خلَّف إعلان وزير الداخلية التونسية توفيق شرف الدين استقالته من منصبه بصفة مفاجئة، مساء أمس، عدة تساؤلات داخل الأوساط السياسية والحقوقية حول الأسباب الحقيقية لهذه الاستقالة، وإن كانت لها علاقة بالتصريح الأخير الذي اعتبر فيه شرف الدين أن الموقوفين «خونة ومجرمون»، وهو التصريح الذي محل انتقادات عديدة من قبل ناشطين وسياسيين وحقوقيين، أم أن الاستقالة لها علاقة بصراع الأجنحة، الذي انطلق قبل سنوات عندما استقالت نادية عكاشة، مديرة الديوان الرئاسي، وصرحت وقتها بأنها على خلاف مع الجناح السياسي، الذي يمثله شرف الدين، المقرَّب كثيراً من الرئيس قيس سعيد، وقائد حملته الانتخابية في منطقة سوسة (وسط شرقي). ولم تخلف هذه الاستقالة المفاجئة استغراب الكثير من الأطراف السياسية والنقابية والحقوقية، وأكد طرف نقابي، تحفَّظ على ذكر اسمه، صعوبة قراءة هذه الاستقالة، خاصة أن من سيخلف توفيق شرف الدين هو كمال الفقي، الذي يعد من المقربين والمحسوبين على الطرف المتشدد، الذي يستعين به الرئيس سعيد لتمرير مشروعه السياسي، حيث كان الفقي عندما شغل منصب والي تونس من أهم المعترضين على المسيَّرات الاحتجاجية، التي عرفتها العاصمة التونسية خلال الأشهر الماضية، وقام بمنع أكثر من مظاهرة سياسية، وعبَّر في أكثر من مناسبة عن دعمه الصريح لقرارات الرئيس سعيد، وهو ما قد يرجح أن العلاقة بين وزارة الداخلية التونسية وممثلي المجتمع المدني بمختلف مكوناته ستعرف مزيداً من التدهور، حسب بعض المراقبين. ورغم أن شرف الدين عزا استقالته لأسباب عائلية، فإن هذه الاستقالة هيمنت على تعليقات جل التونسيين على مواقع التواصل، وزادت من انقسامهم حول حقيقة أسبابها. كما زادت من نسبة المؤيدين للرئيس التونسي، بصرف النظر عن اختياراته السياسية، وتأثيرها على الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب، وبين منتقدين لتوجهاته الرئاسية، و«لانفراده» في تسيير الشأن العام، وإقصاء الكثير من الأطراف السياسية والاجتماعية، التي دأبت خلال العشرية الماضية على المشاركة بفاعلية في القرار السياسي، وهو ما ترفضه تلك الأطراف التونسية بقوة. وبعد تقديم شرف الدين لاستقالته، قام الرئيس سعيد أمس بتعيين والي تونس كمال الفقي، أحد أشد مناصريه، لشغل منصب وزير الداخلية الجديد، وسط حملة اعتقالات شملت معارضين بارزين أثارت انتقادات دولية. وكان الفقي قد رفض هذا الشهر الترخيص لجبهة الخلاص المعارضة بالتظاهر وسط العاصمة، قائلاً إن قياداتها متورطة في التآمر على أمن الدولة، لكن وزارة الداخلية لم تتصدَ لها، وسمحت لها بالوصول لشارع الحبيب بورقيبة للاحتجاج.
مشاركة :