بيروت - يوحي حراك سياسي في لبنان بأن عقدة الشغور الرئاسي ستنتهي قريبا مع اتفاق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع قوى المعارضة التي يقودها حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، على ترشيح وزير المالية الأسبق جهاد أزعور للرئاسة ودعوة نبيه بري رئيس مجلس النواب لعقد جلسة في 14 يونيو/حزيران لانتخاب رئيس للبلاد، لكن في الواقع يبدو أن عقدة الشغور ستستمر بلا حلحلة مع تلويح الثنائي الشيعي بورقة التعطيل. وقد انضمت حركة أمل التي يقودها بري إلى حليفها حزب الله في انتقاد ترشيح المعارضة لأزعور والتلويح بتعطيل هذا الترشيح مع تمسكهما بترشيح سليمان فرنجية زعيم تيار المردة للمنصب الذي غالبا ما يثير مع انتهاء كل ولاية رئاسية، أزمة وسجالات سياسية. وقد اتّهمت حركة أمل اليوم الاثنين القوى السياسية التي رشّحت أزعور، بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، مجددة تمسّكها بترشيح فرنجية. واعتبرت في بيان صادر عن مكتبها السياسي أن "الترشيح الأخير لتجمع الأضداد الذين عبّروا من خلاله بوضوح عن التقاطع المصلحي والظرفي التكتيكي عليه، يُعبّر عن موقف التعطيل والتخريب الفعليين وممارسة التحدي السياسي بهدف إسقاط ترشيح الوزير سليمان فرنجية وهذا إنما يدل على الاستخفاف والنرجسية وللذين يمعنون في سياسة هدم الهيكل برمّته كرمي لمصالحهم الشخصية". وتلتقي حركة أمل في هذا الموقف مع حزب الله الذي دعا القوى السياسية لتقديم مرشحها والحوار حول ذلك قبل عقد جلسة برلمانية، معتبرا أن فرنجية هو الخيار الأصلح ومحل توافق اذا كان الهدف السير باتجاه إنهاء الشغور الرئاسي. وقالت الحركة التي يقودها رئيس مجلس النواب "إننا من موقع مسؤوليتنا الوطنية وإيماننا بالثوابت والعناوين التي نحملها كفرصة لنهوض لبنان، متمسكون بخيارنا وحقنا الدستوري في التعبير عنه مع الحلفاء والمؤمنين بالمصلحة الوطنية وهو ليس موجها ضد أي مكوّن وطني أو طائفي، بل حماية لوحدة الوطن والعيش المشترك". وتابعت في تعليقها على دعوة بري لعقد جلسة لمجلس النواب "دعوة الرئيس نبيه بري إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية هي الرّد الواضح على كل المشكّكين والاتهامات المفتعلة حول الدور الوطني المسؤول للرئيس بري وحرصه على احترام الأصول الدستورية والمقاربة الواقعية لهذا الملف". وتشير هذه التطورات إلى مواجهة مرتقبة بين الفريقين وإلى احتمال كسر النصاب القانوني لدفع جلسة انتخاب رئيس للجمهورية إلى متاهة التأجيل، بينما سبق للبرلمان اللبناني أن عقد 11 جلسة انتهت كلها بالفشل بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني وهي ورقة تلعبها كل القوى الفاعلة والوازنة حين لا يتوافق الأمر مع مصالحها وتطلعاتها. ويرخي العناد الذي أصبح سمة بارزة في المشهد السياسي اللبناني وحالة الشد والجذب بين القوى المتضادة، بظلال ثقيلة على أي جهد لحل الأزمة وهو في النهاية بات محركا للمواجهات بين الفريقين إذ يتمسك كل فريق برأيه ويصر على أن طروحاته هي الأقرب والأفضل للخروج من مأزق الشغور. ولم يكن ضمن حسابات الثنائي الشيعي على ما يبدون أن يخرج التيار الوطني الحر عن مسار التسوية رغم الخلافات المعلنة التي تجلت في خطاب جبران باسيل قبل أشهر حين وجه انتقادات عنيفة لحزب الله بعد أن كسر تعهده بعدم دعم عقد جلسة لمجلس الوزراء برئاسة نجيب ميقاتي وهي الجلسة التي شككت القوى المعارضة وحزب باسيل في دستوريتها باعتبار أن الحكومة القائمة حكومة تصريف أعمال. وبعثر انضمام باسيل لقوى المعارضة في الاتفاق على ترشيح أزعور، أوراق الثنائي الشيعي، ما يفسر عودته لإشهار ورقة التعطيل. وإلى حد الآن يبدو جهاد أزعور الغائب الحاضر في مزاد الترشيحات والمواجهات بين الفريقين، اذ لم يعلن موقفه رسميا في الوقت الذي تقول فيه مصادر محلية إنه ربما بصدد استكمال سلسلة مشاورات مع النواب وأنه يضع في الوقت ذاته موقعه الوظيفي كمسؤول كبير في صندوق النقد الدولي في الاعتبار. ونقلت مصادر عن نبيه بري قوله إنه يخشى من تبدلات في المواقف الإقليمية والدولية لجهة دعم أزعور وهو ما يعتبره تدخلا خارجيا في الشأن اللبناني. ويتخوف الثنائي الشيعي من موقف أطراف لقاء باريس في هذا الاتجاه فيما يعتقد أن الولايات المتحدة تدعم ترشيح مرشح المعارضة في مواجهة مرشح حزب الله. ومصدر مخاوف الثنائي الشيعي تتعلق أساسا بالموقفين الفرنسي والسعودي، فعمليا معلوم أن واشنطن تعترض على أي مرشح مدعوم من الثنائي لاعتبارات العداء المعلومة، بينما رفعت الرياض الفيتو عن ترشيح فرنجية الذي كان مدعوما أيضا من فرنسا واختارت أن تكون خارج أي تسوية وتركت الأمر للفرقاء اللبنانيين للتوافق على من يرونه الشخصية المناسبة لرئاسة لبنان. وتشير المصادر إلى أن موقف فرنسا لا يزال على حاله من دعم فرنجية، لكن الثنائي الشيعي يتوجس من أن تمارس أطراف دولية وإقليمية دورا ضاغط لإقناع النواب المترديين للتصويت لصالح أزعور. ويترقب اللبنانيون موقف نواب كتلة وليد جنبلاط حيث من المقرر أن يعقدوا الثلاثاء اجتماعا تشاوريا حول دعم أزعور من عدمه، بينما تسود حالة انقسام بين نواب مستقلين بين مؤيدين ورافضين لهذا الترشيح. وعقدت آخر جلسة برلمانية لانتخاب رئيس للجمهورية في 12 يناير/كانون الثاني الماضي، وبعدها توقفت الجلسات بسبب خلافات بين القوى السياسية حول موصفات المرشحين. وتأتي هذه الخطوة عقب ساعات من إعلان 32 نائبا من قوى المعارضة والتغيير في لبنان، دعمهم ترشيح وزير المالية الأسبق جهاد أزعور ليكون رئيسا للبلاد. وتتألف قوى المعارضة من كتل نيابية عدة أبرزها 'الجمهورية القوية' و'الكتائب" و'تجدد' وشخصيات مستقلة، بينما انبثقت قوى 'التغيير' عن الاحتجاجات التي شهدتها بيروت عام 2019. والسبت، أعلن رئيس حزب التيار الوطني الحر (18 مقعدا) جبران باسيل، أنه سيصوت لجهاد أزعور في أي جلسة انتخاب مقبلة للبرلمان. وحسب المادة 49 من الدستور اللبناني، يُنتخب رئيس الجمهورية في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين 86 نائبا (من أصل 128) ويُكتفي بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية. وكانت تقارير صحفية لبنانية أشارت سابقا إلى أن اسم فرنجية مطروح من قبل الإدارة الفرنسية لا سيما الرئيس إيمانويل ماكرون، إلا أن أكبر كتلتين مسيحيتين في لبنان لم تؤيد دعم فرنجية للرئاسة. ومنذ سبتمبر/أيلول 2022، فشل البرلمان اللبناني في 11 جلسة بانتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022. وإلى جانب الأزمة السياسية، تعصف بالبلاد أزمة اقتصادية حادة منذ 2019 أدت إلى انهيار مالي وتدهور معيشي، فيما تسعى بيروت إلى عقد اتفاق مع صندوق النقد للتوصل إلى برنامج اقتراض لإنقاذ البلاد من الانهيار المالي.
مشاركة :