بيروت - قال الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية حسن نصر الله خلال خطاب أذاعه التلفزيون اليوم الاثنين إن جماعته التي تمتلك نفوذا سياسيا وعسكريا كبيرا في لبنان ستدعم السياسي المسيحي سليمان فرنجية في الانتخابات الرئاسية، في أول قرار واضح بعد توتر العلاقات مع حليفهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي سلطت انتقاداته لفرنجية ولحزب الله الضوء مبكرا على اتجاه الجماعة الشيعية لدعم زعيم تيار المردة. ويمنح هذا القرار فرنجية دعما مهما، لكنه لا يؤمن له على الفور ما يكفي من الأصوات في المجلس النيابي ليتم انتخابه رئيسا، بينما فشلت الكتل البرلمانية في 11 جلسة في الاتفاق على مرشح توافقي. ويشكل هذا الدعم في الوقت ذاته إعلان فك ارتباط بالتيار الوطني الحر بعد سنوات من التحالف وسط توترات لم تهدأ حرص حزب الله على إبقائها مكتومة، لكن باسيل استبق فك الارتباط بهجمات مسترسلة على الجماعة الشيعية واتهمها في وقت سابق من العام الماضي حين حشدت لاجتماع مجلس الوزراء دون موافقة واتفاق مع التيار، بطعن التحالف في الظهر. وبهذا الإعلان يكون الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) قد فتح باب المواجهة مع التيار الوطني الحر، فقد سبق لرئيس مجلس النواب رئيس حركة أمل نبيه بري أن أعلن تزكيته لترشيح فرنجية، بينما يخوض معركة أخرى في مواجهة المعارضة بقيادة سمير جعجع زعيم القوات اللبنانية وهي الجبهة التي رشحت في السابق ميشال معوض أحد ألد أعداء حزب الله والتي تقل مصادر إنه مقرب من الولايات المتحدة وهو الذي يرفع شعار حصر السلاح بيد الدولة على خلاف مواصفات يطرحها ويتمسك بها الثنائي الشيعي تشدد على ضرورة أن يكون المرشح للرئاسة داعما وحاميا لـ'المقاومة' وسلاحها. ويأتي اعلان حزب الله بعد إعلان بري بينما يعيش لبنان شغورا في منصب الرئاسة منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما عمق الأزمة الاقتصادية وسط تحذيرات من انهيار شامل للدولة التي انفتحت على أكثر من شغور في أشهر قليلة، فإلى جانب الشغور الرئاسي، انتهت عهدة مدير الأمن العام اللبناني بينما يستعد حاكم المصرف المركزي رياض سلامة لمغادرة منصبه على رأس حاكمية المصرف، في حين لا تتمتع حكومة تصريف الأعمال بصلاحيات تتيح لها إدارة البلاد. وقال نصرالله في كلمة ألقاها عبر الشاشة خلال احتفال حزبي تكريما لجرحى حزبه وأسراه "المرشح الطبيعي الذي ندعمه في الانتخابات الرئاسية ونعتبر أنّ المواصفات الني نأخذها بعين الاعتبار تنطبق عليه هو الوزير سليمان فرنجية". وشدد نصرالله على أن فرنجية هو مرشح يدعمه حزب الله، لكنه ليس مرشّح الحزب، مضيفا "نريد جديا انتخاب رئيس للجمهورية ولا نريد الفراغ"، مضيفا "يهمنا أن يكون هناك رئيس لا يطعن ظهر المقاومة". وهذه المرة الأولى التي يعلن فيها حزب الله القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، تأييده بشكل علني وصول فرنجية إلى سدة الرئاسة وإن كان يتردد منذ أشهر أنه مرشحه غير المعلن وسيعمل على عرقلة إتمام العملية الانتخابية لضمان إيصاله. وقال نصرالله "لا نقبل أن يفرض رئيس من الخارج على الشعب اللبناني ولا نقبل فيتوهات خارجية على أي مرشح". وفي 2016 وصل الرئيس السابق ميشال عون الذي يعدّ من أبرز حلفاء الحزب المسيحيين، إلى رئاسة الجمهورية بعد شغور استمر عامين ونصف العام، واستنادا إلى تسوية سياسية بين الحزب وخصومه. وأقر نصرالله الاثنين بأن حزبه وحلفاؤه عطلوا حينها النصاب حتى انتخاب عون. وفرنجية (57 عاما) هو نائب ووزير سابق، يُعد من بين حلفاء حزب الله البارزين. وهو صديق شخصي للرئيس السوري بشار الأسد. وغالبا ما يُطرح اسمه كمرشح عند كل استحقاق رئاسي. ومع إعلان الحزب دعمه، أصبح فرنجية المرشح الثاني للرئاسة بعد النائب ميشال معوض (50 عاما) الذي أعلن خوضه السباق ويصفه حزب الله بمرشح "تحد" نظرا لقربه من الأميركيين. ومعوّض وفرنجية يتحدران من منطقة زغرتا ذات الغالبية المسيحية المارونية في شمال لبنان. ولا يملك أي منهما حتى الآن أكثرية تضمن وصوله إلى البرلمان. ونال معوّض في جلسات سابقة تأييد العديد من الكتل المناهضة لحزب الله بينها القوات اللبنانية أبرز الأحزاب المسيحية والكتائب اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وبعض المستقلين. وحذر زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قبل أيام من أنه في حال تمكن حزب الله من جمع الأصوات الضرورية لانتخاب فرنجية "سندخل في عزلة عربية أعمق"، في إشارة على الأرجح إلى السعودية، التي طالما لعبت دورا بارزا في دعم لبنان، وترجح تقارير أنها تعارض انتخاب مرشح قريب من حزب الله. وأكد جعجع أن كتلته ستقاطع في هذه الحالة جلسة الانتخاب. ومنذ 19 يناير/كانون الثاني لم يحدّد بري موعدا لجلسة انتخاب جديدة. وتدعو دول عدة على رأسها فرنسا والولايات المتحدة إلى الإسراع في انتخاب رئيس على أمل أن تبدأ البلاد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. ويعتبر منصب الرئاسة عقدة تاريخية لازمت انتهاء ولاية كل رؤساء لبنان تقريبا، فما أن تنتهي ولاية الرئيس حتى تبدأ معارك سياسية بين القوى المتضادة والتي تتنازع النفوذ في بلد أرهقته الصراعات ودفعته لحافة الانهيار مع استشراء الفساد والإفلات من العقاب والمحاسبة. وتبقى صناعة رئيس للبنان قضية عالقة في معادلة مربكة بسبب حالة التضاد السياسي داخليا وتأثيرات خارجية، فيما بدأت ملامح المعركة تتضح أكثر وسط خلاف مستحكم بين الثنائي الشيعي وخصومه من الطرف الآخر. وفي ظل فشل القوى المناوئة لحزب الله في إيصال مرشحها ميشال معوض للرئاسة وحشد الدعم المطلوب برلمانيا، فإن البحث عن مرشح آخر لمنافسة فرنجية يُبقي الباب مفتوحا على كل الاحتمالات بما في ذلك الدفع لخيار التسوية أي ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون وهو خيار ربما يكون مدعوما من أطراف محلية حليفة للقاء باريس. وعلى ضوء هذه التطورات يبقى التيار الوطني الحر وحيدا في مواجهة حزب الله وحلفائه وحزب القوات اللبنانية وحلفائه والشق الذي يدفع للخيار الثالث (مرشح التسوية)، بينما يبدو أنه يراهن على صدام بين هذه الأطراف تجعله أكثر وزنا وتماسكا. وفي مقابل بحث التيار الوطني الحر عن ثغرة تعيده لسباق الرئاسة، تراقب بكركي التطورات لتشكيل تصور واضح يسمح للبطريرك بشارة الراعي بالتدخل أكثر، في حين كانت نتائج الجولات السابقة لمبعوثه المطران طوني أبي نجم على الأطراف المسيحية، محبطة، وفق تقديرات 'الأخبار' اللبنانية.
مشاركة :