جزائريات يقتحمن عالم الرجال ويكسرن عقدة الدونية

  • 3/3/2023
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الجزائر - لم تعد رؤية المرأة في الجزائر تقتحم بعض المهن، التي كانت إلى وقت قريب جدا حكرا على الرجال، أمرا محيرا أو يثير الاستغراب، حتى لو كان ذلك من الصعب إلفه لدى البعض في مجتمع محافظ مازال يترنح في سعيه للتخلص من عقدة ” السلطة الذكورية” ، والتفسير المتباين لأحكام الشريعة. والتحولات الكثيرة التي يعرفها المجتمع الجزائري أدت حسب مفاهيم خبراء علم الاجتماع إلى ظهور قيم جديدة مرتبطة بأدوار ومراكز اجتماعية جديدة حصلت عليها المرأة، حتى لو كان ينظر إليها من بعض الزوايا على أنها ” كائن ضعيف جسما وعقلا ومزاحا”. ومن الواضح أن تواجد المرأة الجزائرية في الواجهة سبق الكثير من التشريعات الدولية، فبمجرد استقلال البلاد عن فرنسا الاستعمارية عام 1962 تم التصديق مباشرة على حقها في التصويت والترشح. التحولات التي يعرفها المجتمع الجزائري أدت إلى ظهور قيم جديدة مرتبطة بأدوار ومراكز اجتماعية حصلت عليها المرأة تقول جازية بكرادة، أستاذة بقسم التاريخ في جامعة تلمسان غربي الجزائر، إن قيادة ثورة التحرير المسلحة لما رأت جدارة المرأة في تنفيذ المهام التي أوكلت إليها خاصة في المجال اللوجيستي، عمدت إلى تدريبها لتقوم بأعمال أكثر أهمية وتتطلب الكثير من الحيطة والحذر، وتمثل ذلك في جمع المعلومات حول جنود العدو والإدارة الاستعمارية وكذلك أعوانهم من الجزائريين، فظهرت امرأة الاستعلامات والمراقبة السياسية، أو ما يعرف بـ” الجاسوسة” أو امرأة المخابرات. وبعد كل هذه الأدوار الكبيرة والمهمة جدا صار طبيعيا أن تواصل المرأة تبوؤها لمكانة مرموقة ومنصب أعلى بعيدا عن المهن المحدودة كالتمريض والتعليم والنسيج وأعمال الإدارة؛ فانتخبت نائبة في مجلس النواب خلال سبعينات القرن الماضي لأول مرة بفضل الروائية والكاتبة الشهيرة زهور ونيسي، التي كانت أيضا أول امرأة جزائرية يعهد إليها بمنصب وزاري، وكان ذلك في يناير 1982، عندما عينت وزيرة للشؤون الاجتماعية. ومنذ ذلك الحين تخطت المرأة في الجزائر الكثير من الحواجز والمثبطات مستفيدة من التعليم والانفتاح، لكن حضورها في نظر البعض لا يزال محدودا في مراكز صنع القرار السياسي والهيئات الحكومية والهيئات الإدارية أو المجالس المنتخبة الوطنية أو المحلية. وبالتوازي مع هذا التحول ظهرت نساء عزمن على كسر القيود والعقد وحتى الأعراف والتقاليد، فحاولن منافسة الرجال من خلال امتهان بعض الحرف وأداء بعض الأعمال هي في نظر قاموس العرف خاصة بالوسط الذكوري. وتؤكد “فوفو”، التي تشتغل سائقة خاصة لدى أحد التطبيقات التي توفر خدمة نقل مبتكرة ويمكن استخدامها عن طريق الهاتف الذكي في أي مكان وفي أي وقت، أنها مرتاحة جدا لعملها الجديد بعد تقاعدها، رغم علمها علم اليقين أن هناك من ينظر إليها بعين الشك والريبة. تحول لافت تحول لافت تقول “فوفو”، التي كانت ترتدي الحجاب وبدت في كامل زينتها ولم يظهر عليها أنها رضخت لمشقة الحياة، لوكالة الأنباء الألمانية “أنا امرأة متحررة (غير مرتبطة)، خرجت للعمل من أجل كسب الرزق، لا أعتقد أنه يوجد إشكال في هذا. أعمل خلال أيام الأسبوع وأيضا حتى في العطل. ومستعدة للذهاب إلى أي مكان يطلبه الزبون سواء كان رجلا بمفرده أو سيدة أو عائلة”. وتعترف “فوفو” بمواجهتها لبعض المواقف المحرجة، كأن يطلب أحدهم سائقا فلما تجيبه ويعرف أنها امرأة يقفل الهاتف مباشرة دون أدنى احترام ولا تقدير لها كإنسانة أولا وقبل كل شيء. وتضيف “هناك من لا يقدّر المرأة أساسا وأعتقد أن هذا ليس له علاقة بالدين، وهناك من يخشى نظرات المجتمع إليه، حيث في بعض الأحيان يطلب مني بعض الزبائن التوقف بعيدا عن مساكنهم خوفا من أن يلاحظهم الجيران أو الأقارب مع امرأة غريبة”. وتحاول “فوفو” التخفيف من هذه المواقف الصعبة فتشدد على أنها تتفهمها وتتعامل معها بذكاء ولطف، مشيرة إلى أن ابنتها عارضت في البداية أن تقوم بهذا العمل خوفا عليها من المضايقات ونظرات السوء. كما أن زوج ابنتها كان له نفس الموقف قبل أن يتقبل الوضع، بل إن مهنتها “الجديدة” أصبحت من بين مواضيع المداعبة والمزاح في الوسط العائلي. وإذا كان المجال الجغرافي لنشاط ” فوفو” في العاصمة الجزائرية وما يحيط بها من مدن اعتاد على حركية كبيرة ونشطة للنساء، وهو ما يمكنها من حصانة نسبية، فإن الأمر ليس كذلك في بعض المدن الداخلية التي لا تزال متأثرة بأحكام التقاليد الموروثة. المرأة الجزائرية رغم التغير الكبير الذي طرأ على منظومة العادات والتقاليد مازالت تعاني من الدونية وازدواجية الأنساق القيمية تروي السيدة لعرج جزءا من قصتها كأول سائقة حافلة بمدينة تيارت غربي الجزائر قائلة إنها كانت تشتغل سائقة سيارة أجرة، ولما علمت أن شركة حكومية محلية تبحث عن سائقين جدد جربت حظها وبعد فترة انتظار دامت 15 يوما، رفقة سائق يملك الخبرة المطلوبة، نجحت في الاختبار وانضمت إلى زملائها السائقين. وتسترسل بقولها “في البداية كان مجازفة وتحديا أن أقود حافلة في ولاية (محافظة) تيارت كأول امرأة، وفي ميدان يعد حكرا على الرجال، لكن أثبت وجودي وألقى كل الاحترام من جميع الزبائن الذين يشعرون بالأمان معي. السياقة متعة، أعشقها ولو لم أكن سائقة لوددت أن أكون سائقة”. بيد أن رزيقة، التي تشتغل أيضا سائقة حافلة محققة بذلك حلمها الذي راودها منذ الصغر، بدت متأثرة من بعض التعليقات السلبية التي تصدر عن بعض المواطنين في مدينتها، والتي تدفعها في بعض الأحيان إلى التفكير في الانعزال التام في المنزل، لولا إرادتها وعزيمتها التي جعلتها أقوى. ولا يخفي عمر، الذي يشتغل في ورشة للسيارات توظف أيضا نساء، معارضته لهذا الواقع لأنه برأيه يتعارض مع أحكام الدين الإسلامي الذي يوصي ” بغض البصر”، فيصرّح “نحن لسنا مثل الغرب، لو كنا مثلهم لهان الأمر. بصراحة صعب جدا أن تشتغل رفقة نساء في مجال تكثر فيه الملامسة. ثم إن الميكانيكا اختصاص ليس سهلا بتاتا على النساء لأنه يتطلب القوة والصلابة”. وترى الأستاذة الجامعية نوارة نافع أن المرأة الجزائرية رغم التغير الكبير الذي طرأ على منظومة العادات والتقاليد مازالت تعاني من الدونية وازدواجية الأنساق القيمية، حيث تخضع وضعيتها لقيمتين متناقضتين، إحداهما تقليدية والأخرى حديثة، وهذا يعود إلى الموروث الثقافي الذي بقي صامدا أمام التغير الاجتماعي.

مشاركة :