في أواخر 2019 في جزيرة أوبولو في ساموا - بقعة صغيرة في المحيط الهادئ، تقع بين هاواي ونيوزيلندا - أعلنت حالة الطوارئ، نتيجة تفشي فيروس الحصبة الذي نقل إليها عبر شخص قدم من نيوزيلندا، موبوء به. انتشر المرض في الجزيرة وأصيب به نحو ستة آلاف شخص من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 197 ألف نسمة. اتخذت كل الاحتياطات لوقف انتشاره، فقد أغلقت المدارس والشركات، وتوقف العمال عن الذهاب إلى مكاتبهم، وتحولت ساموا إلى جزيرة أشباح، وعلقت الأعلام الحمراء خارج منازل العائلات غير المحصنة، في منظر مهيب. انتهى الوباء، لكن الفيروس أدى إلى "فقدان الذاكرة المناعي"، وهي ظاهرة غامضة ظهرت منذ آلاف الأعوام، عندما لاحظ العلماء أنه رغم تعافي المصابين بالحصبة فإنهم يظلون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، والوفاة لأسباب أخرى. ولم يكتشف الأمر إلا في 2012. فعندما تصاب بالحصبة، ينسى جهازك المناعي فجأة كل مسببات الأمراض التي واجهتها من قبل، كل نزلة برد، وكل نوبة إنفلونزا، وكل تعرض للبكتيريا أو الفيروسات في البيئة، وكل تطعيم، وهو ما يعني أن الضرر يكون دائما وشبه كامل. لذا يجب على الجسم بعد انتهاء الإصابة أن يعيد تعلم ما هو جيد وما هو سيئ تقريبا من الصفر. من المعروف أن مقاومتنا للأمراض تعتمد علـى مناعة أجسادنا التي تتكون منذ خروجنا من رحم أمهاتنا ومواجهة العالم القاسي الذي خرجنا إليه من مكاننا الدافئ المحمي بروح ودماء أمهاتنا، فالمناعة المكتسبة ضد أمراض العالم الخارجي لا تكون موجودة عند الولادة، إنما يجري تعلمها واكتسابها في مراحل الحياة اللاحقة. تبدأ عملية التعلم عندما يواجه الجهاز المناعي للشخص غزو مجموعة من الكائنات مثل البكتيريا والفيروسات، فيعرف بذكائه الفطري أنها مواد غير ذاتية أي غريبة من خارج الجسم "مستضدات". وبعد ذلك، تبدأ مكونات المناعة المكتسبة في تعلم أفضل وسيلة لمهاجمة كل مستضد على حدة، وتطوير ذاكرة خاصة به، وعندما تواجهه مرة أخرى تحاربه باستجابة مناعية مناسبة له، لذلك تعرف أيضا بالمناعة النوعية، ومن أهم ميزاتها قدرتها على التعلم، والتكيف، والتذكر. الخلايا اللمفاوية التائية والبائية أحد مكونات كريات الدم البيضاء، هي المسؤولة عن ذاكرتك المناعية، التي تجوب الجسم من خلال مجرى الدم، بحثا عن الغزاة ومهاجمتهم للحفاظ على صحتك، والذاكرة المناعية هي الأساس الذي يعتمد عليه التلقيح. فإذا لم يكن لدى جهازك المناعي ذاكرة لمرض معين دعم باللقاحات من خلال حقن مسبب المرض المضعف أو الميت "اللقاح" لأوجد ذاكرة له.
مشاركة :