'الكبرياء الصيني' رحلة بحث عن الذات في أرض الأحلام

  • 3/17/2023
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة - قدم المخرج السينمائي المصري خيري بشارة مجموعة ساحرة من الأفلام على مدى نصف قرن وفي السادسة والسبعين من عمره قرر خوض المجال الأدبي بروايته الأولى "الكبرياء الصيني" التي استلهم فكرتها من حياة رجل جاء من الصين "أرض الأساطير" ليحقق ذاته في مصر "أرض الأحلام". ولفت خيري بشارة في مناقشة للرواية بسينما زاوية في وسط القاهرة هذا الأسبوع إلى أن خوضه مجال الكتابة الأدبية ليس بالغريب، لأن العلاقة بين السينما والأدب علاقة وثيقة ومتبادلة. وأشار إلى أنه استلهم فكرة العمل من قصة والد زميل سابق له في معهد السينما ترك الفن للتفرغ للأعمال التجارية. وأضاف أنه سمع من صديقه هاني يان قصة اختفاء والده في منتصف تسعينيات القرن الماضي وكيف كانت تجربة مؤلمة للعائلة لينتقل هذا الشعور بالألم إليه ويتخذه منطلقا للرواية التي رسم خطوطها العريضة من الواقع، بينما جاءت تفاصيلها بالكامل من وحي الخيال. وقال "في الرواية كتبت عن كونج يونج وعن الكبرياء الصيني، لكن في الواقع هي تعكس همومي الشخصية وهواجسي وآلامي، كثير منها يمسني جدا رغم أني لا أحكي عن نفسي ولا حياتي.. هي صورة للذات لكن دون أن تكون سيرة ذاتية". وتتناول الرواية الصادرة عن دار الشروق في 517 صفحة من القطع المتوسط حياة الشاب كونج يونج الذي هجر قريته النائية وأسرته المعدمة ليسافر فوق دراجة هوائية إلى شنغهاي بحثا عن حياة أفضل لتقوده الأقدار إلى مغادرة الصين عام 1937 دون أوراق ثبوتية أو مال على متن باخرة لا يعرف وجهتها. يهبط الشاب الصيني أرض مصر التي لم يسمع عنها من قبل حاملا رسالة من امرأة مجهولة قابلها صدفة في ميناء شنغهاي إلى زوجها الذي انقطعت أخباره قبل سنوات في مصر، وفي رحلة بحثه عن صاحب الرسالة يتم القبض عليه وترحيله إلى القاهرة حيث تتفتح أمامه أبواب حياة جديدة. بعد استخراج أوراق هوية بمساعدة السفارة الصينية في القاهرة يشق كونج يونج طريقه في بلد لا يعرف لغته وليس له فيه مأوى أو سند فيعمل في مهن مختلفة حتى يستقر به الحال عند بائع تحف يهودي بولندي يتشرب منه الصيني الوافد أسرار المهنة ويبدأ السير في نفس الطريق. وطوال رحلته من الصين إلى مصر تلعب المرأة دور الملهمة في حياة كونج يونج، بدءا من زوجته التي تركها حبلى دون أن يعرف مصير مولوده، مرورا بالصحفية روشي التي اصطحبته معها على متن الباخرة ثم تاليا يانوفسكي ابنة تاجر التحف، وصولا إلى روزانا المصرية من أصل لبناني والتي اعتنق المسيحية من أجل الزواج بها. يستدعي كونج يونج شقيقه الأكبر كونج يان من الصين ويتشاركان في دار سينما في حي شبرا، ثم تتوسع مشاريعهما التجارية ليفتتحا مطعما للمأكولات الصينية باسم شينجداو في وسط القاهرة، لكن الشقيق الأكبر مثير للمتاعب وينتهي به الحال إلى مصير مأساوي. ورغم أن كونج يونج شخص مسالم تماما وينأى بنفسه عن السياسة تتقاطع خطوط حياته مع الأحداث السياسية الكبرى في مصر رغما عنه، إذ كان قريبا من طبقة الباشاوات في زمن الملكية بحكم عمله في تجارة التحف وبعدها وضعته مكانته المتميزة ضمن الجالية الصينية في مواقف صعبة. أنجب كونج يونج ابنا واحدا من زوجته روزانا التي لها توأم من زيجة سابقة، لكن الابن آدم الذي ولد عام 1956 يعاني خلال حياته بسبب ازدواج هويته، فيتعرض للتنمر في طفولته بالمدرسة، ثم يتعرض لاعتداء وهو في الجامعة في حقبة السبعينات التي شهدت مدا للفكر المتطرف قبل حادث اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات. تتوقف أحداث الرواية عند عام 1994 حين بلغ كونج يونج عامه السابع والسبعين فتبدلت أحواله تماما بعد أن أنهكته رحلة البحث عن الذات وانفصل عن محيطه فخرج ذات يوم من المنزل هائما على وجهه بالبيجاما والقبقاب لتبدأ رحلة البحث عنه في شوارع القاهرة. وتزخر الرواية التي تبدو في جوهرها رحلة ذاتية لرجل جاء من شرق آسيا وحقق طموحه في بناء إمبراطوريته الشخصية بمصر، بالتفاصيل السياسية والاجتماعية الدقيقة للعالم على مدى ستة عقود ربط خلالها المؤلف بين خروج كونج يونج من الفقر والجهل في قريته النائية وبين التحول الذي حققته الصين خلال نفس الفترة حتى أصبحت قوة عالمية. كما أنها تقدم للمكتبة العربية نظرة نادرة لتاريخ مصر الحديث بعين مهاجر صيني شهد ثورة 1952 والعدوان الثلاثي في 1956 ثم حرب 1973 وزلزال 1992 وعلاقة الأنظمة السياسية المتعاقبة بالصين. ويبدو الجهد البحثي في العمل جليا ومدهشا، نظرا لأن المؤلف لم يزر الصين مطلقا في حياته لكنه وصف مبانيها وشوارعها ومواطنيها بشكل تفصيلي، كما حرص في طيات الرواية على التأريخ للسينما المصرية والعالمية بحكم مهنته كمخرج من خلال الربط بين الأحداث وتوقيتات عرض الأفلام، بل ووضع في النهاية نبذة عن كل شخصية ومكان كانت أشبه بالتنويه الذي يسبق دوما كلمة النهاية. وخيري بشارة مخرج مصري كانت بدايته من خلال السينما التسجيلية خاصة مع إنشاء المركز القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة في العام 1967، وبعدها أصبحت الفرصة متاحة للإعلان عن جماعة السينما الجديدة والتي كان بشارة أحد أعمدتها. وفي زاده العديد من الأفلام التي تحمل بصمته الخاصة بينها "يوم مر ويوم حلو" و"آيس كريم في جليم" و"أميركا شيكا بيكا" و"إشارة مرور"، إلى جانب مسلسلات تحمل توقيعه الإخراجي مثل "ملح الأرض" و"ريش نعام وغيرهما. وأشار خيري بشارة إلى أنه يكتب قصائد من الشعر الحر، كما أنه كتب في السابق رواية من فصلين فقط هما الفصل الأول والفصل الأخير ثم توقف لكنه ينوي حاليا العودة لاستكمالها.

مشاركة :