كريد 3 .. استحضار الماضي يعيده إلى حلبة المنافسة

  • 3/9/2023
  • 00:06
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الملاكمة، رياضة قتالية تفرض نفسها بقوة في صالات العرض السينمائية وتشغل اهتمام فئة كبيرة من عشاق أفلام الحركة، ولا سيما أنها تجسد في معظمها قصة المواجهات شبه المستحيلة التي يصعب أحيانا كثيرة التغلب عليها، ما يدفع بالبطل إلى استنفاذ عزيمته عبر استحضار الحاجة والرغبة في النجاة والتغلب على من يحدق به ويعمل جاهدا على تدميره، وهذه الرغبة في البحث عن الانتصار الذي غاب لأعوام، حقيقة يعيشها عديد من الأشخاص في مختلف المجتمعات والمناطق، وهذا الشعور بالفوز بعد أن تستنزف الهزيمة ما تبقى من إرادتنا هو بمنزلة إتقان للعبة وترويض طاقتنا والنهوض بها للتغلب على التحدي الذي يواجهنا. كريد في أجزائه الثلاثة جاء بمنزلة امتداد لسلسلة روكي التي قدمت للجمهور النجم سيلسفتر ستالون، الذي سجل بدوره حضورا قويا في الجزأين الأول والثاني بينما غاب عن الجزء الثالث، الذي تدور أحداثه في إطار درامي، ويتناول حياة بطل الملاكمة (أدونيس كريد) ومبارياته الملهمة، بعد أن عاش الاستقرار واختار لنفسه سبيلا مختلفا، يجد نفسه ملزما بالانتقال من حياة التقاعد والعودة إلى الحلبة، لمواجهة نزال مصيري يستحضره ماض مؤلم. في كريد3 يخوض مايكل بي جوردن بطل السلسلة الناجحة تجربته الإخراجية الأولى بنجاح، ويلهب شباك التذاكر عالميا، ليسطر تجربة فريدة من نوعها، كان فيها الممثل والمخرج. العودة بعد انتصاراتها الملحمية وحصده لقب بطل للوزن الثقيل يتقاعد أدونيس كريد "دوني" (مايكل بي. جوردان)، ويضع قفازاته جانبا ويصب تركيزه على حياته التي يتصدرها ناديه الرياضي الناجح الذي يكرسه لتدريب الملاكمين الصاعدين، وزوجته بيانكا التي تلعب دورها (تيسا طومسون) وابنته أمارا (ميلا ديفيس-كينت) التي أدت دورها ببراءة مقنعة، لكنه فعليا لا يزال في دائرة ضوء الشهرة بعد أن خاض نزالات أسطورية (في الأجزاء السابقة) وعرفه الناس بموجبها. لم تدم حياة التقاعد طويلا وسرعان ما يجد دوني نفسه ملزما بالعودة إلى الحلبة وقبول مواجهة لم تكن في الحسبان، عندما يعود من الماضي صديق طفولته داميان الذي يجسد دوره النجم (جوناثان ماجورز) بعد أن قضى فترة طويلة في السجن من أجل حماية دوني من خطأ أهوج ارتكباه في مرحلة المراهقة، وتحمل داميان اللوم برمته ولم يأت على ذكر اسم صديقه المقرب في التحقيقات، تحمل عبء الجريمة التي ارتكباها وأمضى أعوام شبابه في السجن بينما كان دوني يحقق حلمه بالاستقرار والعائلة والشهرة ويفوز بحب وتعاطف الجميع. عاد لينتقم، مواجهة مصيرية تجمع ألم الماضي مع تغيرات الحاضر، في إطار تشويقي لافت، تعيد دوني إلى نقطة البداية حين قرر أن يكمل الدرب وينافس من كان سببا في قتل والده في الجزء الأول. الضربة القاضية يبدأ الفيلم بمشاهد فلاش باك تعيدنا إلى 2000 في مدينة لوس أنجلوس حين حاول الشاب أدونيس "دوني" وصديقه الأكبر سنا داميان إبراز أسمائهم على ساحة الملاكمة المحلية، بهدف الوصول إلى الاحترافية. في ذلك الوقت كان داميان هو النجم الصاعد، تسلط عليه الأضواء وينال إعجاب الجميع، ملاكم قوي ومعروف بصاحب الضربة القاضية. في مساء حالك السواد وخارج متجر صغير يقع خلاف بسيط سرعان ما يتحول إلى عنف دموي، تتلبد الأجواء وتتوالى الأحداث، ويختار أدونيس حينها الهرب بينما يلقى داميان مصير السجن. حياة رغيدة ومفعمة وثرية لدوني الذي يعيش في بيت الأحلام على تلال لوس أنجلوس مع زوجته المغنية المشهورة وابنته الرائعة، تقابلها حياة قاسية ووحدة قاتلة داخل جدران السجن لداميان الذي يستغل وقته في التمرين ورفع الأثقال، وتعزيز الرغبة في الانتقام واستعادة أمجاد ضربته القاضية، واستعادة حياته التي سلبت منه، ما يدفعه بالعودة بشكل مفاجئ إلى هذه الرياضة باحثا عن فرصة للملاكمة داخل حلبة كريد. تسلب منه هفوة الماضي رفاهية الحاضر ويجد دوني نفسه أمام مواجهة لا يمكن تجاهلها، يجب أن يخوض كلاهما قتالا متعدد الأبعاد النفسية والعاطفية، وعليه أن يقاتل داميان العنيف صاحب اللكمات القاضية الذي ليس لديه ما يخسره. المخرج والممثل كريد 3 من تأليف ريان كوجلير وسيناريو زاك بالين، ومن إخراج بطله مايكل بي جوردن الذي صرح في عدة مقابلات أنه تأثر بأفلام الأنمي واستوحى منها الطريقة التي صمم بها النزالات في العمل، من جانب كيفية تعامله مع الحركة والانفعالات، حتى النزال النهائي عندما يختفي الصوت ويبعد مشهد الجمهور، ويبقى فقط الملاكمان يخوضان معركة شديدة. وتلك طريقة اتبعها سكورسيزي في فيلم ريجينج بول، إنها طريقة تجذب تركيز المشاهد وتستحوذ على حواسك لتركز على المشهد الأهم بلا مشتتات. يلقي مايكل بي جوردان بظله الخاص به في الفيلم الأول الذي يقوم بإخراجه، فيجلس على كرسي المخرج بثقة بطل في الوزن الثقيل، ويفاجئنا بتوجه جديد ومثير وخارج التوقعات. الشخصيات على الرغم من أن الشخصيات المحيطة بدوني تعمل بمنزلة محرك لحبكة قصته وصراعاته، إلا أنها ليست محدودة بهذا الدور. حيث إن كل شخصية تحصل على دورها الخاص في خدمة القصة التي يتم سردها. شخصية بيانكا للممثلة تيسا تومبسون على سبيل المثال موجودة بالفيلم لتمثل تحديا له، لكن يتم تصويرها أيضا على أنها شخص يتعامل مع مشكلات مماثلة بطريقة أفضل وأكثر فاعلية. كذلك داميان هو جزء من حياة أدونيس الذي يخفيه ولا يريد التحدث عنه، إنه الماضي الذي يجب أن يتعامل معه من أجل أن يكون لديه مستقبل، ويمثل جوناثان ميجورز بدور آندرسون داميان التحدي الأكبر والإضافة الأكثر روعة في العمل. نجح في التحول من صديق مقرب إلى منافس ماكر يريد الثأر ويبحث عن حياة أضاعتها ظلمة السجن وقضبانه الضيقة. المؤثرات البصرية تشكل المشاهد القتالية على حلبة المنافسة جزءا لا يتجزأ من نجاح العمل، ومع كريد 3 نجد طريقة مغايرة لتفاعل الكاميرا مع القتال، صورة مختلفة عن تلك التي عرفناها على مر الأعوام، مع أنها حافظت على ملامحها الوحشية والمثيرة المرتبطة بشكل مباشر بما يجمع بين المتبارزين، لكن هذه المرة لن نسمع همس روكي وإرشاداته التعليمية في أذن دوني عند كل استراحة، بل استبدل جوردان المخرج هذه الصورة بتقنيات تصويرية غريبة وجميلة وغير نمطية. إن المباراة الكبرى بين أدونيس ودايمان مبنية على مشاعر وغضب وذنب مكبوتين لأعوام طويلة، يأخذنا جوردان من الناحية البصرية إلى تلك اللحظة بطريقة لم تقترب منها السلسلة يوما، على خلفية موسيقى تصويرية نابضة بالحياة، تبدو منطقية وتتماشى تماما مع الشخصيات والقصة وهو ما يميز الفيلم عن الأفلام الأخرى التي جاءت قبله في السلسلة. خارج الحلبة وخارج القصة شكل حضور نجم الأكشن الأول في هوليوود سيلفستر ستالون في الجزأين الأول والثاني من سلسلة كريد إضافة مهمة، كونها جاءت لتكمل سلسة أفلام روكي التي اشتهر بها ستالون، وغيابه عن هذا الجزء فتح باب التساؤلات حول الأسباب التي أعاقت مشاركته، ويبرر غيابه بأن قصة العمل تم أخذها في طريق مختلف، وبعيدا تماما عن نظرته واتجاهه للفيلم، وعلى الرغم من أنه قد يكون هناك بعض الضجيج الذي يحدثه غياب سيلفستر ستالون، إلا أن كريد 3 لا يعاني ذلك، بل بسبب غياب ستالون تمكن جوردان من إضافة التوهج الخاص به بكل حرية.

مشاركة :