أشار كثير من المنظرين وعلماء الاجتماع إلى أن مفهوم التنوع الاجتماعي في المدينة يتجاوز الثقافة المحلية، ليشمل الثقافة المشتركة بين مجتمعات العالم، أو ما يعرف بالعولمة الثقافية.وهذا لا يعني ضياع أو انحسار الهوية المحلية للمدن، بل أن تكون المدينة قادرة على استيعاب الثقافات المتعددة لتتماهى معها.وتؤكد الرؤية الوطنية 2030 على بناء مجتمع حيوي، وهذا لا يتم إلا بالتنوع الثقافي والتعددية الإيجابية، فالمدن المستدامة تحقق التوازن بين البيئة والاقتصاد والمجتمع.إن ثقافة المجتمعات داخل المدينة يمكن وصفها بالثقافة الحضرية، وهي نتاج قضايا السلوك والتنوع الأيديولوجي والديني، وطبيعة المواقف والمعارف المكتسبة وأسلوب الحياة، ويأتي التنوع الاجتماعي حصيلة استقطاب المدن الكبرى للمهاجرين من الأرياف والمدن الصغيرة، بهدف تحسين أساليب المعيشة، والحصول على فرص أفضل، لتمتع المدن الكبرى غالبا بقاعدة اقتصادية وبنية تحتية قادرة على جذب شرائح اجتماعية متعددة، ومع ذلك يحصل الصراع الاجتماعي والمذهبي أحيانا، بسبب التعددية الاجتماعية واختلاف الثقافات، رغم أنها مستمدة في الأصل من المجتمع المحلي.في القرن الماضي لم تقدم النظريات الحضرية تدابير فاعلة لاستيعاب التنوع الاجتماعي والديني، أو حتى معالجة مشاكل التهميش الاجتماعي، وهكذا أدى التطور الاقتصادي السريع إلى استقطاب كثير من المهاجرين ليعيشوا في بيئات حضرية لم تكن مؤهلة في الواقع لمنع أو تقليل التعصب الديني والمذهبي، أو الفقر والتمييز العنصري.ظهرت كثير من السلبيات الحضرية المصاحبة للتنوع الاجتماعي، كعزل الفقراء والمجموعات الدينية المختلفة في أحياء هامشية، واحتكار العمل، وهيمنة الأغنياء على مصادر الثروة، واستعباد الفقراء والصراع الثقافي والديني، وأصبح التعصب في المدن الكبرى ملحوظا مقارنة بالمدن الصغيرة والأرياف ذات التجانس الاجتماعي والعرقي، واتضح ذلك جليا في كتابات إنجلز عام 1845م، وماكس ويبر من عام 1889م حتى عام 1920م، وجورج سيميل عام 1903.اليوم بدأ مفهوم الأنشطة الاقتصادية المكانية في الانحسار، وتبعا لذلك تغير مفهوم التنوع الاجتماعي من التنوع الثقافي المحلي إلى التنوع المطلق أو ما يعرف بالعولمة، كما أدى التحول الاقتصادي لنظام الإنتاج التقليدي نحو المعلوماتية إلى خلق التكامل الاقتصادي بين مدن العالم، لذلك أصبحت المدن مستقطبة ليس فقط الاستثمارات المحلية أو المهاجرين من المدن الصغيرة، ولكن أيضا الاستثمارات الدولية من خارج النطاق المحلي، وعلاوة على ذلك، شجعت القوانين والاتفاقيات الاقتصادية الدولية العديد من المستثمرين نحو الاستثمار والتنمية خارج الحدود.المجتمعات في مدن اليوم أصبحت منفتحة على العالم، وقادرة على تنظيم العلاقات فيما بينها وشجعت الليبرالية الحديثة في انتشار العمل الجماعي، والجمعيات التطوعية، والإدارة الذاتية، والتعددية الاجتماعية، لذلك من الأهمية بمكان أن تنحسر جميع الجوانب السلبية الناتجة عن التنوع الاجتماعي، كالتعصب الديني والطائفية المذهبية والتمييز العنصري والتي كانت عائقا نحو تقدم المدن.إن مفهوم «التسامح» اليوم، بات أكثر شيوعا في الأدبيات والنظريات الحضرية الحديثة، فالبنية الحضرية التي توفرها المدينة يفترض أن تكون أكثر انفتاحا وقادرة على استقطاب مجتمعات متباينة الخصائص والعرقيات والمذاهب والأديان.باختصار، «المدينة الليبرالية» هي مدينة متسامحة قادرة على استيعاب التنوع الاجتماعي بكل أصنافه وأطيافه، توفر لسكانها بنية تحتية للاتصالات ذات مستوى عال، وشركات دولية، وجامعات ومراكز أبحاث عالمية، وخدمات صحية وسياحية، ومراكز ثقافية ودينية متنوعة، وبنية اقتصادية، وقبل ذلك كله إطارا تشريعيا يحفز الاستثمار الأجنبي، ويخلق فرص التنمية الاجتماعية للجميع وبلا تمييز.@waleed_zm
مشاركة :