فنان عماني سحره جمال الخيول والوجوه فرسمها بأكثر من طريقة

  • 3/14/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يمتاز الفن التشكيلي العماني بخصوصية تمتح من عناصر البيئة العمانية بجغرافيتها وثقافتها الثرية. والكثير من التجارب شقت طريقها لتصنع بصمة خاصة على المستوى العربي وحتى العالمي. ولكن البدايات لم تكن سهلة، وهذا ما يكشفه أحد الرواد التشكيليين العمانيين منير الساجواني. خميس الصلتي مسقط- “ثمة تشكل نوعي لحركة الفن التشكيلي في سلطنة عُمان التي بدأت منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، وتبلورت من خلال توجه رسمي في عدد من المؤسسات ذات العلاقة، من بينها وزارة الإعلام وشؤون الشباب،آنذاك”، بهذه العبارة بدأ الفنان التشكيلي العُماني منير الساجواني سرد مسيرته الفنية وواقع الفن البصري الخاص به، حيث تأسست اللبنات الأولى لهذا المسار الذي أوجد بعد حين تفردا في التجربة الفنية ونضجها. ويشير الساجواني إلى أن مسيرته بدأت مع مجموعة من الفنانين التشكيليين، منهم أنور بن خميس سونيا والراحل عيسى بورك، والتي شكلت مرحلة استثنائية -حسب تعبيره- وعززت تلك المسيرة المسؤولية الرسمية لدى الفنان والنهوض بأعماله محليا وعربيا. حركة الرواد بوكس شارك الفنان الساجواني مؤخرا ضمن معرض فني أقيم في النادي الثقافي بمشاركة رواد الفن في سلطنة عُمان، وعبر عن سعادته لعودته إلى الفن بعد سنوات من الانقطاع التي تأثرت بظروف اجتماعية وعملية في آن واحد. وقد أنجز لهذا الغرض لوحتين تشكيليتين عرضهما، يقول “هذا المعرض يعيدني إلى السنوات الأولى في مسيرتي وأنا ألتقي بمجموعة فنية أعتبرها من رواد الحركة التشكيلية في عُمان، وأتمنى أن تستمر هذه المعارض على مدى السنوات المقبلة ولا تتوقف عند وقت معين”. وحول النتاج الفني يقول الساجواني “السنوات التي عشتها مع زملاء اللون والفرشاة أكدت على الوعي في الشأن الفني، وقد رسخت لدى المتلقي الكثير من الأفكار الفنية وتنوعها، نظرا إلى التنوع في التوجهات الفنية التي قدمها زملاء الفن آنذاك بين النحت والتشكيل والرسم، ومن بينهم الراحلون أيوب ملنج البلوشي ومحمد نظام شاه وحسن عيسى بورك، بالإضافة إلى أنور خميس سونيا وحسن عبدالخالق ورابحة محمود وعبدالله الريامي ولال بخش علي ومحمود يوسف مكي، الذين أثروا الحركة الفنية في بداية عهدها وأسهموا بما لديهم من مواهب في تقديم النموذج الأول للوحة الفنية، وكان مرسم الشباب حينها هو المؤسسة الراعية لهذه الكوكبة إلى جانب بعض الأندية في محافظة مسقط”. وتطرق الساجواني إلى فكرة إنشاء مرسم الشباب، قائلا “إنها جاءت بتوجيه من الراحل السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور بتنسيق مع عدد من المؤسسات ذات الصلة. وقد تدرجت على تولي إدارة العمل فيه مجموعة من المهتمين، منهم الدكتور بهاء عشم خبير الفنون التشكيلية من جمهورية مصر ومحمود بن يوسف مكي وعيسى بن شهداد ومصطفي بط، وصاحب إنشاء المرسم تنفيذ العديد من الدورات التدريبية الفنية وحلقات العمل، التي صقلت المواهب التي ترتاد المرسم، كما صاحب ذلك الحراك دعم إعلامي واضح من قبل المؤسسات الإعلامية العاملة في سلطنة عُمان؛ ما عزز الحضور الفني للوحة العُمانية في المحافل المحلية والإقليمية والدولية”. ويذكر الساجواني بعض التحديات التي كانت تواجه الرعيل الأول من الفنانين، “منها قلة المعلومات والمصادر الفنية، تضاف إليها الأدوات التي تُمكن الفنان من ممارسة شغفه الفني، والتحدي الأكبر كان عدم تفرغ الفنان بشكل كلي لإنجاز نشاطه الفني، كما كان يواجه عددا من الإشكاليات خاصة بشأن التواصل مع الفنانين الخليجيين والعرب، نظرا لقلة المعلومات عنهم أو عدم القدرة على التواصل معهم والتعرف عليهم عن قرب”. ويشير إلى أن الحركة الفنية في منتصف السبعينات كانت رائعة، فهناك إقبال مميز في اقتناء اللوحات، سواء من قبل الأفراد أو المؤسسات الرسمية والخاصة، وهذا ما أوجد مساحة للتواصل في الساحة الفنية التشكيلية، ويعود الساجواني إلى عام 1978 حيث أقام نادي النهضة أول معرض فني رسمي تحت إشراف الدكتور فؤاد بن جعفر الساجواني، والفنان علي حبيب مال الله، بمشاركة عُمانية وبعض الجاليات العربية. وعرج الساجواني على التطور الذي شهدته الحركة الفنية وأهم المدارس الفنية التي تُمارَس في ذلك الوقت، كما يشير إلى أن التطور لم يتوقف عند شخص بعينه، وأن التدارس بين الفنانين كان واضحا ومهما، موضحا “لقد عملتُ على عدة مدارس من بينها: الواقعية والتكعيبية والرومانسية وحتى السريالية، مرورا برسم الكاريكاتير، كما عملتُ عند عدة جهات رسمية لتنفيذ لوحات فنية، وقد نلتُ على ذلك تكريما مستحقا مازلت أحتفظ به ضمن مسيرة عطائي الفني”. بوكس ويؤكد الفنان العماني “أخذت تجربتي الفنية حتى هذا العام قرابة الأربعة عقود، وقد أسهمتُ من خلالها في تقريب الصورة للمجتمع عن اللوحة العُمانية وما يتناوله الفنان فيها من مواضيع وتجارب بصرية ولونية امتزجت فيها المشاعر والأحاسيس النابتة من بيئتنا العُمانية الغنية بالمفردات، بالإضافة إلى ما يعتري أمشاج الروح من مشاعر وأحاسيس قد تكون كامنة في دواخل المظاهر الخارجية للأشياء”. تنوع الأساليب وعن البدايات يوضح “منذ البدايات الأولى قدمتُ مع زملائي الفنانين على الصعيد الداخلي والخارجي أعمالا فنية كانت مثار إعجاب واستحسان من مختلف أطياف المتابعين، وقد كان من أبرز ما اتجهتُ إليه في مواضيعي الفنية كما أشرتُ سابقا هو الأسلوب الواقعي فرسمتُ الطبيعة العُمانية في لوحات بانورامية متسعة الأفق، وأحيانا يعجبني مظهر محدد من مظاهرها فأحاورها محاورة العاشق لجمال سلطنة عُمان، كما رسمتُ التراث العُماني والحرفيين العُمانيين أثناء ممارستهم لصنعتهم، وكذلك نفذتُ لوحات صورتُ فيها الرجال والنساء العُمانيين بأزيائهم الجميلة وهم في بيئاتهم التي يعيشون فيها أو في مواقع مختلفة كنوع من توثيق اللحظة”. ويضيف الساجواني “كانت للمشاعر والعواطف مساحة في لوحاتي حيث رسمتُ الأمومة والإنسانية في مفهومها العام، وقدمتها في قوالب بصرية ناطقة، ثم إني كنتُ أتعايش مع الأحداث التي تمر بها الشعوب في العالم وما تمر به من تحديات وويلات، فكانت لوحاتي هي الملاذ الذي يمنحني المساحة للتعبير عن أحداث الساعة وتقديمها للمجتمع بأسلوبي الفني الذي اعتادوا عليه، وقد لاقت تفاعلا طيبا من الجمهور عند مشاهدتهم لها”. ويردف “كانت للخيل مساحة ممتدة في حياتي الفنية؛ حيث قمتُ برسمه في زوايا وأشكال حركية مختلفة لما يحمله من جمال شكلي وقوة بدنية هائلة، وكان لألوانه الساحرة عنوان للوحاتي حيث عُرفت بأنني من أكثر الفنانين الذين رسموا الخيل آنذاك، أما المساحة السريالية والتجريدية فكانت أحد المنعطفات التي سرت عليها في تجربتي التشكيلية؛ حيث أجد في بعض الأحيان أن الموضوع الذي أود التعبير عنه لا يمكن أن تقدمه اللوحة الواقعية؛ فأعمد إلى الأسلوب السريالي أو التجريدي بحسب الفكرة التي أود أن أقدمها بطريقة درامية وتفاعلية تدهش المتأمل، وتستوقفه بقوة الضربات اللونية أو الأشكال الصادمة أو البناء التركيبي المتحرك بصريا”. ويؤكد أنه كثيرا ما يستهويه رسم الوجوه، وقد نفذ منها الكثير من الأعمال سواء كان الوجه بورتريه شخصيا أو للأهل والأصدقاء، أو بحسب ما يطلبه بعض المتابعين لفنه. الحركة الفنية في منتصف السبعينات كانت رائعة، فهناك إقبال مميز في اقتناء اللوحات، وهذا ما أوجد مساحة للتواصل في الساحة الفنية التشكيلية ويبين الساجواني “يسير الجانب التقني في تنفيذ أعمالي الفنية سيرا تكامليا مع الأفكار والمواضيع التي أتناولها في لوحاتي، وذلك بما تكون لي من خبرات واسعة في التعامل مع مختلف الوسائط اللونية، حيث إنني أمتلك تحكما عاليا في استخدام الألوان الزيتية التي رافقتني طيلة عمري الفني، وكانت هي الأساس في فني الذي أعمل عليه، ويسير إلى جنبها وسيط الألوان المائية الذي نفذت من خلاله الكثير من اللوحات، حيث إن الألوان المائية سهلة التناول وتحمل قدرا من الشفافية التي لا تمتلكها الألوان الزيتية إلى حد ما”. ويقول في السياق ذاته “أستطيع أن أحملها معي وأرسم بها في أي وقت ومكان، وتعاملتُ في بعض التجارب مع الأخشاب والطين والغرافيك والرسم على المجسمات وغيرها؛ وذلك لإيماني بأن الفنان دائم التجريب في الخامات وكلها تشكل مصدرا أساسيا من مصادر التعبير لديه، وتلهمه باستمرار في تقديم أفكاره الفنية بطرق متنوعة ومختلفة الأساليب والأنماط الشكلية”. ويشير الساجواني إلى رحلة الفن التي جاءت من خلال معاناة صاحبت تلك الفترة، لكن وجود المعينين من زملاء الفن ساعده في تجاوز المحن، وهي التي عززت تواصله إلى الآن، ويؤكد أن إلى جانب ذلك الفن كانت لديه محاولات لكتابة القصص والخواطر التي تعينه على تجاوز وقائع يومياته.

مشاركة :