استحضار النموذج الذي يعيد الصواب إلى الضمير

  • 7/19/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

اعتبرت الباحثة والناقدة المغربية زهور كرام، في كتابها الجديد، الصادر مؤخراً «الفكر التنويري، في الرؤية المستقبلية عند المهدي المنجرة»، إنه ليس من السهل الكتابة عن فكر المفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة، لأننا نلتقي في سفرنا في تفكيره بِقِيَم قلَّما نصادفها في زمننا، قيم وأخلاقيات المثقف المنخرط في المعرفة فكراً وإدراكاً وسلوكاً ومعاملة وصياغة لأسئلة واقعية، أو ربما، لأن كتابات المنجرة، ليست من النوع المُهادن، ذلك الذي قد يُضيء مساراتنا في المعرفة، دون أن يستفز طبيعتها، إنها كتابات تعري قارئها، حين تُسائله عن دوره في موقعه، وعن صوته وكيف يُصرفه، وعن العلاقة بين أفكاره وسلوكاته. إنها كتابات فاضحة، ومدهشة في الوقت ذاته، لأنها كتابات صادمة، ولكن حالمة، يعبر واقعها عن التشاؤم، أو يدفع الواقع الذي تُفكر فيه إلى التشاؤم، لكن طريقة التحليل والتفكير تمنحها بُعداً مُتفائلاً، ليس بينها وبين الأفق عائقٌ، أو مُنحدرٌ، أو مانعٌ. يكفي، أن تكون وفياً لإنسانيتك، وأن تجتهد علمياً ومعرفياً، كي ترقى معاملاتك إلى أفكارك، حتى تُحقق هذا الأفق المستقبلي. كثيرة هي المداخل التي تستحق أن تكون بذرة بالغة الأهمية في غرس الأمل في زمن التشاؤم الذي نعيشه مع اللحظة العربية التاريخية، حيث اللبس هو سيد الزمن. متنوعة هي المداخل التي تقترح علينا وبالملموس والتجربة، كيف يمكن تحصين المستقبل من شر العنف، بتحليل الأحداث ومقارنتها، واستعمال العقل والاستفادة من تجارب التاريخ. كم هي مؤلمة بعض المداخل التي تجعلنا ننتبه إلى استعمارِنا من طرف الخوف والرعب، ويكون الوعي بهذا الاستعمار- ولو على المدى القصير- بداية للتحرر منه مستقبلاً. كيف تمكننا رؤية المنجرة من الانتباه إلى الفخ الإعلامي الذي ورَطنا في «إرهاب» لغوي-لساني، جعلنا نردد المفردات نفسها، نبلعها دون أن ندرك توابلها، وطعمها وتركيبتها.. تقول مؤلفة الكتاب: «كنتُ أشعر بمتعة بليغة. ربما، لكوني كنتُ أشعر أني أنتمي إلى هذا الفكر، وأؤمن بمنهجيته ورؤيته، ربما لأني أدافع عن مبدأ المصالحة بين الفكر والسلوك، وأؤمن بضرورة التوازي بين الفكرة وسلوكها لدى منتجها، ربما لأني وجدتُ بعضاً مما أعتقد به في تفكير «المنجرة»، وكنت أظن- أحياناً - أو أكاد، أن الأمر غير ممكنٍ، أو أنه من محض مثاليةٍ لم أتحرر منها. ربما، لهذه الأسباب، أو أخرى وجدتُ متعة بليغة في قراءة المنجرة، والكتابة عن تفكيره ورؤيته». اختار «المهدي المنجرة» أن ينشغل ويشتغل بالتربية والبحث العلمي والثقافة، أكثر من اهتمامه بالحقل السياسي، غير أن اهتمامه بهذه الحقول برؤية مستقبلية، كانت مقاربات للوجه الحقيقي للتدبير السياسي، فكان بذلك قلب السياسة، لكن من موقع المفكر في مساحاتها المتعددة والمتشعبة. لهذا، كان من أكثر الشخصيات تأثيراً، والدليل على ذلك، نفاد كتبه بمجرد صدورها. واعتبرت كتبه من أكثر المبيعات بين 1980 و1990 في فرنسا، كما نفدت نسخ طبعة أولى من كتاب له في يوم واحد. تأخذ الكتابة عن فكر المهدي المنجرة في الدراسات المُستقبلية، أبعاداً عديدة، يمكن اختزال بعضها في التالي: - كل ما يحدث في العالم اليوم، يُشعر الشعوب بالخوف. فكرة الرعب تنتشر عبر وسائل متعددة ومتنوعة، حتى صناعة الطائفية، والتطرف، وانتشار السلاح، وتفاقم الأمراض والإبداع في صناعة الفيروسات كلها مظاهر جديدة للتدبير السياسي العالمي. يكفي أن نتأمل _ بعيداً عن الانجراف وراء الإعلام _ تزامن مظاهر كثيرة في اللحظة التاريخية نفسها، حتى ندرك كم نحن موضوعات للإهانة والذل من طرف مدبري السياسة العالمية. وترى زهور كرام أن كتابات المهدي المنجرة، يمكن أن تتحول إلى ورشة بحث وتحليل الدراسات المستقبلية؛ لأن كتاباته ومحاضراته ولقاءاته الإعلامية والثقافية تتوافر على منهجية التحليل المستقبلي. ومن طريقة تحليله ورؤيته الاستباقية، يمكن الاستفادة. تقول المؤلفة: «إن هذا الكتاب جامع لأفكار المنجرة، أو أنه يُحيط بكل تصوراته ومنهجيته العلمية والفكرية في دراساته المستقبلية، إنما هو عبارة عن محاولة تُضاف إلى محاولات أخرى، تسعى من جهة أولى إلى تقديم الرؤية المستقبلية في فكر المهدي المنجرة، وإعادة الاعتبار إلى صوت مغربي يُشكل أحد أعمدة النخبة الفكرية المغربية التي سافرت بالعقل المغربي نحو آفاق إنسانية عالمية من جهة ثانية.

مشاركة :