة الله عز وجل {...لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ...}. - فريق يعول على الأسباب المادية الصرفة دون ربط لها بإرادة الله العليا، ففيها - في نظرة - السلامة والنجاة، ويمثل هذا الفريق ابن نوح الذي طلب منه الأب أن يركب معه ولا يكن في زمرة الكافرين بما جاء به، إذ كان من هذا الابن الرد المادي الصرف {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء...}، جزماً منه أن الأمر لا يعدو أن يكون تغيراً كونياً طارئاً ليس له أسبابه البشرية التي جعلت عقاب الله يحل، وأن الجبل بعظمته المادية المشهودة سينقذه مما حل في هذه الأرض. رحم من مات في الزلازل من المسلمين، وشفا مريضهم وأعان من نجا منهم، وحفظنا جميعاً بحفظه ووقانا شر ما هو في الغيب وإلى لقاء والسلام.
مشاركة :