في عام 2017، قرر جيلي تسيري، أول طالب جامعي من قرية أبولوها الجبلية في مقاطعة سيتشوان جنوب غرب الصين، التخلي عن وظيفته والعودة إلى مسقط رأسه. وبصفته أمين فرع القرية للحزب الشيوعي الصيني، قاد جيلي تسيري السكان المحليين في مكافحة الفقر والسعي لتحقيق حياة مزدهرة. وبعد سنوات من الجهود التي بذلها جيلي تسيري وزملاؤه القرويون، تم ربط المدينة التي كانت معزولة ذات يوم بالعالم الخارجي بطريق معبدة، وتم تحسين مستوى معيشة الناس بشكل كبير. والآن، الشاب، المولود في عام 1995 ومن مجموعة يي العرقية، موجود في بكين لحضور المجلس الوطني الـ14 لنواب الشعب الصيني، حيث سيناقش هو ونواب آخرون في المجلس ويقررون كيفية تحقيق حياة أفضل للشعب الصيني. وبينما يتابع المراقبون العالميون عن كثب فعاليات المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، والمعروفة باسم “الدورتين”، توفر تجربة جيلي تسيري لهما منظورا شخصيا لفهم الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية في الصين بشكل أفضل. السلطة في أيدي الشعب قال إريك بيغون، وهو صحفي في هيئة الإذاعة الكينية، “كنت أتابع الدورتين العام الماضي. كان هناك سائق من بين النواب المعينين للمشاركة في تلك الهيئة. كان هناك عمال توصيل وفلاحون ومعلمون وطهاة وأطباء وصحفيون، لا يصلون عادة إلى مؤسسة يتم فيها سن القوانين”، معربا عن إعجابه العميق بالتمثيل الواسع للنواب. وأضاف “ما يلفت انتباهي عندما يتعلق الأمر بالصين وسياستها هو أن (الصينيين) اختاروا طريقا يميل إلى جعل الشعب في مركز صنع القرار”. عند الحديث عن “الدورتين” في الصين، فإن العديد من المراقبين الأجانب مثل بيغون يذكرون بشكل عفوي التمثيل الواسع، والذي يحتل مكانة بارزة في الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية في الصين. ومن وجهة نظرهم، فإن التمثيل الواسع شرط أساسي لضمان أن يكون الشعب هو سيد البلد. ويشكل نواب المجلس الوطني الـ14 لنواب الشعب الصيني البالغ عددهم 2977 نائبا قطاعا عريضا من الشعب، حيث يوجد في كل منطقة ومجموعة عرقية وقطاع من المجتمع عدد مناسب من الممثلين. في التشكيلة الجديدة، 497 نائبا من العمال والفلاحين، و634 من الموظفين الفنيين، بحيث يمثلون 16.69 في المائة و21.3 في المائة على التوالي. وينتمي أعضاء المجلس الوطني الـ14 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني البالغ عددهم 2172 عضوا إلى جميع المجموعات العرقية الصينية البالغ عددها 56 مجموعة، و60.8 في المائة منهم ليسوا أعضاء في الحزب الشيوعي الصيني. وقال ضياء بانداي، كبير الباحثين في المعهد الباكستاني لاقتصاديات التنمية، إن النواب وأعضاء “الدورتين” في الصين يمثلون مصالح الشعب. وذكر أنهم يستعدون لفترة طويلة كل عام، ويطرحون الآراء والاقتراحات، ويجرون المداولات والمناقشات، ويقدمون أفكارا لسبل العيش الوطنية والشعبية، مضيفا أن هذا النموذج الفريد يضمن أن “الدورتين” يمكن أن تعكسا بشكل كامل صوت الشعب الصيني. وأشار روني لينز، مدير المركز الصيني البرازيلي للبحوث والأعمال والخبير البارز في آلية صنع القرار في الصين، إلى أن عملية صنع القرار في “الدورتين” مفتوحة أمام جميع الصينيين والأصدقاء المهتمين بالتنمية الشاملة للبلاد. وقال “أعتقد أن النتائج التي حققتها الصين في السنوات الأخيرة تظهر أن العملية واسعة في الرأي وفعالة في النتائج. الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد تتحدث عن نفسها”. من الشعب ولأجل الشعب في كل عام، تكون الموضوعات التي تُناقش ضمن فعاليات “الدورتين” في الصين دائما محور الاهتمام الدولي. وقال باتريسيو غوستو، مدير المرصد الصيني الأرجنتيني، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن التنمية ومعيشة الشعب دائما ما كانتا قضيتين مهمتين في “الدورتين” بالصين، مما يعكس تماما أهمية “الشعب” في الديمقراطية الاشتراكية في الصين. في العام الماضي، تم إجراء 92 تغييرا على تقرير عمل الحكومة بناء على الاقتراحات التي قدمها نواب المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني وأعضاء المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. وتعاملت المكاتب والإدارات التابعة لمجلس الدولة مع 8721 اقتراحا من نواب المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني و5865 مقترحا قدمها أعضاء المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهو ما يمثل 94.8 في المائة و95 في المائة من إجمالي عدد الاقتراحات والمقترحات على التوالي. وأشار سوماد فولسينا، نائب رئيس الجمعية الوطنية في لاوس، إلى أن القادة الصينيين لا يتواصلون فقط مع نواب المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني وأعضاء المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني خلال “الدورتين”، وإنما هم يجرون أيضا في كثير من الأحيان أبحاثا على المستوى الشعبي، مما يبين أن أفكار وشواغل الشعب الصيني موجودة في قلب الحزب الشيوعي الصيني في جميع الأوقات. وذكر أن الحزب الشيوعي الصيني والحكومة يقدمان دائما استجابات سياساتية مدروسة وعلمية لاحتياجات الشعب ونداءاته من خلال التفكير الجماعي، قائلا إن الديمقراطية الشعبية ذات العملية الكاملة في الصين تدمج الديمقراطية الموجهة نحو العملية مع الديمقراطية الموجهة نحو النتائج، والديمقراطية الإجرائية مع الديمقراطية الموضوعية، والديمقراطية المباشرة مع الديمقراطية غير المباشرة، والديمقراطية الشعبية مع إرادة الدولة. وتمت دعوة جان كريستوف إيزو فون بفيتن، رئيس معهد الدراسات الإستراتيجية بين الشرق والغرب في بريطانيا، من قبل عمدة تشانغتشون آنذاك ليكون عضوا مدعوا بشكل خاص في المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. وبصفته متابعا لشؤون الصين منذ فترة طويلة، قال بفيتن لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه من خلال تجربته الشخصية، وجد أن الممارسة الديمقراطية في الصين مكرسة لحل المشكلات العملية، حيث شهد كيف ركزت الدورتان المحليتان على معالجة القضايا المتعلقة بالزراعة والمناطق الريفية والفلاحين. كما شارك الخبير المخضرم في شؤون الصين في المناقشة بخبرته في العمل في منظمة التجارة العالمية. وقال محمد أصغر، المراسل الخاص لوكالة ((أسوشيتد برس)) الباكستانية في الصين، إن نواب المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني وأعضاء المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني سيراجعون تقرير عمل الحكومة الذي تم تسليمه في بداية الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، وسيجرون تعديلات ويقدمون مقترحات واقتراحات جديدة ويجعلونه وثيقة مفيدة للغاية. وأوضح أصغر أنه لذلك، فإن “الدورتين” مهمتان للغاية لأنهما تضعان السياسات والخطط للعام المقبل، لافتا إلى أنهما تنفذان جميع الخطط التي تكون دائما مفيدة جدا للشعب. وعبر تجميع الحكمة والسعي إلى تحقيق المنافع للجميع، لا يمكن فصل التنمية الاقتصادية والاجتماعية السريعة والحوكمة الفعالة في الصين عن الديمقراطية الشعبية ذات العملية الكاملة. وأفاد غوستو، الخبير الأرجنتيني، أن الحقيقة هي أنه مع هذا النظام السياسي، حققت الصين أداء جيدا للغاية من حيث التنمية الاقتصادية والرعاية الاجتماعية عموما، وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم. مسار جديد للديمقراطية وقال تشيا مونيريث، رئيس جمعية باحثي التطور الصينية الكمبودية، “لقد زرت الصين عدة مرات. وأدرك أن تقدم الصين ليس أمرا من قبيل الصدفة. ويرجع ذلك إلى وحدة الشعب الصيني، إلى جانب رؤية قيادة الحزب الشيوعي الصيني”. ومستذكرا زيارته إلى شيشوانغبانا في مقاطعة يوننان جنوب غرب الصين، ذكر مونيريث “رأيت روح التنمية في صورة قوة الشعب الموحدة، وهي شكل من أشكال الديمقراطية ذات الخصائص الصينية. إذ أن تنمية القرى هي قرار الشعب في القرية وبالتشاور والتوجيه من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني المحليين”. وأضاف “أبديت دائما إعجابي بهذه الصورة وشاركتها مع القرويين في كمبوديا، وتحدثت دائما مع المسؤولين الحكوميين وأصدقائي في كمبوديا حول هذا الشكل الجيد من الديمقراطية”. ويتبنى النموذج الديمقراطي الصيني النمط نهجا يتميز بالديمقراطية التشاورية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. وهذا النظام، الذي يسعى إلى توحيد شعبه من أجل هدف مشترك، يثبت أنه قصة نجاح ويشكل نموذجا ملهما للبلدان النامية الأخرى. وأوضح الصحفي الباكستاني أن الديمقراطية الصينية انتشلت 800 مليون شخص من براثن الفقر وساهمت في إنشاء البنية التحتية والأنظمة الصحية التي تفيد الشعب الصيني. وأضاف أصغر “أعتقد أن النظام الديمقراطي الصيني أصبح نموذجا للعديد من البلدان”. بالنسبة لمونيريث، الذي كان ذات يوم رئيس فريق الترجمة للنسخة الكمبودية من كتاب “شي جين بينغ: حول الحكم والإدارة”، فإن أكثر ما أثار إعجابه في النظام الديمقراطي في الصين هو أن الحزب الشيوعي الصيني دائما ما يضع الشعب في المقام الأول. وأفاد أنه “بصفته الحزب الحاكم، يمثل الحزب الشيوعي الصيني مصالح الشعب، وجميع السياسات تضع مصالح الشعب في المقام الأول”. وفي إشارة إلى وجود أنواع مختلفة من نماذج النظام الديمقراطي، أكد بفيتن أن الديمقراطية التشاورية الاشتراكية الصينية تقدم طريقة راقية لمعالجة التناقض بين المساواة والحرية. ويقوم الباحث البريطاني بتأليف كتاب عن الديمقراطية الصينية، يشرح فيه إنجازات الديمقراطية الصينية للقراء بناء على تجربته الفردية في الصين. وقال سوماد فولسينا، نائب رئيس الجمعية الوطنية في لاوس، إن الطرح المبتكر للديمقراطية الشعبية ذات العملية الكاملة يظهر ثقة الحزب الشيوعي الصيني بنفسه، ويقدم رؤى جديدة للبناء الديمقراطي في الدول الأخرى.
مشاركة :