المنامة - ياسر ابراهيم - مع إعلان التقارب بين السعودية وإيران في 10 مارس/ آذار الماضي برعاية صينية، أثار ذلك تساؤلات عديدة على انعكاس ذلك على الحرب في اليمن التي تدخل عامها التاسع على التوالي، والتي تعد إحدى الملفات التي هي مثار اتهامات وجدل بين طهران والرياض، حيث انقطعت العلاقة الدبلوماسية بينهما عقب التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية. وقبل الحديث عن المحاولات الدولية والإقليمية من خلال الحديث عن استغلال هذا الاتفاق لإبرام تسوية سياسية لإنهاء الحرب في اليمن، هناك تعقيدات كبيرة يجب على الأطراف حسمها ومنها شكل الدولة، حيث يتمسك كل طرف من الأطراف الفاعلة برؤية مختلفة، حتى في الرئاسي اليمني هناك من يؤمن بفكرة الدولة الاتحادية وفقا لمخرجات الحوار الوطني 2013، وآخرين يريدون الانفصال بدولتين والعودة إلى ما قبل الوحدة اليمنية 22 مايو/ آيار 1990. وربما يشير الاتفاق السعودي الإيراني إلى بدء خطوات فعلية في اتجاه التأسيس لحالة الانقسام والانفصال، حيث يتمثل باعتراف سعودي واضح بنفوذ إيراني حاسم في شمالي اليمن، عبر مليشيات الحوثي، بعد سنوات طويلة من الحرب ضدها هناك دون تحقيق اختراق حقيقي لإعادة الشرعية. وفي أغسطس/ آب 2022، قال عضو فريق خبراء لجنة العقوبات بمجلس الأمن سابقا، غريغوي دي جونسون، - في مقال بعنوان "فن الممكن في اليمن"- "إن خيار التقسيم في اليمن، هو الممكن والمتاح في اليمن، مقارنة بخيار الحلم الذي يعني استعادة صنعاء، أو خيار الكارثة الذي يعني تقسيم اليمن إلى دويلات متعددة تحت إمرة أمراء الحروب" ودعا الولايات المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ إلى البناء على نتائج الحرب والاستعداد للسير في تحقيق هذا الممكن، وفق وصفه. لنتذكر جيدا، أن التدخل السعودي عبر عاصفة الحزم في اليمن، جاء بعد تقدم الحوثي باتجاه جنوبي اليمن في مارس 2015، حيث سيطر الحوثي على صنعاء في سبتمبر2014، بينما كانت جميع السفارات في صنعاء بما فيها سفارة المملكة والولايات المتحدة. وقادت السعودية تدخلا عربيا لطرد الحوثي من جنوبي اليمن، بعد وصول مليشيا الحوثي قوات الرئيس السابق إلى عدن وتوجهه نحو الشرق من مأرب وشبوة، وسرعان ما طرد التحالف عبر الغارات الجوية والمقاومة الشعبية الحوثي من معظم محافظات جنوبي اليمن، ومأرب خلال2015 ولم يبدأ العام التالي إلا بوصول القوات الحكومية إلى مشارف صنعاء. وأدى التدخل الدولي في الحديدة عبر اتفاق السويد ديسمبر 2018 إلى وضع حد لإمكانية النصر عسكريا على الحوثي بل حول الحوثي من الدفاع إلى الهجوم في معظم الجبهات تقريبا. وعاد التحالف وتدخل مرة أخرى، بقوة مطلع 2022 خاصة عبر الإمارات، عندما تقدم الحوثي مرة أخرى باتجاه شبوة، وطرد الحوثي من كل المناطق المحيطة بالثروات النفطية والغازية في مأرب وشبوة. ما الذي تريده إيران؟ بالنسبة لإيران، عملت على مدى سنوات على رفض أي اتفاقية ثنائية أو متعددة بين الحكومة والحوثي أو بين الحوثي والسعودية، إذ كان خيارها المفضل وفقا للباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني فاطمة الصمادي، انسحاب سعودي أحادي الجانب من اليمن، مثل انسحاب التحالف من الحديدة، لا يترتب عليه أي التزام حوثي. غير أن ثمة عوامل متعددة معظمها محلية متعلقة بالداخل الإيراني استجدت خلال السنوات الأخيرة خاصة 2022، كانت سببا كافيا لقبول إيران حلا برعاية صينية، حيث تعاني إيران أزمة مشروعية في الداخل، واحتجاجات متواصلة ضد النظام، وتحديدا ضد نظام ولاية الفقيه، وانقسام عميق في منظومتها السياسية الناتجة عن الثورة، وأزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة مرتبطة بالملف النووي، والحرب في أوكرانيا، وتوتر حدودها مع دول الجوار، وأزمة خلافة خامنئي المريض. وقالت الخارجية الإيرانية في بيان لها إنها وقعت الاتفاق من أجل مصلحة الشعب الإيراني، ومصالح شعوب المنطقة، وأضافت أنها استخدمت جميع قدراتها بما فيها "القدرات الإقليمية" في سبيل تحقيق الاستقرار والأمن للمنطقة. وأضاف "إن طهران واثقة من دور هذه الاتفاقية وآثارها الإيجابية في تأمين المصالح المشتركة لشعبي إيران والمملكة العربية السعودية ودول أخرى في المنطقة". على المستوى اليمني، منيت مليشيا الحوثي بهزيمة ساحقة في مأرب مطلع السنة الماضية بددت ثلاث سنوات من الانتصارات الحوثية غير الحاسمة، آخرها السيطرة على الحديدة بدون حرب بعد انسحاب التحالف منها نهاية2021، مع كلفة عسكرية كبيرة تكبدتها المليشيا على مستوى الأفراد والتجنيد، وأزمة اقتصادية واسعة في مناطق سيطرة الحوثي، وتحول أولويات الحوثي من الهجمات على التحالف والحكومة إلى مواجهة الجبهة الداخلية والحفاظ عليها. بالإضافة إلى تفجر الصراعات بين قادة مليشيا الحوثي، على النفوذ والأموال والقوة، وتعاظم الصراعات بين الجماعات الإمامية التي ترى في الحوثي حركة اثني عشرية. ما الذي تريده السعودية؟ تهدف السعودية من خلال الاتفاقية إلى وقف الحرب، خاصة وقف الهجمات الجوية والصاروخية على منشآتها النفطية، تقول تقارير دولية إن إيران تعهدت بها، للسعودية، سواء تلك الهجمات التي باستخدام الحوثي، أو باستخدام جماعات شيعية تابعة لها في العراق. بالإضافة إلى ضمانات أمنية على الحدود تشمل منطقة عازلة بينها وبين الحوثي. وقال مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد العيبان الذي وقع عن المملكة على الاتفاقية الثلاثية يوم الجمعة، إن بلاده تهدف إلى فتح صفحة جديدة مع إيران، قائمة على الالتزام بالمواثيق والأعراف الدولية، وأن الرياض ستواصل البناء على ما تم الاتفاق عليه في بكين، وفق ما نشرته وكالة واس السعودية الرسمية. وفقا لوزير الخارجية السعودي قبيل أيام من توقيع اتفاق عودة العلاقات بين الرياض وطهران في بكين برعاية صينية، فإن الجهود المبذولة سرا وعلنا تهدف إلى تمديد الهدنة، وتحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار، ومن ثم الشروع في عملية سياسية عبر الحوار بين الأطراف اليمنية. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، عملت السعودية على إعادة هيكلة الحكومة، وإزاحة عبدربه هادي الرئيس الذي ظهر على مدى سنوات حكمه ضعيفا وغير كفء، وأعادت هندسة الرئاسة في اليمن بمجموعة متنافرة ومتنافسة من قادة التشكيلات العسكرية في المناطق الجنوبية وتعز ومأرب، وتعمل منذ أشهر على إعادة التوازن بين قوة أعضاء مجلس الرئاسة. ما لم تعالجه اتفاقية إيران السعودية: البعد المحلي للحرب لفهم التحديات المحلية الكبيرة أمام سير الحرب والسلام في اليمن، وبغض النظر عن التحديات الخارجية والإقليمية التي تعترض الاتفاقية الإيرانية السعودية على الأقل في اليمن، فإن عوامل محلية كثيرة تجعل الاتفاق هشا على المستوى المحلي. قالت الباحثة ميساء شجاع الدين، في المفارقة بين الاتفاق السعودي- المصري بالستينات لإنهاء حرب اليمن والاتفاق السعودي- الايراني الحالي، هو طبيعة الوضع اليمني داخليا. في الستينات،كان الطرف المنتصر قادر على استيعاب الجميع، بينما الطرف المنتصر اليوم اقصائي ويثير فزع الجميع. هذا غير إن نخبة الستينات كانت وطنية محترمة— maysaa shujaa ميساء شجاع الدين (@maysaashujaa) March 10, 2023 "إن الاتفاقية الحالية تشبه إلى حد كبير اتفاقية السعودية ومصر بشأن اليمن في نهاية ستينيات القرن الماضي، لكن اختلافا جوهريا مهما بينهما: "كانت السعودية الرابح الأكبر في تلك الاتفاقية قادرة على احتواء جميع أطراف النزاع في اليمن". بينما بنية النظام الإيراني المعتمد على البناء الأيديولوجي غير قادر على ذلك في اليمن، بالإضافة إلى افتقارها للموارد المالية اللازمة لتدخل طويل في اليمن. على مستوى الداخل، يمكن تعريف مليشيا الحوثي بأنها جماعة تقليدية شيعية جارودية مسلحة، تمارس السياسة بالعنف، وبالتالي تعمل منذ سنوات طويلة على إعادة تشكيل المجتمع بالقوة بالدرجة الأولى، في شعب كبير، يناهضها أغلبيته حتى في مناطق سيطرتها، بينما تفتقر إلى الموارد المالية اللازمة لإدامة سيطرتها لفترة طويلة. وبالتالي فإن مليشيا الحوثي فجرت جميع التوازنات المحلية التي كانت قائمة منذ عقود على المستوى المركزي وعلى مستوى المحافظات، سياسيا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، ومن غير الممكن استمرار هذا الوضع لفترة طويلة، حتى في ظل تدخل دولي كبير لإعادة الإعمار. وتشير المقاومة القبلية المسلحة رغم محدوديتها ومحدودية أهدافها، والاحتجاجات السلمية والنقابية التي اندلعت بعد الهزيمة الحوثية في مأرب مطلع السنة الماضية، وتنامت أثناء الهدنة، إلى تنامي فجوة العلاقات بين مليشيا الحوثي وبين المجتمع الذي يطالبها بأن تكون سلطة تقوم بوظائفها، بينما تصر المليشيا على التنصل من أي التزامات الدولة تجاه السكان باستثناء الجبايات الباهظة والكثيفة إلى مستقبل مليء بالمصاعب للسكان ومليشيا الحوثي. وأمام هذه التحديات، عملت مليشيا الحوثي طيلة السنة الماضية على استراتيجية تركز على أدوات المواجهة داخليا، شملت القمع العسكري الشديد على القبائل، وتنظيم سلسلة استعراضات عسكرية، وبناء مكثف لعدد من الأجهزة الاستخباراتية الجديدة مثل برنامج الصمود الوطني، ومواجهة الاستقطاب المعادي، ومدونة الأخلاق السلوكية للموظفين، وتحويل أولوياتها العسكرية من مواجهة التحالف والحكومة إلى مواجهة تحديات الجبهة الداخلية. يعمل الاتفاق على إنهاء سردية العدوان الموظفة جيدا من قبل الحوثي في مواجهة المطالب الشعبية، بينما تقوم العقيدة الجارودية المختلطة بالاثني عشرية على عدم تقديم أي خدمة مهما كانت، وسيضع الاتفاق مليشيا الحوثي في مأزق حقيقي أمام المطالب الشعبية، لن يكون بند تسليم المرتبات قادرا على حلها. وفي هذا السياق تعمل مليشيا الحوثي على استهداف ممنهج للقدرات الاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة، لإثارة الاضطرابات الاجتماعية هناك، شملت الهجمات الحوثية على موانئ النفط، وتحويل السفن قسرا إلى الحديدة رغم افتقاده الجاهزية الفنية اللازمة بما فيها الرافعات الجسرية والكهرباء والأمن. في المفارقة بين الاتفاق السعودي- المصري بالستينات لإنهاء حرب اليمن والاتفاق السعودي- الايراني الحالي، هو طبيعة الوضع اليمني داخليا. في الستينات،كان الطرف المنتصر قادر على استيعاب الجميع، بينما الطرف المنتصر اليوم اقصائي ويثير فزع الجميع. هذا غير إن نخبة الستينات كانت وطنية محترمة وبينما تبلغ الأزمة الاقتصادية ذروتها حتى الآن في مناطق سيطرة الحوثي، قال تقرير خبراء العقوبات إن الهجمات الحوثية على الاقتصاد الوطني عموما، وعلى القطاع الخاص حتى في مناطق سيطرتها، يستدعي تدخلا دوليا عاجلا باعتباره تهديد خطير على الأمن والسلم الدولي، فإن تداعيات الهدنة وتوقف اقتصاد الحرب مزق الجماعة حتى على مستويات قيادتها، خاصة بعد احتكار عائلة الحوثي والمقربين منه لمعظم الإيرادات، وأدى إلى احتجاجات متفرقة سلميا وعسكريا ضدها في عدة محافظات شملت صنعاء والحديدة والجوف وعمران. تعد أزمة الحكم ومشروعية النظام تحد هو الأخطر أمام مليشيا الحوثي، يغيب عبدالملك الحوثي في مكان سري مجهول منذ سنوات طويلة، ولم يذكر مفاهيم الجمهورية والديمقراطية إطلاقا في كل خطاباته الطويلة، ويعمل على إنتاج وبناء مؤسسات دولة موازية، جعلت حتى وزراء في حكومة الحوثي غير المعترف بها، يضجون بالشكوى من تلك المؤسسات الموازية، بينما تتقلص مساحة المشاركة حتى من حلفاء الحوثي أو من بعض قادته السابقين، الأمر الذي خلق نظاما أسريا فئويا مغلقا في مساحة يعيش فيها نصف السكان تقريبا، بدون موارد كافية تعمل على مقايضة المشاركة السياسية مقابل الخدمات. انكشاف الحوثي ويتوقع أن ينكشف الحوثي على مستويات جديدة من الضعف عسكريا وماليا إن نفذت إيران الاتفاق مع السعودية بدرجة كبيرة، ويظهر ذلك من خلال حالة الصدمة التي بدت على تصريحات قيادات الجماعة، والتي ذهبت بعيداً في رؤيتها للاتفاق ضمن في سياق الدعاية المكررة التي لها علاقة بالصراع من إسرائيل في المنطقة العربية. إذن يمكن القول إن الاتفاق بين الطرفين، يمكن أن يعالج إلى حد كبير الجانب الإقليمي في الحرب اليمنية بين الحكومة والحوثي والسعودية وإيران أو على بشكل أدق نتائج الحرب التي درات منذ2015 دون الوصول إلى جذور الحرب تلك، وثبت معادلة تبعية الحكومة للسعودية والتحالف (مع الإشارة إلى النفوذ المتعاظم أيضا للإمارات وسلطنة عمان في عدة محافظات)، وتبعية الحوثي لإيران، بعد سنوات طويلة من إنكار علاقة التبعية التامة من الحوثي لإيران. وعلى الأرض، انفصل الحوثي بما تحت سيطرته من مناطق وسن قوانينه الجديدة عليها، وأعاد بناء مؤسساتها وفقا لمصالحه، وعدل المناهج، وأنشأ الحدود والمنافذ الجمركية الانفصالية، وسيطر على القطاع الخاص ويدير اقتصاد حرب، وحد من حركة التنقل بين المحافظات التي يسيطر عليها وتلك المحررة، ولا يرى حاجة للشرعية المحلية، ولم يتبق إلا الاعتراف الدولي الذي قد توفره هذه الاتفاقية. بينما تعيش المناطق المحررة ضمن دولة أخرى فعليا، وفقا لنتائج الحرب الميدانية بأوضاع اقتصادية مزرية لكنها أقل سوءا مقارنة بالحوثي، وتشكيلات عسكرية متعددة، ومطالب انفصالية أخرى جنوبا لها تشكيلات عسكرية قوية، ومع أن تلك القوى لا تعادي الجمهورية كمبدأ ونظام، إلا أنها عسكرية غير ديمقراطية. وبالتالي فإن فرص نجاح هذا الحل الإقليمي المتصور في اليمن، محدودة في اليمن على الأغلب، وفي المديين المتوسط والبعيد.
مشاركة :