أملنا أن نرى راية محاربة الفساد خفاقة فوق كل مبنى حكومي أو تجاري يقدم خدمات للمستفيدين بغض النظر عن من هم، أو أين يوجدون. في الأسبوع الماضي أعلنت مؤسسة (سعفة) القدوة الحسنة الخيرية عن الجهات الفائزة بجائزتها للشفافية لعام 2015 وقد حصل على الجائزة مناصفة شركة التعدين السعودية (معادن) والهيئة العامة للغذاء والدواء. وكان قد تقدم للحصول على الجائزة 31 منظمة سعودية تم ترشيح خمس عشرة منها. عندما يتقدم هذا العدد القليل من الشركات للحصول على جائزة الشفافية، وليس بينها قطاعات حكومية خدمية مهمة تبرز لنا حقيقة أن هناك تخوفاً لدى الكثيرين من مواجهة الحقيقة والمساءلة عن أسباب الفساد والقصور إدارياً كان أو مالياً، والذين بدون محاربتهما لن يتحقق لنا التقدم المطلوب الذي ينشده الجميع. الشفافية وسيلة فاعلة لمحاسبة المسؤول ومكافحة الفساد، وقد سبق للحكومة أن اتخذت خطوات منذ مدة لتفعيل مفهوم الشفافية ومحاسبة المقصر وجاء تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) التي تفاءل بها الجميع ولكن من البداية كان هناك تنازع في الاختصاص بينها وبين جهات حكومية أخرى، ومن خلال ما نسمع ونقرأ لم نجد ترجمة واقعية وحقيقية لمفهوم النزاهة وكل ما تم الإعلان عنه كان حالات لمخالفات أو تجاوزات بسيطة ولا تمثل الكثير مما هو حاصل. الشفافية، مهما تعمّق تطبيقها في أي قطاع فإنه لا غنى لها عن الإعلام فعن طريقه تتم المشاركة بقدر كبير من الأفكار والمقترحات من قبل رجال يملكون بمعرفتهم القدرة على التأثير في كثير من القرارات التي تخدم الصالح العام. إتاحة الفرصة للإعلام للاطلاع على ما يتم نقاشه من موضوعات وما يتم اتخاذه من قرارات والسماح بمناقشة القوانين والتعليمات كل ذلك من شأنه أن يسهل على النظام أن يكون شفافاً ويضيق الفرصة على كل من يريد الفساد وإساءة السلطة. الشفافية والفساد بينهما علاقة عكسية؛ فكلما ازداد معدل الشفافية انخفض معدل الفساد والعكس صحيح. هذه الشفافية ليست بالمطلب الصعب، ومن الممكن أن يتنافس على الفوز بجائزتها مئات الجهات الحكومية وغيرها متى ما توفرت لديها عناصر عدة منها: * زيادة الشراكة بين كل قطاع وبين المواطنين الذين عليهم أيضاً الاستعانة بمؤسسات المجتمع المدني التي لا تزال تعاني الكثير من الضعف في بيئتنا المحلية. * سن قوانين وأنظمة قابلة للتطبيق دون تفرقة بين المواطن العادي وصاحب النفوذ. * متابعة متواصلة وتقارير دورية تصدر من كل جهة تبين مواطن الفساد وحالاته وما تم اتخاذه من قرارات حياله. الشفافية، وإن كانت مطلباً ملحاً لنا في كل قطاع إلا أنه لا تزال هناك عقبات كأداء علينا تجاوزها. هناك سرية وتكتم كبيران أمام كل مخالفات وتجاوزات تحصل وتخلّف وراءها خسائر لا حصر لها، ولو تمت المساءلة والعقوبة ثم التشهير بكل مخالف لارتدع الآخرون. أين الرقابة اللصيقة وشعار (من أين لك هذا). فتحت الكثير من ملفات التحقيق في قضايا تهمّ المواطن ولم نسمع عن ماذا تمّ فيها، ومن كان المسؤول عن التجاوز وماذا كانت العقوبة. مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام لا نريدهما أن يفوتا علينا فرص المشاركة في الرأي والمتابعة والمساءلة ومن ثم تأكيد المحاسبة وإيصال صوت المواطن ورأيه، ونريد عام 2016 أن يكون عام الشفافية في ظل التغييرات التي تشهدها المملكة في كل مرفق، وفي انتظار مئات المرشحين لجائزة (سعفة) هذا العام ممن سيتبنى منهج محاربة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة.
مشاركة :