عالج موضوعات اجتماعية شائكة في المجتمع اللبناني بجرأة غير جارحة، من خلال أعمال فنية متنوّعة لمست اللبنانيين بمختلف فئاتهم الاجتماعية والعمرية. فنّه بسيط وعميق، مُضحك ومُبكٍ، راقٍ وساخر. يُغرّد جورج خباّز بفنه الراقي خارج السرب، فعندما يغيب، نتوق إلى عودته التي تكون دائما مدوّية. بعد نجاحه الكبير في لبنان، سواء بأعماله المسرحية أو التلفزيونية أو على الشاشة الذهبية، دخل إلى العالم العربي من بابه العريض من خلال فيلم "أصحاب ولا أعز"، وها هو اليوم يعزّز وجوده العربي من خلال مسلسل "براندو الشرق". وفي عدد "هي" الخاص بالمرأة، يكشف جورج خبّاز أنه يُعزي نجاح كلّ إنسان في هذه الدنيا إلى المرأة، فهي تحقق التوازن في هذه الدنيا غير العادلة. أما عن امرأة أحلامه، فيقول: "فتاة أحلامي، وجدتها مرّاتٍ عدّة، وحتّى لو لم يؤدّ ذلك إلى الارتباط، لكن كلّ امرأة مرّت في حياتي كانت بالنسبة لي فتاة أحلامي في مرحلة معيّنة”. ما تعريفك للمرأة؟ وما دورها في حياتك؟ مهما وصفنا المرأة، فلن نوفيها حقّها. لن أقدّم لكِ إجابة مبتذلة بأنّ المرأة هي الأمّ والأخت والحبيبة والزميلة، فدورها يتخطّى هذه الأبعاد بكثير. المرأة هي منبع العاطفة والتضحية. ويُعزى نجاح كلّ إنسان في هذه الدنيا إلى المرأة. فالأمّ هي مَن تربّي. وإن لم تكن المرأة أمّا، فهي تربّي بطريقة أخرى وفي مجالات أخرى. عاطفتها هي ما يميّزها عن الرجل، على الرغم من وجود الكثير من الرجال العاطفيّين. المرأة، بوجه عامّ، تحقّق التوازن في هذه الدنيا غير العادلة. هي مخلوق عظيم، ولن أوافق بأنّها نصف المجتمع والرجل هو النصف الآخر، لأنني لا أؤمن بذلك. فهل يعدّ الرجل من دون المرأة نصفا؟ وهل تعد المرأة من دون رجل نصفا؟ حتما لا! لكلّ واحدٍ منهما كيان كامل ومتكامل. يتميّز الرجل عن المرأة بأمور معيّنة، والمرأة كذلك، وهذا ما يصنع التوازن بينهما في هذا العالم. مَن المرأة التي أدّت دورا أساسيا في حياتك على الصعيدين الشخصيّ والمهني؟ بالتأكيد والدتي! فهي بالدرجة الأولى فنّانة وممثّلة. أدت أدوارا تمثيلية مع أبي، وتعرّفت إليه على المسرح. كما أنّها تتمتّع بصوت جميل. وإضافة إلى ذلك، تولت تربيتنا بأسلوب ديمقراطيّ وبحرية. فإذا كان الأهل غير ديمقراطيّين، فقد تواجهين عثراتٍ عدّة في حياتكِ حين يختارك الفنّ (وهنا أودّ أن أوضح أنني لا أؤمن بأنّ الشخص هو مَن يختار الغوص في مجال الفنّ بل العكس صحيح). لذلك، أسهمت أميّ، بمساعدة أبي طبعا، في تهيئة بيئة حاضنة لنصل أنا وإخوتي إلى ما نحن عليه اليوم. في أعمالك، كيف استطعت تسليط الضوء على المشكلات التي تعاني منها المرأة في المجتمع اللبناني؟ بطبيعة الحال، عندما أتحدّث في جميع أعمالي عن تقبّل الآخر والانفتاح والاختلاف والمساواة الاجتماعية، فأنا تلقائيا أتحدّث عن المرأة وتعزيز دورها، من دون ذكرها مباشرة، ولا سيما في بلد لم تتوصل فيه المرأة بعد إلى كامل حقوقها للأسف، مقارنة بالبلدان الأخرى. بالنسبة إليّ، يتعلّق الأمر بالمنهج التربويّ. فعند إعداد منهج تربويّ حقيقيّ وإنسانيّ، وحين ندرج الثقافة في المنهج العلميّ، فضلا عن الموادّ الفنيّة، وتكون علامات تلك الأخيرة موازية لعلامات الموادّ العلمية، نكون بذلك قد عزّزنا دور الإنسان بوجه عامّ، بما في ذلك دور المرأة. وكما أردّد دائما: " علّم ابنك كيف يرسم العصفور، فيتوقّف عن قتله عندما يكبر". فما بالكِ لو تعلّم المسرح والفنّ والرسم والموسيقى وغيرها؟ هنا يكون قد تعلّم بذلك رسم النفس البشرية، أي أن يحبّ ذاته بطريقة إيجابية، وسينعكس هذا الحبّ على الآخرين. برأيي، علينا أن نبدأ بتحسين المناهج التربوية لبناء مجتمع سليم ومنصف، ليس للمرأة فقط، بل لكلّ إنسان لم يستطع الوصول إلى حقوقه. المُغرّد خارج السرب جورج خباز من لبنان إلى الوطن العربي والعالم هل وجد جورج خبّاز فتاة أحلامه؟ لا أستطيع العيش من دون امرأة أبدا، فهي مصدر إلهامي. أمّا فتاة أحلامي، فقد وجدتها مرّاتٍ عدّة. وحتّى لو لم يؤدّ ذلك إلى الارتباط، لكن كلّ امرأة مرّت في حياتي كانت بالنسبة لي فتاة أحلامي في مرحلة محدّدة. ما المواصفات التي تبحث عنها في المرأة؟ ما من مواصفات محدّدة. المهمّ أن تكون امرأة بكلّ ما للكلمة من معنى، بأنوثتها وأخلاقها وإدارتها وطيبتها وثقافتها وخفّة دمها، وكلّ الصفات التي تشكّل امرأة حقيقية. أحرز مسلسل "براندو الشرق" نجاحا كبيرا في الدول العربية، فهو يتميّز عن غيره من المسلسلات التي اعتدنا مشاهدتها. أخبرنا قليلا عن هذه التجربة الاستثنائية وأصداء المسلسل. "براندو الشرق" مسلسل مختلف بكلّ ما للكلمة من معنى، وذلك من ناحية مقاربة النصّ، والإخراج، والتمثيل، وتحرّكات الكاميرا، والصورة، ومعنى المسلسل. أنا فخور جدّا به. قضيتُ نحو أربع سنوات لإنجازه، ما بين الفكرة والكتابة والتنفيذ. "براندو الشرق" هو رحلة بحث عن الحلم وعن الذات، وهو موجّه لكلّ الناس، فجميعنا نبحث عن ذاتنا وأحلامنا وطموحاتنا وأهدافنا بشكل أو بآخر. ويبعث في طيّاته برسائل كثيرة، منها: "فيما تبحث عن ذاتك، احرص على ألاّ تضيعها". المسلسل ناجح جدا على الرغم من أنّه لا ينتمي إلى نوع المسلسلات النمطية والتعليمية. وهنا، لا بد من أن أشكر شركة الصبّاح لتبنّيها عملا مختلفا. من المفترض أن يكون المسلسل نخبويّا، لكننا فوجئنا بأنّه نخبويّ وشعبيّ في الوقت نفسه، وذلك لأننا عملنا عليه بكلّ صدق واحتراف. وأرغب في تهنئة "شاهد" لتبنيها هذا المسلسل، فضلا عن المخرج أمين درة، والممثّلة الرائعة أمل عرفة، وجميع مَن عملوا على المسلسل، من ممثّلين وتقنيّين. جورج خبّاز، أنت تضيف إحساسا كبيرا إلى كلّ عمل تقدمه. لكن في ظلّ الأزمات والظروف الصعبة التي تمرّ بها بعض البلدان من حولنا، كيف لك أن تحوّل الألم إلى إبداع، والتحدّيات اليومية إلى فنّ راقٍ؟ من دون شكّ، أنّ الدور الأساسي للفنّ، إلى جانب كونه ترفيهيّا، هو دور تواصليّ، إذ يتواصل المشاهد مع نفسه من خلال شخصيّة تشبهه. فيتماهى معها، يضحك أو يبكي على نفسه من خلالها. هذا هو دور الفنّ، أن يكون مرآة ناصعة للمجتمع. والمرآة أساسية جدا، فحين تقفين أمامها، إمّا تثبّتين إيجابياتك، أو تلغين سلبياتك. تتعرّفين إلى نفسكِ من خلالها. وهو أمرٌ بالغ الأهمية، حتى لو لم تستطيعي أن تغيّري شيئا. فبمجرّد أن تكتشفي ما بكِ، تكونين قد تخطّيتِ الخطوة الأولى للعلاج. وفي بعض مجتمعاتنا التي، للأسف، تُهدر فيها حقوق الإنسان، يؤدّي الفنّ دورا بارزا في تسليط الضوء على هذا الأمر. وأنا أحاول أن أتناول موضوعات كان يجب تخطّيها منذ زمن، لكن لا بدّ أن نتذكّرها باستمرار لتحقيق مجتمع سليم. فالفنّ يبني مجتمعا سليما، إذا تمّ إنجازه بالشكل الصحيح وتناول قضايا معيّنة تجعل المشاهد متصالحا مع نفسه، وشاعرا بإنسانيته بطريقة أعمق، ممّا ينعكس على الآخرين. يُعرف جورج خبّاز بالمسرح وعشقه له. فهل من الممكن أن يعود إليه في لبنان والوطن العربي؟ بالتأكيد! أمضيتُ 25 سنة في المسرح، منها 17 سنة في مسرحي الخاصّ دون توقّف، إنتاجا وكتابة وإخراجا وتمثيلا... إلخ. ولكن ما أجبرني على التوقّف هو جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية الكبيرة التي عانى منها لبنان. وأعتقد أنّني كنتُ سأخون جمهوري لو أقمتُ مسرحيّات بأسعارٍ مرتفعة لا تتناسب مع الجمهور العريض. وأنا أريد أن يأتي الجميع إلى مسرحي. لا يجب أن نحرم أحدا من المسرح. لذلك، فإنّني في مرحلة التروّي الآن، وأنتظر ما سترسو عليه الأوضاع الاقتصادية قبل أن نبدأ من جديد. فقد اشتقتُ كثيرا إلى المسرح والناس أيضا، كما ألاحظ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. سأعود إلى المسرح من دون شكّ، فهناك الكثير لأقوله، ولا سيما خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي مرّت على العالم عموما، وعلى لبنان خصوصا. بالتأكيد، سأعود إلى مسرح ذي نطاق أوسع، وذلك لأنّني اكتسبتُ شهرة كبيرة في العالم العربي، بعد مسلسليّ "أصحاب ولا أعزّ" و"براندو الشرق"، وهو ما يعزّز أيضا انتشار مسرحي. ننتظر بشوق مسلسلك الرمضانيّ المقبل "النار بالنار". أخبرنا قليلا عنه. مسلسل "النار بالنار" واقعيّ للغاية. يتناول أزمة النازحين السوريين في لبنان، ويعالج موضوع العنصرية. وفي الوقت نفسه، يتناول ما يحدث في الأزقّة الفقيرة التي تُهدر فيها حقوق الإنسان أكثر من أيّ مكان آخر. وفضلا عن ذلك، يتميّز بقيمة فنيّة كبيرة من ناحية النصّ والإخراج والممثّلين، ومنهم، مع حفظ الألقاب، عابد فهد وكاريس بشّار. إنّها المرّة الأولى التي أقوم فيه بالتمثيل معهما، وهما رائعان. مشاهدي مع عابد فهد قليلة، لكنّني أستمتع عندما أشاهده. وتكمن المتعة الكبرى في مشاهدي مع الممثّلة الرائعة والمتمكّنة كاريس بشّار. ويشارك في العمل أيضا ممثّلون لبنانيّون وسوريّون رائعون، مثل زينة مكّي، طوني عيسى، طارق تميم، ساشا دحدوح، جمال العلي، وغيرهم. وأعتقد أنه المسلسل الأوّل السوري- اللبناني المشترك المبرّر إلى هذا الحدّ. فهو يتناول الأزمة العنصرية القائمة بين البلدين بكلّ بساطة. المُغرّد خارج السرب جورج خباز من لبنان إلى الوطن العربي والعالم أنتَ كاتب وممثّل ومخرج، فأيّ مجالٍ تفضّل؟ أشتاق لنفسي ممثّلا كلاسيكيّا تحت إدارة شخص آخر. فأنا أدير نفسي منذ 25 سنة. لذلك، استمتعت كثيرا في "الملك يمــــوت" مــع فــــــؤاد نعيـــــم، أو "تحـــــت القصـــف" مع فيــليـــــب عرقتنجي، أو "غدي" و"براندو الشرق" مع أمين درة (بالرغم من أنّني كاتبهما)، أو "أصحاب ولا أعزّ" مع وسام سميرة، أو قريبا "النار بالنار" مع محمد عبد العزيز ورامي كوسا. أنا ممثل أوّلا وأخيرا. عندما أشعر بضرورة الكتابة أو الإخراج أو الإنتاج، أفعل ذلك. على الرغم من أنّني لستُ منتجا، إلاّ أنّني حين عملتُ على إنتاج المسرح، فعلتُ ذلك من جيبي الخاص، لأنّني أؤمن بأنّ على كلّ فرد أن يخلق فرصه في الوقت الذي لا يؤمّن له القطاع العامّ هذه الفرص. وما يحثّني على التمثيل هو النصّ والدور وما يمكنني إضافته إليه والعكس صحيح، ومدى قدرتي على إظهار جوانب أخرى من جورج خبّاز الممثّل في دورٍ مستفزّ جديد. أيّ عمل لفت انتباهك في الفترة الأخيرة أكان عالميا أم عربيا؟ أحببتُ مسلسل "بطلوع الروح". وأعتزّ كثيرا بأفلام السينما اللبنانية، ولا سيما أفلام نادين لبكي وزياد دويري وهي أعمال وصلت إلى الأوسكار وإلى مهرجان "كان". كلّ عام، نشهد فيلما لبنانيّا في الصدارة. وهو أمرٌ نفتخر به في بلدٍ صغير يعتمد على القطاع الخاصّ. على سبيل المثال، أن ينطلق فيلم "أصحاب ولا أعزّ"، وتنتج عنه "زوبعة" من الشهرة في العالم العربي، شكلا ومضمونا، أمرٌ جيّد جدا بالنسبة إلى لبنان الذي يعاني، ومع ذلك، تنبثق منه طاقات خاصّة وشخصية تحقّق مثل هذه الإنجازات. في الحقيقة، أنا معجب بكلّ فرد يعمل بشكل عامّ، وبكلّ فرد يعمل باحتراف وصدق بشكلٍ خاصّ. أخيرا، ما مشاريع جورج خبّاز المستقبلية؟ أطلقت مؤخراً ألبومي الأوّل خارج إطار المسرح والسينما والتلفزيون، في مهرجان البستان، بعنوان "جايي الإيّام". قمنا بالتسجيل في ألمانيا ورومانيا ولبنان بمرافقة أوركسترا. الألبوم من توزيع لوقا صقر، وكلماتي وألحاني، ومن غناء لينا فرح. كما أحـــضّر لتصـــــــويــــر فيــــــلم بعنـــــــــوان "يونـــان" في مــديـــــــــنـــــة هامبــــورغ، وهو يستقي اسمه من النبي يونس عليه السلام كما كتب إسمه في العهد القديم، لكنّه لا يتناول قصته. أشارك التمثيل مع الممثّلة الألمانية العريقة Hanna Schygulla وSibel Kekilli ومجمــوعة كبــــــــــيرة من الممثّلين. الفيلم من إخراج أمير فخر الدين، وهو مخرج شابّ مبدع من أصل سوري مقيم في ألمانيا، وقد شارك فيلمه الأوّل "الغريب" في المسابقة الرسمية في البندقية. أنا متحمّس جدا لخوض هذه التجربة. وأحضّر أيضا لتصوير فيلم سينمائيّ في فصل الصيف من كتابة وإخراج ميشال كمون، ومن بطولتي مع نادين لبكي. وأخيرا، أعمل على فيلم كتبته بنفسي بعنوان "الواوي"، وقد تبنّته شركة الصبّاح، وسنبدأ بإنتاجه قريبا.
مشاركة :