كثيراً ما تردد الحديث -في الأوساط الثقافية والأكاديمية العربية والصينية- عن الطريق المسمى بـ»الحرير»، الرابط بين العرب والصينيين قبل أكثر من ألفي عام، والذي لم يكن -حقيقة- مجرد ممرٍّ للتجارة، وطريقاً يسلكه المسافرون فحسب، بل كان سبيلاً للتبادل الثقافي والحوار الحضاري بين الأمّتين. * فعبر «الحرير» انتقلت أخلاق الإسلام مع التجار فكانت سبباً لدخول الصينيين هذا الدين العظيم. * وعبر «الحرير» عرف هذا الشعب الحضاري اللغة العربية ونطق بها وكتب. * وعبر «الحرير» أرسل الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- مبعوثاً خاصاً للإمبراطور الصيني آنذاك، وذلك في 25 أغسطس 651م، فالتقاه في مدينة تشيغان (شيان اليوم) عاصمة الصين في ذلك الوقت. * وعبر الحرير أيضا كان الجانبان يتعلمان من بعضهما البعض، ويتعرفان على العلوم والمعارف والفنون، وينقلان مخترعات كل منهما للآخر. وفي إطار ما نحن بصدده من بعث لهذا الطريق بعثاً معنويًّا سعياً لتحقيق اتصال حضاري، وتبادل ثقافي بين «الثقافة الإسلامية» و»الثقافة الكونفوشية»، عُقدت لقاءات ثنائية وحلقات نقاش عديدة، وأقيمت ندوات ومحاضرات ومؤتمرات مشتركة خلال الخمسة عشر عاما الماضية، وذلك من أجل مدارسة نقاط الاتفاق والقواسم المشتركة بين الثقافتين، علّها تكون الأرضية التي يُبنى عليها حوار ثقافي موسع، يخدم مسيرة الثقافة الإنسانية التي ما زالت تعاني من جحيم المادية التجريدية الفردية المجحفة في الأساس بحق هذا المخلوق في التكريم المطلق الممنوح له من خالقه عز وجل، وتوّج هذا الجهد الثقافي المشترك بافتتاح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود يوم الجمعة الماضي مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في جامعة بكين، التي قال عنها ملك العزم والحزم -إبان مراسم افتتاحها- إنها: «تمثل أحد جسور التواصل الثقافي بين المملكة والصين»، وهو ما عرج عليه رئيس مجلس إدارة جامعة بكين «هاو بنق» في كلمته بهذه المناسبة بقوله: «إن افتتاح هذه المكتبة يعزز العلاقات الثنائية، ووسيلة مثلى لنشر العلم المعرفة خصوصاً باللغة العربية، وأحد جسور وروابط التبادل الثقافي بين البلدين»، وفي ذات المناسبة أشار معالي المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة الأستاذ فيصل بن معمر في كلمته إلى أن «هذه المكتبة كمركز ثقافي وحضاري ستكون -إن شاء الله- حاضنة لثقافتين عريقتين هما الحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الصينية». إننا في المملكة العربية السعودية من نحمل هم تبليغ الثقافة الإسلامية، ونحن من نملك مفاتيح الحوار العالمي من أجل نشر السلام والتسامح والوئام بين البشر، انطلاقاً من مفاهيم ديننا الحنيف الذي هو دين العلم والمعرفة والخير والنماء والبذل والعطاء المادي والمعنوي على حد سواء. دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.
مشاركة :