يتساءل بعض المراقبين لماذا انتظرت بكين عاماً كاملاً قبل أن تطرح مؤخراً خطتها لإنهاء الحرب في أوكرانيا؟ هل مثلاً كانت تنتظر أن تحسم روسيا الأمر سريعاً؟ أم أنها انتظرت حتى باتت الحرب تؤثر عليها اقتصادياً وتجارياً؟ لا أحد يعلم الإجابة إلا القيادة الصينية نفسها. فعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء أوروبيين آخرين شجعوا الصين في العام الماضي على التوسط في النزاع باعتبارها دولة كبرى تحظى بعلاقات وثيقة مع طرفيه، إلا أن ذلك لم يقابل وقتها بحماس من قبل العملاق الصيني الذي انتظر حتى الأسبوع قبل الماضي ليطرح خطة سلام من 12 نقطة. لكن يبدو أن هذه الخطة، التي حاولت أن تمنح طرفي النزاع بعض المكاسب لكي لا يتم رفضها، تواجه عوائق كثيرة، أولها إصرار أوكرانيا على مواصلة الحرب حتى استرداد آخر بوصة من أراضيها، ناهيك عن أنها ترى في الصين دولة غير محايدة، ولعل ما زاد الأمر تعقيداً أن وزير الخارجية الصيني حمل خطة السلام إلى موسكو ولم يزر كييف لعرضها على قادتها. وثانيها مواصلة واشنطن تقديم دعمها العسكري لأوكرانيا دون تردد واستحالة أن تسمح الإدارة الأمريكية للصين تحقيق نصر دبلوماسي يبرزها كقوة سلام عالمية، خصوصاً مع اتهام وزير خارجيتها أنتوني بلينكن للصين بالقيام بدور مزدوج يتمثل في طرح مبادرة سلام من جهة والاستعداد لتزويد الروس بالسلاح من جهة أخرى. وثالثها تأكيدات موسكو بأنها لا تقاتل الأوكرانيين وإنما تقاتل الغرب بأكمله حماية لحدودها ووجودها. والحقيقة أن الصين نفسها لم تكن واثقة من نجاح خطتها بدليل ما قالته صحيفتها الناطقة بالإنجليزية والمملوكة للحزب الحاكم (غلوبال تايمز) من أن إنهاء الحرب يعتمد أولاً وأخيراً على مدى استعداد طرفيها الأوكراني والروسي للجنوح إلى السلم، وأن أجواء الاستعداد لتفاوضهما غير ناضجة ولا تزال بعيدة، ملقية السبب على تدخلات واشنطن ودول حلف الناتو. والحقيقة الأخرى أن الخطة الصينية من وجهة نظر عدد من المراقبين تحتاج إلى التوضيح، الأمر الذي سمح لكل طرف من أطراف النزاع أن يأخذ منها ما يناسبه فقط. فقد طابت للأوكرانيين مثلاً الفقرة التي تتحدث عن وجوب حماية سيادة واستقلال وسلامة أراضي جميع الدول وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة. أما الروس فقد سعدوا بعدم تطرق الخطة الصينية صراحة إلى ضرورة انسحابهم من منطقة دونباس وغيرها من تلك التي يطالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي روسيا بإخلائها كشرط لدخوله في مفاوضات سلام معها، وسعدوا بتشييدها على أخذ المخاوف الأمنية لكل الدول على محمل الجد ووقف العقوبات الأحادية. ولعل ما أسعد الروس أكثر أن الخطة الصينية ألقت، في فقرات عديدة، باللائمة لكل ما جرى ويجري في أوكرانيا على الولايات المتحدة وحلف الناتو مع انتقاد لاذع لتسببهما في الصراعات وتصعيد الموقف وفرض العقوبات الاقتصادية وتوسعة الكتل العسكرية بحجة ضمان الأمن الإقليمي. والمعروف أن شيئاً من هذا ورد أيضاً في كلمة السفير الصيني لدى الأمم المتحدة في 23 فبراير الماضي حيث قال: إن على الدول المعنية أن تتوقف عن إساءة استخدام العقوبات الأحادية و«الولاية القضائية طويلة المدى»، وأن تفعل شيئاً مفيداً لتخفيف التوترات. والجدير بالذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت مؤخراً قراراً غير ملزم يدعو روسيا لسحب قواتها من أوكرانيا، وقد حصل القرار على موافقة 143 دولة، بينما صوتت ضده روسيا وبيلا روسيا ونيكاراغوا وسوريا وكوريا الشمالية وأريتريا ومالي. أما الصين، ومعها الهند وفنزويلا وإيران فقد امتنعت عن التصويت. وقد فسر البعض هذا الموقف الصيني آنذاك بأنه موقف محايد تتطلبه خطة صينية متوقعة لإنهاء الحرب، وأنه أيضاً بمثابة تفنيد لمزاعم الأمريكيين بأنها تؤجج الصراع من خلال إرسال الأسلحة إلى روسيا. هذه المزاعم التي سخر منها البعض بقوله: إن بكين أذكى من أن تورط نفسها في حرب مجهولة النتائج لا علاقة لها بها، فيقوم الغرب بفرض عقوبات مشددة عليها تحرمها من تجارتها مع أوروبا والولايات المتحدة التي تبلغ قيمتها تريليون دولار. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :