«كوما سا فا» توقظ اللبنانيين من غيبوبة عميقة وتأتيهم بصحون طائرة

  • 2/5/2016
  • 00:00
  • 25
  • 0
  • 0
news-picture

وكأن الزمن عندما أراد أن يمرّ على المسرحي المخضرم سامي خيّاط كغيره من الناس، خاف من طاقاته الإبداعية الفنيّة فتراجع عن لمسه مكتفيا بأن يمرّ بموازاته. هذا الأمر لمسه جمهوره العريض في مسرحيته الجديدة «كوما سا فا». فلا شكل الرجل الخارجي المتميّز بتفاصيله المنمنمة، ولا بديهته أو حركته السريعتين على المسرح، استطاع أن ينتقص منهما الزمن ولو ملليمترا واحدا. بقي سامي خياط، كما هو، خفيف الظلّ أبدا، يشقلب الكلمات لتحمل أكثر من معنى، وليبث رسائله اللاذعة إلى من يهمّه الأمر، فسيخر من واقع مضحك مبكٍ وضع الابتسامة في خدمته. جمع سامي خيّاط مواهبه ليرسم الابتسامة على ثغر مشاهدها، فاستخدم عبارات تفهم على معنيين، ولوّنها بلغته المبهمة التي لا يمكنك فهمها إلا بالإشارات، وحرّك جسده الصغير بليونة لافتة، فقفز ورقص وكبّر حجم جسمه وصغّر، وصرخ وتمتم في لحظات قليلة، فكانت بعض من الإشارات المعبّرة عن موهبته الفذّة في عالم المسرح الكوميدي المحترف. «كوما سا فا» أو «coma ca va?» بالفرنسية، هي مسرحية من نوع الكوميديا «التيلا» تحضّرك لتضحك على طريقة «الكريشاندو»، بحيث تبدأ بالابتسامة لتصل إلى الضحكة ثم إلى القهقهة، بل تنقلك فور جلوسك على أحد مقاعد المسرح (في مدرسة المخلص في بدارو)، إلى حالة من الزهو منذ اللحظات الأولى لاعتلاء سامي خيّاط الخشبة إلى حين انسدال ستارة الختام. كلّ ما يخطر على بالك من مواضيع معيشية وأخرى سياسية وإعلامية وحتى استشفائية، يتضمنها نصّ المسرحية والتي ينفّذها من ألفها إلى يائها كعادته سامي خياط. وأول ما تطالعك به المسرحية مشهد يطلّ فيه أبطالها سابين خياط (ابنة سامي خياط) وناي رياشي وهما في حالة غيبوبة في مستشفى اسمه «مستشفظيع». فيحاول الطبيب المعالج الذي يلعب دوره جاد سعد إيقاظهما دون جدوى، حتى وصول الطبيب المشرف (سامي خياط)، الذي لا يعجبه أسلوب مساعده فيقوم بالمهمة على طريقته، فيقرع بالجرس فوق رأسيهما وهو يردد: «سلسلة الرواتب.. أزمة النفايات.. رواتب رجال الدفاع»، وما إلى هنالك من مشكلات معيشية تثقل كاهل اللبناني. فتستفيق المريضتان وقد استوعبتا فورا أنهما في لبنان. ومنذ تلك اللحظة تبدآن في تذكّر معاناتهما في هذا البلد، فلقد استيقظتا للتوّ من غيبوبة عميقة تمنّتا لو بقيتا فيها، بعد أن صارتا واعيتين على واقعهما. ومن هناك تأخذ المسرحية مسارها لسرد كل شاردة وواردة يعيشها اللبناني في يومياته الرتيبة بشكل ساخر، يرافقها أداء كوميدي لأبطالها وفي مقدّمهم سامي خيّاط. وبدءا بشخصيات السياسيين ومرورا بالإعلاميين المشهورين ووصولا إلى برامج التلفزة واللبنانيين أنفسهم، يقدّم كل من أبطال العمل أغنية تصف كل هؤلاء، بإيقاع سريع وقفشات ضاحكة لا يملّ حاضرها من متابعتها لما تتضمن من واقع ملموس مضحك ومبكٍ معا. ويغني سامي خياط ويرقص ويفجّر نكاته العفوية ويغنّي دون أن يتعب، فهو يملك طاقة وحماسة لا تنتهيان رغم أنه على أبواب الثمانين من عمره، وتاريخه المسرحي يعود إلى 56 عاما، أي ما يتجاوز نصف قرن. وإثر استيقاظ اللبنانيين من غيبوبتهم، يأتي السيّاح الأجانب للوقوف على كيفية تجاوزهم هذه المحنة، ولينهلوا منهم المعرفة والحنكة. وخلال المسرحية نستمع إلى اسكتشات مغناة بصوت ابنة خيّاط سابين، التي ورثت عن والدتها نايلة خياط (زوجة سامي خياط ورفيقة دربه منذ لحظاته الفنيّة الأولى) موهبتها الغنائية بصوتها الأنيق الشبيه بصوت الراحلة داليدا. وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» يوضح سامي خياط عن غياب زوجته عن هذا العمل، إذ يقول إنها «الغائبة الحاضرة أبدا في أعمالي الحالية». ويتابع: «تستمعون إلى صوتها في إعلانات المسرحية، فنايلة اليوم منشغلة في تقديم مسرحيات للأطفال». وتكمل المسرحية أحداثها الفكاهية لتقلب الصفحة تلو الأخرى في كتاب حياة اللبنانيين، ناقلة بعض تفاصيلها، وبينها «رنّات الهاتف المحمول» التي تصيبك بالتوتّر أثناء اتصالك بأحدهم، وخدمة التوصيل المجاني (ديليفري) التي صارت تشمل كل أنواع السلع، وحتى تلك التي تصل إليك بصورة غير مباشرة عن طريق الخطأ دون أن تطلبها، كالنكات والمواهب الغنائية في البرامج المتلفزة. وبعد مرور الأجانب في لبنان وقد تقمصّ شخصياتهم أبطال المسرحية، ليأخذونا برحلة إلى فرنسا وإسبانيا وروسيا وأميركا، من خلال حوارات ظريفة تدور بينهم وبين المواطن اللبناني (سامي خياط)، ودائما بأسلوبه المسرحي الكوميدي المميز به، والذي يبلغ أوجه في تلك المشاهد، تسدل ستارة النهاية لهذه المسرحية التي لم يتوانَ مخرجها ومؤلفها في استخدام أسلوب التفاعل مع الحضور، ليطرح أسئلة مباشرة عليهم، أو لينزل عن خشبة المسرح ويتجوّل في ما بينهم وهو يمسك بميكروفون وهمي، ليقف على المطالب التي يرغب اللبناني في تحقيقها، بعد نزوله الشارع ضمن ظاهرة الحراك الشعبي التي راجت مؤخرا في لبنان. شريط طويل من حياتنا اليومية الممسرحة تختصرها «كوما سا فا» على مدى 90 دقيقة، حبكها سامي خيّاط بكلام مختصر وبتوقيت محكم، بحيث لا يسمحان لمشاهدها بأن يشعر بالملل ولو للحظات قليلة. وفي نهاية العرض الذي تسدل ستارته على صحون طائرة تغطّ في لبنان، ليكتشف سكان الفضاء من ناحيتهم سرّ استيقاظ اللبناني، أطلق سامي خياط صحنا إلكترونيا في فضاء قاعة العرض، وهو تقليد اعتاده جمهور مسرحه على مدى نصف قرن ونيّف. والشخص الذي يلتقط الصحن يفوز ببطاقتين لمشاهدة العرض المسرحي مرة جديدة. أشرف على عملية المونتاج والمؤثرات الصوتية سامي جونيور خيّاط، بينما تسلّمت عملية الإشراف على المسرحية ناتالي كتورة والتي شاركت في مشهد واحد من المسرحية. تجدر الإشارة إلى أن سامي خيّاط بدأ مشواره المسرحي في عام 1960 مع مسرحية بعنوان «موليير هوغو وسوفوكول»، ولتكر سبحة أعماله بعدها على مدى 56 عاما، والتي لم تتوقّف حتى في أيام الحرب اللبنانية. وتميّزت عناوين مسرحياته باللعب على الكلام ذي الطابع الفرنسي كـ«يس فور لياس» و«بعبدا بوم» و«أبو كليبس» و«ستار ايبيديمي» و«مين دريان mine de rien» و«قرف karafe» وغيرها من العناوين التي جمعها في أسطوانات مدمّجة أطلقها مؤخرا في الأسواق لتكون في متناول الجميع من أبناء جيلي الماضي والحاضر.

مشاركة :